على أنقاض سوريا الأسد

على أنقاض 'سوريا الأسد'

على أنقاض 'سوريا الأسد'

 تونس اليوم -

على أنقاض سوريا الأسد

بقلم : خير الله خير الله

ما الذي تستطيعه روسيا في سوريا وما الذي لا تستطيعه؟ سيطرح هذا السؤال نفسه بحدّة في الأسابيع المقبلة التي ستكشف ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على فرض وقف للنار في الأراضي السورية بمشاركة تركيا.

سيتبيّن على وجه الخصوص ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على البناء على الهدنة بغية تحقيق هدف واضح يتمثّل في التوصل إلى تسوية سياسية تكرّس سوريا منطقة نفوذ روسية بغطاء أميركي… قد يأتي كما قد لا يأتي!

إلى الآن، وردت إشارات عدة من طهران توحي بأن إيران لا تقبل بأن تكون الكلمة الأخيرة في سوريا لروسيا. لم تتجرّأ طهران على توجيه كلام مباشر إلى موسكو، لكن الواضح أن كلّ انتقاد إيراني موجّه إلى تركيا هو في الواقع موجّه إلى روسيا. هذا ما يمكن فهمه من تصريحات علي أكبر ولايتي مستشار “المرشد” علي خامنئي الذي أكّد أن “حزب الله” لن ينسحب من الأراضي السورية.

لم تطلب إيران من “حزب الله” إرسال مقاتليه إلى سوريا دعما للنظام الأقلّوي فيها كي يأتي يوم تعلن فيه تركيا أن المطلوب انسحاب كلّ الميليشيات الأجنبية من سوريا، بمن في ذلك الميليشيا المذهبية ذات العناصر اللبنانية المسمّاة “حزب الله”.

القرار المتعلّق بوجود “حزب الله” في سوريا قرار إيراني. ميليشيا الحزب لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. ما ينطبق على “الحرس الثوري” ينطبق عليها.

لم يمرّ الزمن بعد على الكلام الصادر عن السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” الذي شدّد فيه على أنّ كلّ ما لدى “حزب الله” جاء من إيران. هذا لم يكن سرّا في يوم من الأيّام. هذا ما لا يريد أن يعرفه عدد لا بأس به من اللبنانيين الذين لا تزال لديهم بعض الأوهام في شأن العلاقة بين “حزب الله” ولبنان وبينه وبين المجتمع اللبناني المؤمن بثقافة الحياة.

مع مرور الأيّام على سريان الهدنة الروسية ـ التركية في سوريا، انتقل المسؤولون الإيرانيون إلى مرحلة جديدة في حملتهم على تركيا. لم يتردد علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي في “مجلس الشورى” الإيراني في اتهام تركيا بأنّها تحتلّ جزءا من الأراضي السورية متجاهلا أن إيران تخوض، عبر عناصر “الحرس الثوري” والميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية التابعة لها، حربا على الشعب السوري.

أكثر من ذلك، أن بشّار الأسد لا يزال موجودا في دمشق بفضل الحماية التي أمنتها له إيران التي ما لبثت بدورها أن استعانت بروسيا كي لا يسقط النظام السوري رسميا بعدما سقط عمليا.

المضحك ـ المبكي أنّ إيران تعتبر نفسها موجودة في سوريا بناء على طلب من “الشرعية”. منذ متى كان النظام السوري شرعيا؟ من أين لهذا النظام الأقلّوي الذي هو نتاج انقلاب عسكري لحزب البعث نفّذ قبل ما يزيد على نصف قرن شرعية من أيّ نوع كان؟

من يستعرض تاريخ النظام السوري يكتشف، بكل بساطة، أن لا شرعية له من أيّ نوع. اغتصب هذا النظام السلطة واغتصب ثروات سوريا وفرض على الشعب السوري نظاما أمنيا لا يشبه سوى النظام الذي فرضه ستالين على شعوب الاتحاد السوفييتي في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.

هذا نظام ابتليت به سوريا بدليل ما وصلت إليه الأحوال في هذا البلد الذي كان مرشّحا للعب دور طليعي في المنطقة بفضل الثروة الإنسانية التي كان يمتلكها، والثروات الطبيعية التي لا يزال يمتلكها.

عاش النظام السوري طوال نصف قرن على أمجاد تسليم الجولان إلى إسرائيل. في حزيران ـ يونيو المقبل تمرّ الذكرى الخمسون على حرب العام 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل للجولان. إلى الآن لا يزال الجولان المحتل الرأسمال الذي يقتات منه النظام السوري، بل علّة وجود هذا النظام.

إذا كان من احتلال تركي لجزء من الأراضي السورية، وهو احتلال تمّ بالتفاهم مع الروس والأميركيين، فإنّه يضاف إلى احتلالات ثلاثة أخرى هي الإسرائيلي والإيراني والروسي.

لكلّ من هذه الاحتلالات الأربعة منطقة نفوذ خاصة به يفعل فيها ما يشاء، ساعة يشاء. هذا هو الوضع السوري على حقيقته.

هناك نظام غير شرعي جلب لسوريا أربعة احتلالات إضافة إلى لعبه دورا أساسيا في قيام “داعش” الذي لا يزال يسيطر على جزء من البلد ولا تزال له امتداداته العراقية.

ما تستطيعه روسيا سيعتمد إلى حدّ كبير على موقف الإدارة الأميركية الجديدة. في غياب تفاهم في العمق بين دونالد ترامب والمجموعة المحيطة به من جهة والرئيس فلاديمير بوتين من جهة أخرى، لن يكون مجال للبناء على الهدنة الهشّة القائمة حاليا والتي في أساسها ما تحقّق في حلب بفضل التواطؤ التركي مع روسيا، وهو تواطؤ، على حلب وأهل حلب، يمكن تفسيره بالهاجس الكردي الذي يتحكّم بتصرّفات الرئيس رجب طيّب أردوغان.

قبلت تركيا بتسليم حلب إلى النظام والميليشيات المذهبية التابعة لإيران بتفاهم مع روسيا. كان ذلك في سياق عملية يفترض أن تقود إلى تفاهم سياسي وليس إلى تجاذبات تركية ـ إيرانية تجري تحت المظلّة الروسية.

لن تتردّد تركيا في احتلال المزيد من الأراضي السورية وذلك لقطع الطريق على قيام كيان كردي مستقلّ في سوريا. دخلت تركيا في لعبة لا تزال ينقصها الغطاء الأميركي. هل يستطيع الجانب الروسي توفير هذا الغطاء كي تكون مفاوضات أستانا هذا الشهر مجرّد محطة تمهّد للانتقال إلى جنيف مجددا؟

الكثير سيتوقّف على الموقف الذي ستتخذه إدارة ترامب من الأزمة السورية. يمثّل كلّ ما فعلته روسيا إلى الآن نوعا من تقديم أوراق الاعتماد إلى الولايات المتحدة انطلاقا من واقع جديد على الأرض.

ليس معروفا بعد كيف ستتجاوب إدارة ترامب مع الواقع السوري الجديد. الثابت أنّها لم تعد قادرة على تجاهله من جهة، كما لا تبدو على استعداد للسير في السياسة التي اتبعتها إدارة باراك أوباما من جهة أخرى. كانت هذه السياسة الأوبامية قائمة أساسا على الاكتفاء بالكلام الكبير لتغطية الاستسلام الكامل لإيران وروسيا في شأن كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بما يدور على أرض سوريا.

قبل نحو عشرة أيام من دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، يبدو أن على روسيا إدارة الخلاف التركي ـ الإيراني الذي يبدو مرشّحا لتصعيد على الأرض، وأن في ظلّ معرفة كلّ طرف من الطرفين لحدود منطقة نفوذه.

سيبقى التراشق الكلامي سيّد الموقف وستبقى الهدنة القائمة مجرّد هدنة هشة تحتاج إلى تفاهم أميركي ـ روسي كي يبدأ البحث الجدّي في كيفية إعادة تشكيل سوريا الجديدة على أنقاض “سوريا الأسد” التي دمّرت نفسها بنفسها بعدما عاشت أكثر مما يجب على الشرعية المستمدّة من تسليم الجولان لإسرائيل.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على أنقاض سوريا الأسد على أنقاض سوريا الأسد



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia