ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب

ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب

ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب

 تونس اليوم -

ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب

بقلم :خير الله خير الله

تبدأ ولاية دونالد ترامب، فيما انتقلت سوريا إلى حال جديدة مختلفة كلّيا عن تلك التي مرّت فيها منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار-مارس 2011 بحثا عن شيء من الكرامة.

يبحث الشعب السوري عن شيء من كرامته المفقودة منذ ما قبل وصول حزب البعث إلى السلطة في آذار-مارس 1963، أي منذ أخذه بعض الجهلاء والمغامرين إلى الوحدة مع مصر في العام 1958، وهي وحدة أقرب ما تكون إلى بناء قصور على الرمال.

أسست الوحدة لقيام نظام أمني في سوريا التي كانت بدأت تلتقط أنفاسها وتعود إلى وضع طبيعي، في ظلّ برلمان منتخب ديمقراطيا، بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية لضباط يتسمون بالرعونة بدءا بحسني الزعيم الذي قام على النظام القائم في العام 1949.

يتمثّل جديد سوريا هذه الأيّام في ما بعد معركة حلب التي شهدت إطلاق المشاركين في جنازة هاشمي رفسنجاني في طهران هتاف “الموت لروسيا” تعبيرا عن مدى السخط الإيراني من السياسة الروسية في سوريا.

كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على حقّ عندما أكد قبل أيّام أنّ دمشق كانت ستسقط في يد المعارضة في غضون أسبوعين أو ثلاثة لو لم يحصل التدخل العسكري الروسي في أواخر أيلول-سبتمبر من العام 2015.

يعبّر مثل هذا الكلام عن حقيقة أن روسيا أنقذت النظام السوري وأبقت بشّار الأسد في دمشق. روسيا نفسها جعلت الثوار يغادرون حلب وذلك في ظلّ اتفاق مع تركيا التي لعبت دورا أساسيا على صعيد تغيير الوضع في المدينة.

سحبت تركيا المسلحين الذين لديها مونة عليهم من داخل حلب ثمّ قطعت الإمدادات عن المدافعين عن المدينة في ظلّ قصف جوّي روسي طاول المدنيين خصوصا لتأليبهم على المدافعين عن حلب.

تبدو روسيا على عجلة من أمرها في سوريا. كان عليها خلق أمر واقع على الأرض قبل دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. كان عليها أن تهيّئ نفسها لمفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة من موقع قوّة.

فالرئيس الروسي يعرف جيدا أن ترامب ومساعديه، على رأسهم وزير الخارجية ركس تيلرسون، يعشقون عقد الصفقات، كلّ أنواع الصفقات، بما في ذلك الصفقات السياسية.

تظلّ سوريا إحدى الأوراق القويّة لدى فلاديمير بوتين. يراهن الرئيسي الروسي على استخدام هذه الورقة في الوقت المناسب بغية الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه بلاده. لذلك يمكن الحديث عن وضع جديد في سوريا بدأت تظهر ملامحه بوضوح كليّ في مرحلة ما بعد سقوط حلب.

من أبرز هذه الملامح التوتر بين روسيا من جهة وكلّ من النظام السوري وإيران من جهة أخرى. لم يكن منع بشّار الأسد من زيارة حلب في الفترة بين عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، أي في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي سوى أحد مظاهر هذا التوتر.

كان الأسد الابن ينوي إلقاء “خطاب الانتصار” في المدينة. جاءت الرسالة الروسية مقتضبة. فحوى الرسالة أن الانتصار الذي تحقّق على حلب وأهل حلب كان نتيجة تحالف روسي-تركي ليس إلّا.

دخول قوات تابعة للنظام وميليشيات مذهبية تابعة لإيران مناطق وأحياء كانت تحت سيطرة المعارضة، كان نتيجة مباشرة لهذا التحالف. لو شاءت تركيا، لبقيت حلب، في جزء منها، عصيّة على النظام.

يتمثّل جديد سوريا باختصار في التحالف مع تركيا في منطقة الشمال السوري والتحالف مع إسرائيل في مناطق أخرى، خصوصا في كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بدمشق والمناطق القريبة منها وتلك المرتبطة بالجولان الذي طويت صفحته. ليس صدفة الإعلان قبل أيام عن غارات جوية روسية-تركية على “داعش” في داخل الأراضي السورية.

لم يعد سرّا أن الحلف السوري-الإسرائيلي أكثر عمقا بكثير مما يعتقد. إذا كان هناك تحالف تركي-روسي، هناك حلف روسي-إسرائيلي. سيساعد هذا الحلف روسيا في التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنت أنها ستنقل السفارة إلى القدس التي تعتبرها إسرائيل “عاصمتها الأبدية”.

أكثر من ذلك، أظهرت هذه الإدارة انحيازا كبيرا لإسرائيل ولسياسة الاستيطان التي يتبعها بنيامين نتنياهو عندما عيّنت ديفيد فريدمان سفيرا لها في إسرائيل. الأسوأ من ذلك، أن ترامب جعل من صهره جاريد كوشنر مسؤولا عن عملية السلام.

كوشنر وفريدمان من أبرز داعمي الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. إنّهما رمز للتغيير الذي ينشده ترامب على صعيد الشرق الأوسط في مجال تكريس الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية!

في ظلّ التحالف الروسي-التركي والحلف الروسي-الإسرائيلي والعلاقات المتجددة بين تركيا وإسرائيل، هناك وضع جديد على الأرض في سوريا. هل بدأت إيران تعيد حساباتها، خصوصا بعدما تبيّن أن هامش المناورة لديها صار محدودا وأن كلّ شيء في سوريا يعتمد على ما يتقرّر في موسكو، بما في ذلك مراقبة روسيا لعملية شراء الأراضي من أجل تغيير التركيبة السكانية في مناطق محدّدة في مقدّمها دمشق؟

هذا الوضع الجديد على الأرض السورية يمكن أن يفسّر تلك التحولات في الخطاب. فجأة، يتحدّث محمد جواد ظريف وزير الخارجية عن تعاون إيراني-سعودي أدّى إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. كذلك صار علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حريصا على وحدة الأراضي السعودية وعلى التعاون مع المملكة ومع العائلة المالكة فيها.. فجأة أيضا، صار يتحدّث بإيجابية عن آل سعود في تصريح وزعته الوكالة الإيرانية الرسمية “إرنا”!.

لن يكون مؤتمر أستانة (عاصمة كازاخستان) الذي سينعقد ابتداء من يوم الاثنين، بدفع روسي-تركي، سوى خطوة أولى على طريق تقديم روسيا-فلاديمير بوتين أوراق اعتمادها لأميركا-دونالد ترامب.

سوريا هي المنطلق بالنسبة إلى الرئيس الروسي الذي يعرف في نهاية المطاف أنّه سيكون عليه الاختيار، عاجلا أم آجلا، بين واشنطن وطهران. فمثلما هناك جديد على الأرض في سوريا، هناك جديد على الأرض في واشنطن. هناك وزير جديد للدفاع هو الجنرال جيمس ماتيس يعرف تماما، وهذا على الأقلّ ما قاله أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أن إيران مصدر التوتر في المنطقة وأن التوصل إلى اتفاق معها في شأن الملفّ النووي لا يعني التغاضي عن مشروعها التوسّعي في الإقليم.

يبدو أن موسكو تفهم هذه المعادلة جيّدا. ليست الساحة السورية، بما في ذلك التوتر الروسي-الإيراني سوى مرآة للتغيير الكبير الذي بدأ يشهده الشرق الأوسط ومعه العالم مع بداية عهد دونالد ترامب.

المصدر : صحيفة العرب

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia