الفلسطينيون ووهم المؤتمر الدولي

الفلسطينيون ووهم المؤتمر الدولي!

الفلسطينيون ووهم المؤتمر الدولي!

 تونس اليوم -

الفلسطينيون ووهم المؤتمر الدولي

بقلم - خير الله خير الله

أميركا ستكتشف أن لا أحد يستطيع إلغاء الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية. تلك نقطة مهمّة لا يستطيع أي رئيس أميركي تجاهلها في المدى الطويل، لكنّها لا تعني بأي شكل أنّ في استطاعة الفلسطينيين بيع الأوهام من نوع المؤتمر الدولي.

مفتاح العبور بيد الفلسطينيين إذا فكروا بعقلانية
هناك عالم تغيّر ومنطقة تغيّرت. إذا لم تتمكن القيادة الفلسطينية من أخذ العلم بذلك والتعاطي مع هذا الواقع والتكيّف معه، يصبح الكلام عن مؤتمر دولي للسلام يطالب به الرئيس محمود عبّاس (أبومازن) نوعا من المحاولات اليائسة لسدّ أوقات الفراغ… وما أكثر أوقات الفراغ في هذه الأيّام.

هل يمكن، أوّلا وأخيرا، الكلام عن مؤتمر دولي للسلام في غياب الولايات المتحدة؟ لنفترض أن مثل هذا المؤتمر انعقد، وهذا من رابع المستحيلات، من سينفذ قراراته يوما؟ ما الذي تستطيع فرنسا أن تفعله للفلسطينيين؟

لا تستطيع أن تفعل شيئا. الموضوع في يد إسرائيل والولايات المتحدة. تكمن المشكلة في أنّ تأثير فرنسا على إسرائيل والولايات المتحدة صفر مكعّب. سيتمكن الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي استقبل “أبومازن” قبل أيّام، بالكاد أن ينقل إلى الرئيس دونالد ترامب رسالة من إيران سلّمه إياها وسيط قابله يوم الثلاثاء الماضي.

قد يستمع ترامب إلى مضمون الرسالة، المتعلقة برغبة إيران في تفادي العقوبات الأميركية الجديدة… كما قد لا يستمع إليها. سيعتمد كلّ شيء على ما إذا كانت إدارة ترامب ترغب في الذهاب إلى النهاية في مواجهة إيران أم تسعى إلى صفقة ما معها انطلاقا من العراق.

يعيش الرئيس الأميركي في عالم آخر لا علاقة له بالفلسطينيين ومأساتهم أو بالنزاع العربي – الإسرائيلي أو الفلسطيني – الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني “غير القابلة للتصرّف” حسب تعبير أحد قرارات الأمم المتحدة.

لن يؤثر على ترامب شخص مثل إيمانويل ماكرون لديه من الهموم الداخلية والأوروبية ما يكفيه، بل أكثر مما يُعتقد. من أطرف ما يرد على لسان فلسطينيين يشغلون مواقع في السلطة الوطنية، من بينهم “أبومازن”، أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا نزيها بين الفلسطينيين وإسرائيل.

في الواقع، لم تكن الولايات المتحدة يوما وسيطا نزيها. كان ما تقوم به من مبادرات بالتنسيق المسبق مع إسرائيل، في معظم الأحيان، حتّى لا نقول في كلّها. لكنّ الجديد مع إدارة ترامب أنّها قرّرت تجاوز القضيّة الفلسطينية من منطلق أن طرحها في المنتديات الدولية طال أكثر مما يجب.

لا وجود لإدراك لدى إدارة ترامب لواقع أنّ هذه القضيّة قضيّة شعب ذي تاريخ معروف ومثبت موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط وأن من حقّه أن يكون موجودا على الخارطة الجغرافية أيضا. يمتلك الفلسطينيون هوية وطنية تجمع بينهم على الرغم من كلّ ما تعرّضوا له من خيبات وعلى الرغم من الانقسام العميق الذي جعل قطاع غزّة منفصلا كلّيا عن الضفة الغربية.

ليس المؤتمر الدولي سوى وهم لا يحق للقيادة الفلسطينية، في الظروف الراهنة، الدخول في متاهاته أو التسويق له حتّى لو كانت في وضع الباحث عن مخرج ما من المأزق الذي وجدت نفسها فيه. الأكيد أن القيادة الفلسطينية لا تتحمّل وحدها مسؤولية هذا المأزق. هناك تطورات إقليمية وعربية ودولية أدّت إلى الوضع الراهن.

من بين هذه التطورات تراجع الاهتمام العربي بالفلسطينيين وقضيتهم، خصوصا بعد الزلزال العراقي في العام 2003 الذي جعل المشروع التوسّعي الإيراني يلتقط أنفاسه ويتحوّل إلى تحدّ وجودي لكل دولة عربية في المنطقة.

أخذ هذا المشروع على عاتقه تهديد كلّ كيان عربي بعد وضع إيران يدها على العراق بتسهيلات أميركية. باتت كلّ المجتمعات العربية تشعر بتهديد في العمق، خصوصا بعدما تبيّن أن المشروع التوسّعي الإيراني يعتمد على ميليشيات مذهبية. لا تعمل هذه الميليشيات في العراق فقط، بل هي في سوريا ولبنان واليمن وكادت تكون موجودة في البحرين أيضا.

من يدعو إلى مؤتمر دولي في ظل الواقع القائم، إنّما يمارس عملية هروب إلى الأمام من جهة ويبيع الفلسطينيين الوهم من جهة أخرى. لا حاجة بالطبع إلى إعادة التذكير بأنّ فرنسا استطاعت في العام 1974 تأمين أوّل اختراق للدبلوماسية الفلسطينية عندما استقبل وزير خارجيتها جان سوفانيارغ في مقر إقامة السفير الفرنسي في العاصمة اللبنانية (قصر الصنوبر) ياسر عرفات.

حصل اللقاء في إطار فطور دعا إليه سوفانيارغ بعيدا عن عيون الصحافيين والكاميرات. لكنّ هذا الاختراق، الذي غاب عنه الإعلام، مهّد لهدف محدد في حينه. يتمثل هذا الهدف في ذهاب “أبوعمّار” إلى الأمم المتحدة لإلقاء خطاب أمام الجمعية العمومية في مثل هذه الأيّام من تلك السنة، أي قبل أربعة وأربعين عاما بالتمام والكمال.

كان في استطاعة الفلسطينيين البناء على ما تحقق طوال سنوات وصولا إلى اتفاق أوسلو، ذي الثغرات الكثيرة، الذي تمّ التوصل إليه مع إسرائيل مباشرة. ما كان لاتفاق أوسلو أن تكون له أي قيمة لولا أن الولايات المتحدة اعتمدته وأصرت على أن تكون راعية لحفلة التوقيع عليه وشاهدة على هذا التوقيع.

أوصل اتفاق أوسلو الفلسطينيين، شئنا أم أبينا، إلى البيت الأبيض ومكّن ياسر عرفات من أن يطأ أرض فلسطين وأن يكون قبره في رام الله. هذا لا يعني أنّه كان اتفاقا من دون شوائب، لكنّ عودة إلى تلك المرحلة تؤكد أنّه لم يكن أمام الفلسطينيين من مخرج آخر في تلك المرحلة.

إذا كان من درس يمكن استنتاجه من كلّ تجارب المرحلة الطويلة من النضال السياسي والعسكري التي ارتكب الفلسطينيون خلالها أخطاء كبيرة، خصوصا في حق لبنان، فإنّ هذا الدرس يختزل بكيفية التعاطي مع الولايات المتحدة على الرغم من كلّ ما تنطوي عليه سياستها من انحياز مكشوف ووقح إلى إسرائيل والاحتلال الذي تمارسه.

لا شكّ أن أميركا في عهد ترامب قررت أن تكون أكثر انحيازا لإسرائيل وأن تلغي خيار الدولتين من قاموسها السياسي. ولا شكّ أيضا أن في إسرائيل حكومة متطرّفة هي في الواقع حكومة المستوطنين الذين يريدون تكريس الاحتلال للجزء الأكبر من الضفّة الغربية.

لكنّ ذلك كلّه لا يعفي القيادة الفلسطينية من مسؤوليات عدة. في مقدّم هذه المسؤوليات إبقاء شعرة معاوية مع واشنطن، حتّى لو كانت واشنطن في غنى عن هذه الشعرة. ليس هناك من يريد القطيعة التامة بين الفلسطينيين وأميركا غير إسرائيل.

يمكن الذهاب إلى القول إنّ ترامب ينفذ سياسة إسرائيلية. هذا صحيح مئة في المئة، لكن الرد لا يكون بتنفيذ ما تسعى إليه إسرائيل. ففلسطين ليست دولة عظمى ولم تعد القضية الأولى لدى العرب ودول العالم الثالث أو الرابع أو الخامس.

في استطاعة “أبومازن” على سبيل المثال إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني في انتظار غد أفضل. عاجلا أم آجلا ستكتشف أميركا أن لا أحد يستطيع إلغاء الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية. تلك نقطة مهمّة لا يستطيع أي رئيس أميركي تجاهلها في المدى الطويل لكنّها لا تعني بأي شكل أنّ في استطاعة الفلسطينيين بيع الأوهام من نوع المؤتمر الدولي…

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسطينيون ووهم المؤتمر الدولي الفلسطينيون ووهم المؤتمر الدولي



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia