ترامب والسعودية والأولوية الإيرانية

ترامب والسعودية والأولوية الإيرانية

ترامب والسعودية والأولوية الإيرانية

 تونس اليوم -

ترامب والسعودية والأولوية الإيرانية

خير الله خير الله
بقلم : خير الله خير الله

لا تزال الأولوية في واشنطن لإعادة إيران إلى جادة الصواب، أكان ذلك في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان. ستكون الأسابيع المقبلة مرحلة اختبار لإدارة ترامب، ولجديتها في ترجمة كلامها عن إيران إلى أفعال.

من يتمعّن في أولويات التصريح الأخير للرئيس دونالد ترامب، يكتشف أن هناك للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، منذ إدارة جورج بوش الأب (بين 1989 و1993)، إدارة أميركية أخرى تعرف شيئا عن الشرق الأوسط والخليج والتحديات التي تواجه المنطقة. كان التصريح الطويل للرئيس دونالد ترامب الذي وزعه البيت الأبيض بشكل بيان يوم الثلاثاء الماضي دليلا آخر على أن الإدارة ليست مستعدة، أقلّه نظريا، للغرق في التفاصيل، على الرغم من أن لهذه التفاصيل أهميتها في أحيان كثيرة.

لدى قراءة البيان، يجد المرء أن ترامب يرفض الابتعاد عن لبّ المشكلة في المنطقة. دخل مباشرة في صلب الموضوع، مؤكدا أن إيران “تشنّ حربا بالواسطة” على السعودية انطلاقا من اليمن. لم يتجاهل استعداد المملكة لإيجاد حلّ سياسي وتقديم كلّ المساعدات لليمن واليمنيين.

لم يقتصر بيان ترامب، الذي بدأ بعبارة “العالم صار مكانا خطيرا”، على اليمن. انتقل إلى سلوك إيران في العراق ولبنان، حيث توفر إيران دعما لـ”حزب الله”، وفي سوريا حيث قتل بشار الأسد وهجر “ملايين السوريين”. ذهب إلى أبعد من ذلك. ذهب إلى عداء إيران للولايات المتحدة نفسها وقتلها لمواطنين أميركيين ورفعها “شعار الموت لأميركا”. أنهى ترامب المقدمة الموضوعة لبيانه بقوله “تعتبر إيران في طليعة رعاة الإرهاب” في العالم.

كان البيان الصادر عن البيت الأبيض عبارة عن مقارنة بين سلوك إيران وسلوك المملكة العربية السعودية. أجرى الرئيس الأميركي تشريحا للسياسة السعودية، فوجد أن المملكة “حليف” للولايات المتحدة، إذ تشاركها في الحملة على الإرهاب وفي التصدي لكلّ أنواع التطرف. تطرق إلى الاستعداد السعودي لتوظيف نحو 450 مليار دولار في الولايات المتحدة، محذرا من أنه إذا لم تشتر السعودية سلاحا أميركيا، ستذهب الصفقات إلى الصين وروسيا.

كان ترامب في غاية الصراحة في بيانه، خصوصا عندما تحدث عن دور السعودية في تفادي ارتفاع سعر برميل النفط. كان صريحا أيضا لدى تطرّقه إلى قضية المواطن السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل داخل قنصلية المملكة في إسطنبول. كان واضحا في تأكيده رفض مثل هذا النوع من الممارسات، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سبعة عشر سعوديا تورطوا في جريمة التخلص من جمال خاشقجي التي وصفها بأنها “رهيبة”.

يشكل بيان ترامب منعطفا في حدّ ذاته. رفض بوضوح الذهاب إلى حيث يريد أن يذهب آخرون لا هدف لهم سوى إيجاد تغطية لما ترتكبه إيران في المنطقة. نعم، إن جريمة التخلص من جمال خاشقجي لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال. هذا أمر أكيد. لكنّ الأكيد أيضا أن ليس طبيعيا استغلال هذه الجريمة لاستهداف وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان مباشرة. لذلك لم يجد دونالد ترامب عيبا في الاعتراف بأن وليّ العهد السعودي قد يكون على علم مسبق بالجريمة التي وصفها بـ”الحدث المأساوي”، كما قد لا يكون الأمر كذلك.

في النهاية، وضع ترامب العلاقة مع السعودية في إطار أوسع. قال بكل بساطة ووضوح “في كلّ حال إن علاقتنا هي مع المملكة العربية السعودية”. ما لم يقله بكل هذا الوضوح إن العلاقة الأميركية – السعودية ليست رهينة أشخاص، بل هي علاقة بين بلدين تربط بينهما مصالح كبيرة. ما يدلّ على ذلك إشارته إلى أن السعودية “حليف كبير في معركتنا المهمة مع إيران”.

مرة أخرى، لا يمكن تبرير التخلص من جمال خاشقجي بأي شكل من الأشكال. ما حصل كان “أسوأ من جريمة… كان خطأ” على حد تعبير جوزيف فوشيه وزير الشرطة  لدى نابوليون بونابارت. كان فوشيه يعلّق على إعدام معارض لنابوليون، في مرحلة لم يكن الأخير نصّب نفسه إمبراطورا بعد، وذلك قبل استجواب هذا المعارض بغية معرفة الذين كانوا يتآمرون على نابوليون وماذا كان يدور بينهم.

لم يحل التخلص من جمال خاشقجي أي مشكلة. كشف أن هناك هواة ارتكبوا جريمة في المكان الخطأ بحق الشخص الخطأ بغية الإساءة إلى المملكة العربية السعودية وإدخالها في لعبة يسهل من خلالها ابتزازها. دخلت تركيا في هذه اللعبة التي لا يوجد مستفيد منها غير إيران.

قطع دونالد ترامب الطريق على إيران وعلى أولئك الذين يريدون استخدام قضية جمال خاشقجي. أعاد القضية إلى إطارها الصحيح من جهة، وأكد أن الأولويات الأميركية لم تتغيّر من جهة أخرى. المشكلة الآن هي مشكلة أولئك الذين صرفوا مئات ملايين الدولارات ضد السعودية في عملية استغلال لجريمة بشعة كان يجب تفاديها منذ البداية.

هل تلتقط إيران رسالة ترامب وتقتنع أن لدى الإدارة الأميركية إستراتيجية واضحة تنمّ عن فهم عميق للمنطقة وخطورة المشروع التوسّعي الإيراني؟ إذا التقطت الرسالة، سيتوجب عليها تغيير سلوكها والالتفات إلى هموم شعبها. من المستبعد أن يكون النظام الإيراني، الذي يرفض استيعاب أن ليس لديه نموذج يقدمه للآخرين، قد فهم الرسالة. المهمّ أن يفهم الرسالة الأميركية آخرون من الذين اعتقدوا أن الطريق صار ممهدا لمزيد من الحملات على المملكة العربية السعودية في ضوء ذلك “الخطأ الأسوأ من جريمة”.

في العام 1991، استغلت إيران هزيمة الجيش العراقي في الكويت على يد قوات التحالف الدولي الذي أعاد البلد إلى أصحابه، كي تشجع على قيام حملة على النظام العراقي بغية إسقاطه. أرسلت إلى العراق ميليشيات مذهبية وعناصر من “الحرس الثوري”. امتلكت إدارة جورج بوش الأب ما يكفي من الحكمة لمنع سقوط النظام العراقي، رغم كل ما ارتكبه، بواسطة أدوات إيرانية. كانت هذه الإدارة برجالاتها الأساسيين، أي جورج بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بايكر، ومستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت، تعرف ما الذي سيعنيه سقوط العراق في يد إيران وانعكاسات ذلك على التوازن الإقليمي.

على الرغم من أنّه لا يمكن مقارنة جورج بوش الأب بدونالد ترامب، خصوصا في ضوء خبرة الأوّل في السياسات العالمية، إلا أنه لا يمكن تجاهل أن الإدارة الأميركية الحالية تدرك تماما أن لا شيء يجب أن يصرفها عن الأولويات، أو أن يجبرها على إعادة ترتيب الأولويات. لا تزال الأولوية في واشنطن لإعادة إيران إلى جادة الصواب، أكان ذلك في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان. ستكون الأسابيع القليلة المقبلة مرحلة اختبار لإدارة ترامب، ولمدى جديتها في ترجمة كلامها عن إيران إلى أفعال.

كان البيان الأخير الصادر عن البيت الأبيض، باسم ترامب، بمثابة تأكيد لرغبة في الذهاب بعيدا في وضع حدّ للمشروع التوسّعي الإيراني وذلك بغض النظر عن تحفظات الأوروبيين. ما لا بدّ من ملاحظته أن الأوروبيين بدأوا يشعرون أن الإدارة الأميركية ليست من النوع الذي يحب المزاح، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بإيران.

نقلا عن العرب البنانية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب والسعودية والأولوية الإيرانية ترامب والسعودية والأولوية الإيرانية



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia