فتح لا علاقة لها بـفتح

'فتح' لا علاقة لها بـ'فتح'

'فتح' لا علاقة لها بـ'فتح'

 تونس اليوم -

فتح لا علاقة لها بـفتح

بقلم : خير الله خير الله

ينعقد مؤتمر “فتح” في وقت لم يعد لـ“فتح” علاقة بـ“فتح”. هناك محاولة واضحة لإيجاد “فتح” جديدة تتلاءم مع المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية، وتكون في الوقت ذاته مجرّد وسيلة يستخدمها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس “أبو مازن” لضمان بقائه في السلطة ومنع خصومه من لعب أيّ دور في حال غيابه. ولكن ما هو المشروع الوطني الفلسطيني في حال غياب “أبو مازن”، بعد عمر طويل، وكيف يمكن لـ“فتح” الجديدة لعب دور في تحقيق هذا المشروع؟

هناك جانبان مهمّان في المؤتمر الذي ستعقده الحركة بعد أيّام. يتمثل الأوّل في غياب أيّ معارض لـ“أبو مازن” عن المؤتمر، والآخر في انتفاء ثقل الخارج لمصلحة قيادات من الضفة الغربية وغزّة، لا يمكن للأسف الشديد وصفها بالقيادات.

لا يختلف اثنان على أنّ “أبو مازن” هو آخر القيادات التاريخية للحركة، هذا إذا استثنينا فاروق القدومي “أبو اللطف” الذي رفض العودة إلى فلسطين والذي تقدّم به العمر ولم يعد له أيّ دور منذ فترة طويلة. بقي “أبو مازن” في الصف الثاني للقيادة الفلسطينية فترة طويلة. لا شكّ أنّه لعب دورا مهمّا في مجال العلاقات الخارجية، خصوصا في مجال تمتين العلاقة بين “فتح” وموسكو.

سمح له ذلك بأن يكون على معرفة دقيقة بموازين القوى الإقليمية والدولية. استثمر معرفته هذه في مرحلة ما قبل التوصل إلى اتفاق أوسلو في صيف العام 1993، وهو اتفاق وقّع في حديقة البيت الأبيض لاحقا، في أيلول – سبتمبر من ذلك العام، وفتح أبواب واشنطن على مصراعيها أمام “أبو عمّار”.

سيحكم التاريخ على ما إذا كان ياسر عرفات استطاع استغلال الفرصة المتاحة له أم لا، علما أن إسرائيل لم تكن في أيّ يوم تعتقد أنّ اتفاق أوسلو يمكن أن يؤدي إلى تسوية معقولة ومقبولة ترضي بعض الطموحات المشروعة للفلسطينيين، بل كانت تريد أن تثبت من خلال اتفاق أوسلو أن الفلسطينيين لا يحترمون التزاماتهم.

في الواقع، سيحكم التاريخ على ما إذا كان عرفات عرف تماما ما الذي وقّع عليه في حديقة البيت الأبيض؟ الأهمّ من ذلك هل كان يعرف ما هي إسرائيل التي وقّع الاتفاق معها وهل استطاع فهم أصول لعبة العلاقات العامة التي تدور في واشنطن وفهم أميركا نفسها؟

بقي ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، على رأس “فتح” أقلّ بقليل من نصف قرن. وإذا كان من كلمة حقّ تقال، فإن “فتح” تميّزت منذ نشوئها بتنوع الآراء في داخلها. كان ذلك مصدر غنى لـ”فتح” كما تسبب بمشكلات وأزمات كبيرة استطاع “أبو عمّار” ضبطها واحتواءها في معظم الأحيان. لم تكن هناك “فتح” واحدة إلّا في بدايات البدايات. بدأت تظهر الانشقاقات خلال وجود “فتح” في الأردن حيث أصبحت هناك دكاكين فتحاوية.

وعندما انغمست “فتح” في الحرب اللبنانية وحوّلت نفسها إلى جيش المسلمين ضد المسيحيين، كانت تضمّ تيارات بعضها “ماوي”، نسبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وبعضها، في مرحلة لاحقة “خميني”، نسبة إلى زعيم الثورة علي الشاه في إيران. كان هناك أيضا من يُعتبر محسوبا على دول الخليج العربي التي لم تقصّر يوما في دعم “فتح” ماليا، باستثناء سلطنة عمان.

وكان هناك من يُعتبر محسوبا على مصر وعلى الأجهزة المصرية تحديدا… وكان هناك بالطبع مستقلون لا ولاء لديهم سوى لقضية ما لبثت أن تراجعت أهمّيتها مع مرور الوقت لأسباب كثيرة في مقدّمها الشرخ المذهبي الذي ظهر بوضوح بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003.

كانت “فتح” في حال ضياع أيديولوجي مستمر، لكن “أبو عمّار” عرف دائما كيف يمكن ضبط الأمور معتمدا قبل أيّ شيء آخر على عامل المال الذي جعله فوق كلّ الخلافات، في معظم الأحيان وليس في كلّ وقت. كذلك، عرف “أبو عمّار” كيف يفرض إرادته وذلك بقبوله القرار 242 وإعلان نبذه الإرهاب في العامين 1988 و1989.

خاضت “فتح” في عهد ياسر عرفات صراعات كانت في غنى عنها، بما في ذلك الصراع مع النظام السوري برئاسة حافظ الأسد الذي كان يعتبر القرار الفلسطيني المستقلّ “بدعة”… وفلسطين “جنوب سوريا”. وضع ياسر عرفات نفسه، من خلال تمسّكه بالوجود العسكري في لبنان، لقمة في فم حافظ الأسد الذي حرمه من أي فوائد كان يمكن أن يحصل عليها عبر أنور السادات!

مرّت “فتح” بمراحل كثيرة قبل الوصول إلى اتفاق أوسلو. فقدت خليل الوزير “أبو جهاد” ثم صلاح خلف “أبو إياد”. كانا منافسين جدّيين لياسر عرفات، لكنّهما كانا في الوقت ذاته أبرز حليفين له عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.

لدى وفاة “أبو عمّار” في تشرين الثاني – نوفمبر 2004، لم يكن يعد في الساحة غير “أبو مازن”، الرجل الواقعي الذي يمتلك شخصية مختلفة كلّيا عن شخصية الزعيم الفلسطيني الراحل. كان “أبو مازن” يمتلك من الواقعية ما دفعه إلى زيارة مسقط رأسه في صفد برفقة أفراد عائلته. كان ذلك في مرحلة ما بعد أوسلو. قال وقتذاك للذين رافقوه إنّه جاء بهم إلى المكان الذي لن يعودوا إليه يوما.

هناك خيط عريض يربط بين كلّ تصرّفات محمود عباس الذي يرئس السلطة الوطنية منذ ما يزيد على عقد من الزمن. ورث “أبو مازن” كلّ مواقع ياسر عرفات وألقابه، بما في ذلك لقب “رئيس دولة فلسطين”. لكنّه تصرّف في كلّ مناسبة بما يؤكّد أنّه يرفض كلّيا كلّ ممارسات سلفه. حتّى نظرته إلى الأشخاص مختلفة تماما عن نظرة ياسر عرفات.

لا يقبل بوجود أي شخص قوي قربه. مع “أبو مازن”، لا مجال لأي نقاش من أي نوع كان في أي موضوع كان. نظرته إلى المال مختلفة أيضا عن ياسر عرفات الذي عرف كيف يستخدم هذه الوسيلة للوصول إلى غاياته. كان المال سلاحا من أسلحته، في حين أن أهمّيته بالنسبة إلى “أبو مازن” مختلفة تماما. إضافة إلى ذلك، لم يحطْ “أبو مازن” نفسه بأشخاص قادرين على التعاطي مع الإعلام. بالنسبة إليه، لا وجود لسلاح الإعلام، لا على الصعيد العربي ولا على الصعيد العالمي.

باختصار شديد، أن “أبو مازن” شخصية تمثّل نقيض شخصية “أبو عمّار”. لذلك يريد أن تكون “فتح” على شكله. عذره أن المنطقة كلّها تغيّرت. لم تعد القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والمركزية. لا يتحدث اليوم عن القضية الفلسطينية إلا أولئك الذين يريدون المتاجرة بها من مسؤولين إيرانيين وأدوات لإيران وسياساتها ومشروعها الإقليمي.

هل يبرّر ذلك قيام “فتح” جديدة لا تضمّ سوى أزلام لمحمود عبّاس؟ هل تتطلب المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية مثل هذا الانقلاب الكبير على ما بقي من إرث لياسر عرفات بحسناته الكثيرة وسيئاته التي لا تحصى أيضا، على رأسها أخطاء الأردن ولبنان والكويت والسقوط في الأفخاخ التي أوقعه فيها حافظ الأسد من حيث يدري أو لا يدري، فضلا عن أخطاء ما بعد أوسلو وكيفية التعاطي مع إسرائيل والولايات المتحدة؟

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتح لا علاقة لها بـفتح فتح لا علاقة لها بـفتح



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia