ماذا تريد روسيا في سورية…

ماذا تريد روسيا في سورية…

ماذا تريد روسيا في سورية…

 تونس اليوم -

ماذا تريد روسيا في سورية…

بقلم :خير الله خير الله

لم يكن للاتحاد السوفياتي في الماضي، ولروسيا الاتحادية الآن، من هم سوى أخذ سوريا والسوريين من كارثة إلى أخرى. ليس التفاهم الأميركي ـ الروسي الأخير في شأن الهدنة سوى امتداد للخط الذي سارت عليه موسكو دائما. هذا التفاهم الذي تبيّن كم هو هشّ تريد روسيا تفسيره بما يتناسب مع ما تعتبره حماية لمصلحتها. ومصلحة روسيا في هذه المرحلة وضع قسم من الأراضي السورية تحت وصايتها ورضوخ أميركا لشروطها.

باختصار شديد، هناك طلب روسي بسيط من الإدارة الأميركية. فحوى هذا الطلب أنّ سوريا أرض روسية وأنّ بشار الأسد ليس سوى دمية تحركها موسكو وأنّ المعارضة السورية كلّها مجموعة إرهابيين لا أكثر… وما على أميركا سوى القبول بهذا الواقع الذي يعني بين ما يعني قيام “سوريا المفيدة” التابعة لإيران.

هذا هو المفهوم الروسي للتفاهم في شأن الهدنة. لذلك، عندما قصفت الطائرات الأميركية، عن طريق الخطأ، أو غير الخطأ، قوات تابعة للنظام السوري في دير الزور، ردت موسكو بقصف لقافلة تنقل مساعدات إلى المواطنين في حلب. قتلت مدنيين ومنعت دخول المساعدات إلى المدينة المحاصرة.

من حقّ روسيا متابعة سياستها السورية التي تصبّ في تفتيت سوريا والانتهاء منها. هناك فرصة لا تعوّض اسمها إدارة باراك أوباما التي لم تعترض يوما بشكل جدّي على السياسة الروسية، خصوصا في سوريا. كانت نقطة التحوّل استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في سياق حربه على الشعب السوري صيف العام 2013.

بدل أن ينفّذ باراك أوباما وعيده بضرب القوات التابعة للنظام بغية معاقبتها على اللجوء إلى السلاح الكيميائي، قبل الرئيس الأميركي كلّ ما عرضه عليه الرئيس فلاديمير بوتين. قبل كل شيء، نسي أوباما أنّه كان رسم “خطا أحمر” لبشار الأسد وأنّه اعتبر أن على رئيس النظام السوري الرحيل.

ارتضى بضمانات بوتين الذي عرض التخلص من مخزون السلاح الكيميائي في سوريا بدل معاقبة الأسد الابن على اللجوء إلى هذا السلاح لقمع السوريين. أكثر من ذلك، اقتنع بالكلام الجميل الصادر عن بوتين في مقال كتبه في صحيفة “نيويورك تايمز” عن التعاون من أجل إقرار السلام والاستقرار في العالم. صدّق أن الرئيس الروسي الذي لا يؤمن سوى بنظرية محو المدن، على غرار ما فعل في غروزني، يمتلك خريطة طريق واضحة على استعداد للسير فيها إلى النهاية عندما لا يجد في واشنطن من هو على استعداد للوقوف في وجهه.

لماذا يأخذ بوتين باراك أوباما على محمل الجد هذه المرّة ولا يقنعه، عن طريق قصف قافلة الإغاثة بأن لا مجال أمامه سوى الاستسلام لروسيا في سوريا؟ صحيح أن هناك مراكز قوى أميركية، من بينها وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية والأمنية، لا تقبل بأن تكون الولايات المتحدة مجرد غطاء للسياسة الروسية في سوريا، لكنّ الصحيح أيضا أن إدارة أوباما لن تتهاون في كلّ ما من شأنه القبول بأن تكون روسيا صاحبة القرار في سوريا. فهذه الإدارة تضمّ مستشارين نافذين من الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس متعاطفين مع إيران مثل فاليري جاريت أو منحازين للنظام السوري مثل روبرت مالي. هذه الإدارة يهمّها قبل كلّ شيء حماية الاتفاق في شأن الملف النووي مع إيران، كما يصعب عليها إدراك أنّ النظام السوري و“داعش” وجهان لعملة واحدة وأن لا خلاص من “داعش” من دون القضاء على النظام السوري.

عندما يجد فلاديمير بوتين أمامه إدارة من هذا النوع أدارت ظهرها لكلّ ما له علاقة بحقوق الإنسان وحقّ تقرير المصير للشعوب، ليس ما يمنعه من متابعة سياسته السورية. إنّها سياسة قديمة جدا تقوم على ضرب القوى الحيّة في سوريا ومجتمعها الغنيّ بتنوعّه وعلى نشر البؤس والفقر في البلد وتشجيع كلّ نظام قمعي فيه.

لا حاجة إلى العودة بعيدا إلى خلف. يكفي كيف دعم الاتحاد السوفياتي نظام البعث الذي أخذ سوريا ومعها مصر إلى حرب 1967 للتأكد من أن موسكو كانت في كلّ وقت مع سوريا الضعيفة والمهزومة التي تستخدم الإرهاب والابتزاز لتأكيد وجودها في المنطقة.

نجح الإرهاب والابتزاز حتّى مع روسيا نفسها وقبل ذلك مع الاتحاد السوفياتي. ألم يدخل حافظ الأسد عسكريا إلى لبنان بضوء أخضر أميركي واسرائيلي عندما كان رئيس الوزراء الكسي كوسيغين في زيارة لدمشق؟ هل قبل الاتحاد السوفياتي بمثل هذه الخطوة لمجرّد أنّها ذات طابع تخريبي كانت بين أولى نتائجها اغتيال النظام السوري لكمال جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني “حامل وسام لينين”؟

لم تعترض موسكو يوما على الممارسات السورية في لبنان. لم تعترض قبل ذلك على ارتكابات المسلّحين الفلسطينيين في لبنان. لم تقم يوما بأي عمل ذي طابع إيجابي في مجال خدمة الشعب السوري وتخليصه من الظلم اللاحق به منذ تحول النظام في البلد إلى نظام تتحكم به الأجهزة الأمنية في العام 1958 ومنذ انتقاله إلى حكم البعث في 1963 تمهيدا لسيطرة الضباط العلويين على مقدرات البلد في الثالث والعشرين من شباط ـ فبراير 1963.

كان الكرملين مع الظالم ضد المظلوم في سوريا، أكان ذلك في عهد الاتحاد السوفياتي أو في عهد روسيا الاتحادية. لم يتغيّر شيء في موسكو على الرغم من مرور السنين. الجديد الآن أن هناك إدارة أميركية مستعدة للذهاب إلى أبعد حدود في مسايرة الكرملين الذي ينسق مع إسرائيل في شأن كل شاردة وواردة. هل تنبع قوّة فلاديمير بوتين من هذا التنسيق؟ الجواب نعم، بل ألف نعم. ففي الماضي القريب جرّب براك أوباما الدخول في مواجهة مع بنيامين نتانياهو. اكتشف أنّه عاجز عن ذلك. عليه الآن الدخول في مواجهة الحلف الروسي ـ الإسرائيلي في وقت تشارف ولايته الثانية والأخيرة على نهايتها.

من لم يستطع مواجهة نتانياهو لن يتمكن من دون شكّ من مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الروسي معا. هذا لا يمنع من التساؤل مرّة أخرى لماذا هذا الإصرار الدائم في موسكو على الانحياز إلى كلّ من يريد الشرّ لسوريا وشعبها.

قد يكون الجواب الوحيد على ذلك أن ليس في استطاعة روسيا إلّا التدمير. من يريد مثلا حيّا على ذلك، يستطيع الاستعانة بتجربة الاتحاد السوفياتي في اليمن الجنوبي. ما الذي فعله الاتحاد السوفياتي في هذا البلد الذي استقل في العام 1967؟ هل بقي شيء من مدينة عدن التي كان يمكن أن تكون إحدى أهمّ المدن في شبه الجزيرة العربية قبل أن يقضي عليها الوجود السوفياتي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته تمهيدا للسقوط في مستنقع التطرف الديني في 1994، وهو تطرف لم تخرج منه حتّى الآن.

ماذا تريد موسكو تحقيقه في سوريا؟ هل من عاقل يستطيع أن يبني على نظام بشّار الأسد. يمكن الاستعانة بما بقي من النظام لاستكمال عملية تدمير سوريا لا أكثر. لا يبدو أن هناك هدفا آخر للكرملين في هذا البلد…

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تريد روسيا في سورية… ماذا تريد روسيا في سورية…



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia