معركة أجندات لا معركة مرشحين في الكويت

معركة أجندات لا معركة مرشحين في الكويت

معركة أجندات لا معركة مرشحين في الكويت

 تونس اليوم -

معركة أجندات لا معركة مرشحين في الكويت

بقلم : خير الله خير الله

تبقى لكلّ معركة انتخابية في الكويت ظروف خاصة بها. هذه حال المعركة التي سيشهدها البلد السبت المقبل. فمع انخفاض درجة حرارة الطقس في الكويت، زادت سخونة الحملات الانتخابية التي ستحط رحالها في 26 تشرين الثاني – نوفمبر… وبدأت مواقف القوى السياسية تتكشف يوما بعد يوم إلى الدرجة التي يمكن معها القول إن المعركة صارت معركة أجندات لا معركة مرشحين.

في البدء، يمكن التسجيل أنه ما زال في العالم العربي مكان تجرى فيه الانتخابات بشكل دوري. في الكويت، هناك تداول للوجوه والنخب السياسية بشكل دائم. تتميز الحياة السياسية في هذه الدولة باستيلاد طاقات ووجوه شابة تصل إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتسمح طبيعة الحكم فيه بمشاركة شعبية دائمة في القرار.

هنا، حيث لا حديث اليوم سوى حديث الانتخابات، تذكير بفترة مجلس الأمة السابق الذي رأسه مرزوق الغانم في ظل مقاطعة المعارضة. فهذا المجلس، رغم كل الانتقادات التي وجهت إليه في مواضيع السياسة الداخلية، استطاع أن يحقق استقرارا مكّن الكويت من استعادة ريادتها خارجيا، إلى حدّ كبير.

قاد الربان الأمير الشيخ صباح الأحمد سفينة دولته الصغيرة بين أمواج الصراعات الإقليمية العاتية ورياحها العاصفة إلى شواطئ الأمان، بل أصبح المرجع في هذا الشأن حاصدا لقب “زعيم الإنسانية” من الأمم المتحدة لدوره في إغاثة الشعوب المنكوبة وحل الخلافات بالطرق السلمية واعتماد الحوار أساسا لإنهاء الصراعات. لا يمكن تجاهل أنّ معظم المؤتمرات التي انعقدت تحت مظلّة الأمم المتحدة لدعم الشعب السوري ومساعدته، إنّما كانت في الكويت.

لم يكن للسياسة الخارجية الكويتية استعادة هذا الدور لولا الاستقرار الداخلي، حتى أن مبررات حل المجلس الأخير ارتبطت كلها بالوضع الإقليمي وضرورة إعادة تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية على أسس جديدة لمواكبة التحديات الإقليمية المستجدة.

سمح الاستقرار الداخلي للكويت بالتقاط أنفاسها والعمل من أجل المستقبل في منطقة تضربها العواصف وتشتعل فيها الحرائق في ظل الهبوط الكبير في أسعار النفط والغاز، وفي ظلّ إدارة أميركية قرّرت طوال ثماني سنوات التفرج على آثار العواصف والحرائق من بعيد.

لكن السياسة الخارجية ليست وحدها محور اهتمام الكويتيين الذين يقفون أيضا أمام تحديات اقتصادية ناتجة عن تراجع المداخيل مع انهيار أسعار النفط. فالكويتي وجد نفسه للمرة الأولى يدفع ثمن وقود سيارته أكثر من السابق، وسيدفع أكثر ثمن استهلاك المياه والكهرباء، وسيدفع أكثر عندما يتم رفع الدعم عن بعض السلع. وعلى الرغم من أن شد الحزام وترشيد الاستهلاك وضبط النفقات العامة أمور اعتمدتها كل دول الخليج بنسب أعلى، إلا أن الامتعاض في الكويت أكبر لأن حرية الإعلام والتعبير أكبر من جهة، ولأنّ الكويتي اعتاد تاريخيا، من جهة أخرى، الاعتماد على دولته في كلّ صغيرة وكبيرة، أكثر من أيّ شيء آخر.

قضية أخرى انكشفت من خلال حملات المرشحين وبدت الأكثر حضورا، وهي قضية ارتباط المواقف بأجندات مخفية لمتنفذين حاضرين أو لمتنفذين سابقين صاروا خارج المشهد السياسي لأسباب معروفة لدى جميع الكويتيين. فهؤلاء يجتمعون على أمر واحد وهو العودة إلى لعب دور سياسي محوري وإن عبر نواب محتملين من أجل استعادة حضورهم، وبالتالي تنفيذ أجندتهم على مستوى السلطة والحكم.

ولذلك، عاد معارضون مقاطعون للانتخابات إلى الترشح بعدما كانوا أقسموا على المقاطعة. معظم هؤلاء ينتمون إلى تيّارات دينية تعتبر القسم مهما ولا عودة عنه متى شاءت ذلك، ثمّ تتجاهل ما قامت ووعدت به ومعنى القسم عندما تدعو الضرورة إلى ذلك. إنّها الانتهازية السياسية بامتياز، وهي الانتهازية التي يتقنها الذين يتغطون بالدين في معظم الأحيان لتنفيذ مآرب سياسية خاصة بهم.

هناك عدد لا بأس به من المرشّحين المنتمين إلى التيارات السياسية الدينية، قدموا برنامجا أولويته واحدة: إسقاط مرزوق الغانم نائبا أو رئيسا للمجلس. فجأة لم يعد في الكويت كلها مشكلة اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية أو سياسية إلا مشكلة وجود مرزوق الغانم رئيسا لمجلس الأمة. بدأت مجموعة متناسقة من المرشحين في الندوات والاجتماعات توقيع وثيقة وإعلان قسم وتعهد بأن لا ينتخب المرشح مرزوق الغانم رئيسا لمجلس الأمّة إذا وصل إلى البرلمان.

الأجندة واضحة، فالمتنفذون الذين صاروا خارج المشهد السياسي إنما كانوا على صدام مباشر مع مجموعة لعب مرزوق فيها دور رأس حربة في التصدي لها ومواجهتها بشكل مباشر. من الطبيعي، إذا، أن تكون عودة هؤلاء المتنفذين إلى الواجهة السياسية تقتضي ألا يكون الغانم رئيسا للسلطة الثانية.

الغريب أن الحملة على مرزوق الغانم تترافق مع بروز للخطاب الطائفي المقيت الذي يعتمده اليوم مرشحون من مختلف الطوائف بهدف اللعب على الغرائز المذهبية من أجل حصد أكبر عدد من الأصوات… فهذا الخطاب تراجع أيضا في السنوات الثلاث الماضية كجزء من سياسة الاستقرار التي كانت تُقادُ بالتناغم الشديد بين رئيسي الحكومة والمجلس.

يبقى أن الانتخابات في الكويت هي انتخابات مفصلية بل وتأسيسية، فهي الأولى التي سيخوضها الجميع، موالاة ومعارضة، على قاعدة الصوت الواحد، والأولى منذ زمن طويل التي تتم في أجواء استقرار سياسي لا في أجواء تظاهرات وصدامات في الشارع، والأولى التي تتكشف فيها أجندات الطامحين في السلطة بهذا الشكل، وهي الانتخابات التي ستحدد نتيجتها حجم الاستقرار ليس على صعيد المؤسسات… بل على صعيد السلطة أيضا.

يبقى أيضا أن الكويت تبدو مقبلة على مرحلة سياسية جديدة تبدو فيها الحاجة أكثر من أيّ وقت للتفكير في كيفية مواجهة قضايا كبيرة مطروحة بحدّة بدل البقاء في أسر التجاذبات الداخلية الضيّقة والحسابات الشخصية المرتبطة بأفراد هذه المجموعة العائلية أو الدينية أو تلك. هناك، قبل أيّ شيء آخر، إدارة أميركية جديدة تختلف جذريا عن الإدارة الحالية التي على رأسها حتّى العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل باراك أوباما.

ما تأثير التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة بانتخاب دونالد ترامب رئيسا على الشرق الأوسط والخليج؟ هل هذا التغيير يخدم الاستقرار الإقليمي؟ كيف التكيّف مع المعطيات الجديدة على الصعيدين الدولي والإقليمي؟ أين الكويت من كلّ ذلك؟

أسئلة كثيرة ستطرح نفسها. ستساعد نتيجة الانتخابات الكويتية في الإتيان ببعض الإجابات عنها، بما في ذلك عن السؤال الأساسي الذي يمكن تلخيصه بالآتي: هل يستمر الاستقرار السياسي في الكويت، كما حصل في السنوات الثلاث الماضية في ظلّ تناغم بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمّة؟

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة أجندات لا معركة مرشحين في الكويت معركة أجندات لا معركة مرشحين في الكويت



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia