سوريا بين المنطقين السوفياتي والروسي

سوريا بين المنطقين السوفياتي والروسي

سوريا بين المنطقين السوفياتي والروسي

 تونس اليوم -

سوريا بين المنطقين السوفياتي والروسي

بقلم : خير الله خير الله

لم ينته الاتحاد السوفياتي، كنظام ومجموعة جمهوريات، إلا بعدما أغرق الشرق الأوسط في كلّ أنواع الأزمات الناجمة عن بحث دائم عن موطئ قدم فيه. لم يكن يوما سوى بائع أسلحة. وإذا كان يمكن الحديث عن إنجاز يتمثل في بناء السدّ العالي، فإنّ هذا الإنجاز مرتبط بالمنافسة مع الغرب، والسعي إلى إقامة وجود دائم في مصر ليس إلا وذلك من منطلق إمبريالي بحت.

لا يوجد سبب واحد يدفع إلى الاعتقاد أن نظام فلاديمير بوتين في روسيا الحديثة سيكون أفضل من النظام السوفياتي. على العكس من ذلك، يرتكب بوتين كلّ الأخطاء التي ارتكبها القادة السوفيات، رافضا التعلّم من تجارب الماضي، متكلا فقط على ذلك الشعور الوطني العميق المترسّخ لدى المواطن الروسي الذي يظنّ أن بلده ولد ليكون دولة عظمى.

يتجاهل هذا المواطن الروسي الذي يسير خلف بوتين أن بلده لا يملك أي مقومات تؤهله ليكون قوة عظمى. ولأنه لا يملك أيّا من هذه المقومات، باستثناء السلاح النووي والسلاح التقليدي، نجد بوتين في عملية هروب مستمرة إلى الأمام، خصوصا إلى خارج الأراضي الروسية.

ليس التدخل الروسي في سوريا والمشاركة في الحرب على الشعب السوري بالتفاهم مع إيران والتنسيق مع إسرائيل، سوى فصل من فصول عملية الهروب إلى الأمام، أي إلى الحائط المسدود الذي لن يتأخر في الظهور في وجه الرئيس الروسي والسياسات التي يمارسها.

لعب الكرملين قبل انهيار الاتحاد السوفيـاتي دورا كبيرا في إيصال المنطقة إلى ما وصلت إليه اليوم، وذلك عن طريق الدعم الذي قدّمه دائما إلى الأنظمة العسكرية، بما في ذلك النظام السوري.

كان الوجود السوفياتي في روسيا أسوأ بكثير من أي استعمار، خصوصا أنه ساهم في الوصول إلى هزيمة 1967 التي جعلت سوريا تعتمد على الدعم السوفياتي أكثر من أيّ وقت.

من يعود قليلا إلى الخلف يستطيع أن يتذكّر كيف ورّطت “سوريا – البعث”، قبل أن تصير “سوريا – الأسد”، جمال عبدالناصر في الهزيمة التي أدّت إلى احتلال إسرائيل للجولان وسيناء والضفة الغربية منذ نحو نصف قرن. احتلت إسرائيل أراضي سورية ذات أهمّيـة إستراتيجية ومـا لبثت أن ضمّتها إليها، كما احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وكل صحراء سيناء، بما في ذلك قطاع غزّة الذي كان تحت الإدارة المصرية.

لم تبذل موسكو في مرحلة ما قبل 1967 أي جهد من أجل إفهام قادة مصر وسوريا وقتذاك أن موازين القوى لا تسمح بالانجرار إلى حرب مع إسرائيل، وأنّ من الأفضل التريث والامتناع عن تصديق الشعارات الفارغة التي كانت تخرج من أكثر من عاصمة أو مدينة عربية.

لم يساعد الاتحاد السوفياتي سوريا يوما في استعادة الجولان، اللهمّ إلا إذا كان يمكن اعتبار حرب تشرين الأوّل – أكتوبر 1973 حربا حقيقية وليست مناورة أضفت شرعية ما على نظام حافظ الأسد الأقلوي الطامح دائما وأبدا إلى لعب دور على الصعيد الإقليمي عن طريق الإرهاب والابتزاز.

لم تكن استعادة الجولان هدفا للنظام السوري في يوم من الأيّام، بمقدار ما أنه كان مطلوبا التظاهر بالرغبة في التفاوض مع إسرائيل من أجل تحقيق مآرب أخرى، خصوصا في لبنان.

لا يزال السؤال الملحّ الذي يطرح نفسه بكل قوّة لماذا لم تستطع موسكو لعب دور إيجابي في الشـرق الأوسط في يوم من الأيّام؟

قبل كلّ شيء، ليس لدى روسيا، تماما كما كانت عليه الحال مع الاتحاد السوفياتي، نموذج يصلح اتباعه في أي مكان من العالم.

روسيا في وضع داخلي لا تحسد عليه وعلى فلاديمير بوتين البحث في كلّ وقت عن عدوّ خارجي من أجل تبرير جمعه لكلّ السلطات في يده والتغطية على المعاناة اليومية للمواطن الروسي.

هناك نجاح واحد لبوتين جعله قادرا على التحدث مع الولايات المتحدة من الندّ للندّ. هذا النجاح تحقّق في سوريا ولكن على حساب عشرات آلاف السوريين الذين قُتلوا بالسلاح الروسي. قضى السوريون ودمّرت مدنهم وبلداتهم وقراهم وأجبروا على الهجرة من أرضهم. لعب السلاح الروسي، الذي يأتي في شكل قصف جوي أو براميل متفجرة يستخدمها النظام، أو سلاح فردي وقذائف تلجأ إليها الميليشيات المذهبية المدعومة من إيران، الدور المطلوب منه. صار في إمكان بوتين القول أمام مواطنيه إنّه أعاد روسيا إلى الموقع الذي تستحقه على خريطة العالم. ولكن ماذا بعد ذلك؟

لعلّ أفضل ما يشرح الوضع الروسي، إضافة إلى كتاب غاري كاسباروف الذي عنوانه “الشتاء آت”، حديث أدلت به ماري مندراس الباحثة في الشأن الروسي إلى صحيفة “لو موند” قبل أيّام قليلة. يساعد هذا الحديث في فهم الأسباب التي تدفع إلى القول إن روسيا تتجه إلى طريق مسدود.

قالت الباحثة: “بعد سقوط جدار برلين في خريف العام 1989 وانهيار الاتحاد السوفياتي، تغيرت الأطر (الجغرافية) كليا. تمددت المجموعة الأوروبية ـ الأطلسية في اتجاه الشرق. لم تعد في مواجهتها سوى دولة واحدة هي روسيا.

لا تمتلك روسيا حليفا صلبا واحدا. علاقة روسيا بكازاخستان، مثلا، لا علاقة لها بالشراكة الفرنسية – الألمانية أو الحلف الأطلسي. إن القوة العظمى السابقة، تبقى قوة عسكرية ونووية، لكنها صارت دولة من الحجم المتوسط، دولة تعاني من تراجع عدد السكان، دولة اقتصادها أقل بقليل من حجم الاقتصاد الإيطالي. المجتمع فيها في حال ضياع وهو يعد نفسه لمزيد من الفقر والانطواء على الذات”.

تضيف الباحثة، التي تتابع الوضع الروسي بدقة، إن فلاديمير بوتين “يجمع في شخصه كل السلطات ويمتلك السلاح النووي، لكنّه يضعف بلده وشعبه. لا مفرّ أمام روسيا من مواجهة مرحلة الأفول، خصوصا أن بوتين لم يستطع تنفيذ سياساته.

لم يستطع السيطرة على الجمهوريات السوفياتية السابقة، وإقامة شراكة مع الولايات المتحدة، وإقامة علاقة تجارية مع أوروبا وجلب استثمارات منها. لذلك، يشعر النظام، أكثر فأكثر، بأنّه مطوق، وهو مستعد لكل أنواع عمليات الهروب إلى أمام.

لم يعد الرئيس الروسي يقبل أي اعتراض، حتّى من المنتمين إلى الحلقة المحيطة به. هذا يعني أنه يستطيع اتخاذ كل القرارات بنفسه، أي ارتكاب أخطاء”.

خلاصة الأمر أن لا تفسير للقصف الروسي لحلب والإصرار على تدمير المدينة. ماذا بعد تدمير حلب؟ كيف يمكن استغلال ذلك سياسيا؟ هل ستركض الولايات المتحدة وأوروبا لإقامة شراكة تجارية مع دولة مثل روسيا يعتمد كلّ شيء فيها على أسعار النفط والغاز؟

كان هناك منطق يحرّك السياسة السوفياتية تجاه سوريا. كلّما ضعفت سوريا، كلما صارت تحت رحمة الاتحاد السوفياتي. أين المنطق في السياسة التي يتبعها بوتين، هل تكفي السيطرة على الساحل السوري ومنع وصول الغاز الخليجي وغير الخليجي إليه لتصديره إلى أوروبا لتكون هناك ورقة روسية يمكن أن تستخدم في مكان ما؟ إنه بالفعل سؤال محيّر لا تفسير له سوى أن بوتين، مثله مثل بشّار الأسد، لا يدرك أن نظامه انتهى وأنّ ليس بقتل السوريين يمكن أن تُكتب حياة جديدة لنظامه الذي صار عمره سبعة عشر عاما!

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا بين المنطقين السوفياتي والروسي سوريا بين المنطقين السوفياتي والروسي



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia