هولاند وبوتين… ورد ستالين على البابا

هولاند وبوتين… ورد ستالين على البابا

هولاند وبوتين… ورد ستالين على البابا

 تونس اليوم -

هولاند وبوتين… ورد ستالين على البابا

بقلم :خير الله خير الله

يبقى الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من الحملة الوحشية التي يشنّها سلاح الجو الروسي بدفع من الرئيس فلاديمير بوتين، على حلب، مجرّد موقف أخلاقي. السياسة شيء والأخلاق شيء آخر. أين يمكن صرف المواقف الأخلاقية والمبدئية في المجال السياسي، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بمأساة لا سابق لها مثل المأساة السورية؟ ما الذي ستجنيه حلب نتيجة المواقف الجريئة لرئيس فرنسي عاجز يعاني، في السنة الأخيرة من ولايته، من فقدان التأييد الشعبي في فرنسا نفسها؟

المسألة السورية ليست مرتبطة بفرنسا وحدها. أين أوروبا مما يدور في هذا البلد؟ كشفت سوريا أوروبا. كشفت عمليا الإفلاس السياسي والعسكري لأوروبا. لم يعد لأوروبا وزن على الصعيد العالمي. ليس أمام أوروبا سوى التزام موقف المتفرّج، للأسف الشديد، والعمل في الوقت ذاته على الحدّ من تدفق اللاجئين السوريين في اتجاهها.

هذا كلّ ما تستطيع أوروبا عمله بعدما تبيّن أن إدارة باراك أوباما تصعّد كلاميا وتسير عمليا في الخط الروسي. صار وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مجرّد مهزلة مقارنة بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي يعني كلّ كلمة يقولها. أكثر من ذلك، تبيّن أن على أوروبا السعي، في الخفاء أحيانا وعلنا في أحيان أخرى، إلى مراضاة إيران بوجود إدارة أميركية لا همّ لديها سوى حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. هذا الاتفاق الذي يعبّر عن تواطؤ لإدارة أوباما مع إيران تدفع ثمنه سوريا.

من أصل تسعة مستشفيات في حلب، قصف سلاح الجو الروسي ستة منها ودمّرها تدميرا كاملا. ممنوع على أهل حلب حتّى معالجة جروحهم. عليهم الاستسلام للنظام السوري، وهو نظام أقلّوي، يحظى بغطاء جوّي روسي، تمثّله على الأرض مجموعة من العصابات المسلحة مضاف إليها ميليشيات مذهبية عراقية ولبنانية وحتّى أفغانية أتت بها إيران إلى محيط حلب ودمشق والمدن ذات الأكثرية السنّية مثل حمص وحماة.

وضع هولاند شروطا على بوتين من أجل زيارة باريس. رفض بوتين هذه الشروط واللغة التي استخدمها الرئيس الفرنسي. كلّ ما يريده الرئيس الروسي هو تدمير حلب وذلك بالتنسيق الكامل مع إيران. ليس بالكلام وحده يمكن حماية حلب، إحدى أقدم الحواضر في العالم. ليس بالأخلاق يمكن ضمان حق الشعب السوري في تقرير مصيره.

كلّ الكلام الجميل الذي صدر عن فرنسا بقي كلاما جميلا. في المقابل، عندما وجد فلاديمير بوتين أن النظام السوري سيسقط نهائيا، وأن بشّار الأسد سيجد نفسه مضطرا لمغادرة دمشق حيث تحميه إيران، تدخل مباشرة. كلّ كلام عن تناقضات بين إيران وروسيا هو كلام في غير محله، أقلّه في الظروف الراهنة. لدى الجانبين مصلحة واحدة في المحافظة على النظام، على الرغم من أنّه صار في مزبلة التاريخ، وأنّ لا مهمّة له في المدى المنظور سوى الانتهاء من سوريا التي عرفناها. يبدو أن ذلك هدف بشّار الأسد، كما هو هدف إيران وروسيا وإسرائيل وتركيا والإدارة الأميركية. لا تستطيع أوروبا أن تفعل شيئا في مواجهة هذا الواقع. لذلك، يبدو كلام هولاند أقرب إلى لعب في الوقت الضائع في انتظار إدارة أميركية جديدة يصعب التكهّن بأنّها يمكن أن تغيّر شيئا في الواقع السوري.

تشبه تصرفات فلاديمير بوتين في سوريا تصرّفات ستالين. عندما قيل للزعيم السوفياتي الراحل إن بابا الفاتيكان يشكو من القمع الذي يتعرّض له الكاثوليك في الاتحاد السوفياتي، كان ردّه “البابا؟ كم فرقة عسكرية يمتلك البابا؟”… يستطيع الرئيس الروسي السؤال حاليا عن تأثير فرنسا في سوريا ومدى قدرتها على ممارسة أي ضغوط من أيّ نوع على بلده. ما دام ليس لدى فرنسا سوى الكلام، يمكن لزيارة باريس أن تنتظر طويلا. لم تعد الزيارة تقدّم أو تؤخّر في شيء.

في النهاية، كم فرقة عسكرية تمتلك أوروبا؟ الجواب أن أوروبا تمتلك قدرات عسكرية، لكنّها ليست قادرة على التدخل في سوريا. تستطيع فرنسا التدخل في مالي أو في أحد البلدان الأفريقية. تبقى سوريا شيئا آخر مختلفا جدّا. هناك لعبة كبيرة تدور في سوريا حيث قررت أوروبا، على رأسها ألمانيا، الاستسلام لروسيا وإيران مع ما يستتبع ذلك من كوارث تحلّ بالمنطقة. كوارث تحل باليمن والعراق، وصولا إلى لبنان الذي تستخدمه إيران منبرا لمهاجمة المملكة العربية السعودية، فيما تتابع جهودها لفرض هيمنتها عليه.

يظلّ السؤال الكبير هل هناك من يريد بالفعل مساعدة سوريا والسوريين، أم أنّ كل ما يفعله فرنسوا هولاند يندرج في خانة رفع العتب من جهة، والسعي إلى استعادة موقع في فرنسا نفسها من جهة أخرى.

هناك الأشهر الأخيرة من ولاية باراك أوباما. هذه فرصة لا تعوّض لوضع الإدارة الأميركية الجديدة أمام أمر واقع. والأمر الواقع هو تفاهم روسي – إيراني على تقاسم للنفوذ في سوريا. يحصل ذلك بموافقة إسرائيلية يعبّر عنها التنسيق المستمرّ بين بوتين وبنيامين نتانياهو الذي ازدرى دائما باراك أوباما. فكيف يمكن لشخص عرف حجم الرئيس الأميركي باكرا أن يتعاطى باحترام مع رئيس لفرنسا مثل فرنسوا هولاند؟

يبقى أن هناك من يراهن على الموقف التركي وأن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يمكن أن يبقى مكتوفا لفترة طويلة حيال ما يدور في حلب. هل هذا رهان في محلّه؟ من الصعب الذهاب بعيدا في مثل هذا النوع من الرهانات لا لشيء سوى لأن روسيا استطاعت، بالتنسيق مع إيران، تدجين تركيا أسيرة عقدة الورقة الكردية. تلعب روسيا وإيران مع تركيا لعبة العصا والجزرة. يأتي بوتين إلى إسطنبول للمشاركة في مؤتمر ينعقد فيها ولقاء أردوغان، فيما يقاطع الرئيس الإيراني حسن روحاني المؤتمر!

من الواضح، أن تركيا تعاني من حال ضياع، خصوصا في الموضوع السوري. الأكيد أنّها لم تستطع، إلى الآن، رسم سياسة واضحة تجاه بلد لديها معه حدود مشتركة يزيد طولها على تسعمئة كيلومتر. لو كانت لدى تركيا سياسة مدروسة تجاه سوريا، لكانت عملت بدورها على فرض أمر واقع. كان مفترضا أن تفعل ذلك باكرا. كان عليها إقامة “منطقة آمنة” في الأراضي السورية، لكن إدارة أوباما لم تسمح لها بذلك.

يظل مشروع “المنطقة الآمنة” المشروع الوحيد ذا الطابع العملي. كلّ ما يمكن لتركيا أن تفعله هو السعي منذ الآن إلى إقناع الإدارة الأميركية الجديدة به. تستطيع الاستعانة بفرنسا وغير فرنسا لتحقيق هذا الغرض من جهة، وإبلاغ فلاديمير بوتين وإيران أن هناك ردّا على مشروعهما الهادف إلى تقاسم النفوذ في سوريا بغطاء إسرائيلي من جهة أخرى.

في غياب القدرة على ترجمة الكلام الجميل إلى واقع على الأرض، يبقى الكلام الجميل مجرّد كلام. يبقى أن على فرنسوا هولاند، قبل أن يقول كلاما كبيرا عن بوتين، أن يتذكر رد ستالين على البابا…

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هولاند وبوتين… ورد ستالين على البابا هولاند وبوتين… ورد ستالين على البابا



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia