ذكرى رفيق الحريري… ولبنان وإيران

ذكرى رفيق الحريري… ولبنان وإيران

ذكرى رفيق الحريري… ولبنان وإيران

 تونس اليوم -

ذكرى رفيق الحريري… ولبنان وإيران

بقلم - خير الله خير الله

في ذكرى غياب رفيق الحريري، من المفيد، على الرغم من كل المصاعب التي يمرّ فيها لبنان، التذكير بأمر أساسي. لا يزال في لبنان من يقاوم المشروع الإيراني الذي أخذ أبعادا جديدة بعد الرابع عشر من شباط – فبراير عام 2005 يوم تفجير موكب رفيق الحريري.

ثقافة الموت قتلت رفيق الحريري وتكاد تقضي على لبنان
يصعب على اللبناني، المنتمي فعلا إلى فكرة اسمها لبنان، القبول بأنّ جريمة اغتيال رفيق الحريري في مثل هذه الأيّام، قبل أربعة عشر عاما، أدّت الغرض المطلوب منها، أقلّه في المدى المنظور. قضت الجريمة على المحاولة الجدّية الوحيدة التي بُذلت منذ العام 1975 من أجل إعادة الحياة إلى المشروع الوطني الوحيد القابل للحياة، مشروع رفيق الحريري الذي انطلق من قلب بيروت.

محزن المشهد اللبناني الذي حلّت فيه الوصاية الإيرانية، بالصوت والصورة والفعل والسلاح غير الشرعي، مكان الوصاية السورية بكلّ ما كانت تعنيه من تخلّف ووحشية على شتى الصعد. محزن أن يأتي شخص مثل محمّد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إلى بيروت في هذه الأيّام بالذات من أجل إعلان انتصار إيران على لبنان واللبنانيين وعلى رفيق الحريري نفسه لا أكثر.

أتى ظريف إلى بيروت ليعرض خدمات معيّنة ذات أهداف أكثر من واضحة. لا علاقة لهذه الأهداف بأي مصلحة لبنانية، لا من قريب ولا من بعيد. على العكس من ذلك، لهذه الخدمات المعروضة علاقة بالمخرج الذي تبحث عنه إيران من أزمة عميقة. لا يفيد في العثور على المخرج الكلام الحماسي الذي يصدر عن هذا المسؤول الإيراني أو ذاك وعن الرئيس حسن روحاني بالذات، كلام من نوع أن “الجمهورية الإسلامية” ستهزم العقوبات الأميركية.

جاء ظريف إلى بيروت لأهداف مرتبطة بحاجة إيران إلى أن تظهر بطريقة أو بأخرى أنّ جريمة اغتيال رفيق الحريري، والجرائم الأخرى التي تلتها، أعطت ثمارها وأن وزير الخارجية فيها صار قادرا على أن يسرح ويمرح في بيروت، أي في ملعبه، من دون حسيب أو رقيب. تعتبر إيران بكلّ بساطة أن العمل الدؤوب الذي تقوم به في لبنان منذ ما قبل العام 1982 والذي جاء اغتيال رفيق الحريري في سياقه، استنادا إلى البيان الاتهامي للمحكمة الدولية في لاهاي، أوصل لبنان إلى ما وصل إليه. ما وصل إليه لبنان بات يسمح لأي مسؤول إيراني بالقول بصوت عال إن طهران تتحكم بأربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. الحقيقة أن لهذا الكلام بعض الأساس، لولا أنّ بغداد تتمرّد يوميا على طهران، وترفض نير الاستعمار الإيراني، فيما بيروت لا تزال تقاوم…

يعرض وزير الخارجية الإيراني على لبنان أسلحة أو صواريخ، فيما الطفل يعرف أن لا قيمة للأسلحة الإيرانية في التصدي لإسرائيل. الدليل على ذلك في غاية الوضوح. يكفي المشهد السوري للتأكد من أن العرض الإيراني لا قيمة له على أرض الواقع.

لم تنقص رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي يعرف جيّدا من قتل والده، الشجاعة ليقول صراحة للوزير الإيراني “إن الحكومة تنطلق في برنامجها للنهوض من مصلحة الشعب اللبناني والمصالح العليا للبنان”، لافتا نظره إلى “احترام لبنان لتعهداته والتزاماته تجاه المجتمعين العربي والدولي”. لا يزال سعد الحريري الحصن اللبناني الأخير في الدفاع عن لبنان واللبنانيين ومصالحهم في وجه الهجمة التي انطلقت من طهران، والتي لا تقيم وزنا للبلد بل تعتبره مجرّد مشروع مستعمرة تدور في الفلك الإيراني.

في ذكرى غياب رفيق الحريري، من المفيد، على الرغم من كل المصاعب التي يمرّ فيها لبنان، التذكير بأمر أساسي. لا يزال في لبنان من يقاوم المشروع الإيراني الذي أخذ أبعادا جديدة بعد الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 يوم تفجير موكب رفيق الحريري. لم يعد سرّا من خطّط للجريمة ومن نفّذها. لم يعد سرّا أن سلسلة اغتيالات حصلت بعد ذلك، آخرها اغتيال محمد شطح لتغطية الجريمة الأصلية واغتيال لبنان كلّه. لم تكن حرب صيف 2006 مع إسرائيل سوى حرب على لبنان. تواطأ طرفا هذه الحرب على لبنان. كان رفيق الحريري، بكل ما يرمز إليه مشروعه، هدفا لتلك الحرب التي دمّرت جزءا من البنية التحتية اللبنانية وهجّرت مزيدا من الشباب اللبناني.

ظل لبنان هدفا إيرانيا. هناك بلد مطلوب ترويضه واختراقه. فعندما ذهب سعد الحريري إلى طهران في خريف العام 2010 كرئيس لمجلس الوزراء، طلب الإيرانيون ثلاثة أمور هي الآتية: إعفاء الإيرانيين، أسوة بمواطني الدول العربية، من تأشيرة لدخول لبنان، وتوقيع معاهدة دفاع بين لبنان وإيران، على غرار معاهدة الدفاع الإيرانية – السورية، والسماح لإيران بدخول النظام المصرفي اللبناني. دفع سعد الحريري ثمن رفضه المطالب الثلاثة. أسقط “الثلث المعطل” حكومته تمهيدا لفرض نجيب ميقاتي رئيسا للوزراء بواسطة “القمصان السود”، أي عناصر “حزب الله” التي نزلت إلى الشارع البيروتي. لا حاجة إلى سرد الوقائع مجددا وتحديد الجهة المسيحية التي تولّت رعاية عملية إسقاط حكومة سعد الحريري في تلك الأيّام.

ما تطلبه إيران حاليا من لبنان أقرب إلى طلب المستحيل. يستطيع لبنان إعفاء المواطنين الإيرانيين من التأشيرة. هذا ما فعلته حكومة نجيب ميقاتي في حينه. لكنّ لبنان لا يستطيع توقيع معاهدة دفاعية مع إيران أو الحصول على أسلحة إيرانية مع ما يعنيه ذلك من وجود خبراء إيرانيين يدربون عناصر من الجيش اللبناني على استخدام تلك الأسلحة. فوق ذلك كلّه، بل الأهمّ من ذلك كلّه، لا يستطيع لبنان فتح نظامه المصرفي أمام إيران. على العكس من ذلك، لا خيار آخر أمام المصارف اللبنانية والسلطات المختصة غير الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران. هذا في حال كان لبنان يريد المحافظة على ما بقي من اقتصاده.

يتبيّن كلّ يوم أكثر لماذا كان مطلوبا التخلّص من رفيق الحريري بصفة كونه عقبة أمام المشروع التوسّعي الإيراني أوّلا. كان عقبة لبنانية وعربية في الوقت ذاته. فبعد 14 عاما على غيابه، يبدو واضحا أن إيران حققت تقدما في لبنان. كان الدليل فرض “حزب الله” خياره رئيسا للجمهورية وقيام المجلس النيابي الحالي الذي هو إنتاج قانون انتخابي عجيب غريب لا يعرف سرّه غير “حزب الله”. فوق ذلك كلّه، لم يكن للحكومة اللبنانية الحالية أن تتشكل لو لم تفرج عنها إيران التي استطاعت تغيير “المعايير” التي تتشكل على أساسها الحكومات في البلد.

هل الوضع الراهن أقصى ما تستطيع إيران تحقيقه في ظلّ غياب عربي عن البلد؟ الجواب أن لبنان ما زال يقاوم، لكن الكثير سيعتمد في نهاية المطاف على ما يدور في المنطقة كلها وفي الداخل الإيراني. تبقى إيران، على الرغم من كلّ العضلات التي تعرضها خارج حدودها، دولة فاشلة على كلّ صعيد، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. ليس لديها نموذج تقدمه للبنان وغير لبنان غير ميليشياتها المذهبية التي تعني ثقافة الموت ولا شيء آخر.

قتلت ثقافة الموت رفيق الحريري. تكاد تقضي على لبنان… لكنّها لا يمكن أن تنقذ إيران ولا مشروعها التوسّعي في أي بلد من بلدان المنطقة، خصوصا في العراق البلد الذي بدأ شعبه يظهر، أكثر فأكثر، مدى انزعاجه من الهيمنة الإيرانية وكلّ المشاريع بها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى رفيق الحريري… ولبنان وإيران ذكرى رفيق الحريري… ولبنان وإيران



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia