الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول

الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول

الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول

 تونس اليوم -

الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول

بقلم : خير الله خير الله

لا يمكن للأكراد القبول بالعيش في ظل نظام يشكل 'الحشد الشعبي' عموده الفقري. هذا ما يفترض أن يستوعبه الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي كان مفيدا لو اتخذ موقفا من عمليات التطهير العرقي والمذهبي التي قامت بها ميليشيات 'الحشد الشعبي' ومن تشريعه.

لا مشكلة في أن تبدي جامعة الدول العربية وجهة نظرها في شأن الاستفتاء الكردي. وجّه الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط رسالة إلى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني يدعوه فيها إلى إعادة النظر في القرار القاضي بإجراء استفتاء شعبي يوم الخامس والعشرين من أيلول – سبتمبر المقبل يقرّر الأكراد العراقيون في ضوء نتيجته هل يستقلون عن العراق أم لا؟

تؤدي جامعة الدول العربية واجبها. لا يمكن للجامعة البقاء في موقف المتفرّج في مرحلة مصيرية من نوع تلك التي يمرّ فيها العراق. تبدو رسالة أبوالغيط إلى مسعود البارزاني طبيعية. كان يمكن أن تكون طبيعية أكثر لو اتخذت الجامعة موقفا من الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة الموصل وما يقوم به “الحشد الشعبي” بحجة الحرب على “داعش”.

لا يمكن لوم الأمين العام للجامعة على الرسالة. يمكن فقط التذكير بأنّ الأكراد يسعون إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالنسبة إليهم كشعب موجود على خارطة المنطقة. كلّ كلام من نوع أن الاستفتاء “سيحمل رسالة سلبية لأبناء الشعب العراقي من غير الأكراد ويفتح الباب أمام رياح الشرذمة والتفتيت ويزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية، بل قد يساهم في تعقيد المشهد الكردي ذاته بصورة لا يرغب فيها أحد”، ليس له ما يبرّره. إنّه كلام قديم لا يمكن أن يتلاءم مع وضع جديد لم يعد فيه من مجال لأي تباك على وحدة العراق التي صارت جزءا من الماضي البعيد.

هل الاستفتاء الكردي سيؤدي إلى شرذمة العراق؟ هل للاستفتاء علاقة بتفتيت العراق؟

الأكيد أن الاستقلال الكردي ليس حلا سحريا. ليس ما يضمن أن يتمكن الأكراد من إقامة دولة ناجحة، خصوصا أنّهم سيتعرّضون لحملات عراقية وتركية وإيرانية إضافة إلى انقساماتهم الداخلية. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ لجوء الأكراد إلى الاستفتاء هو نتيجة وليس سببا. إنّه نتيجة التشرذم والتفتيت اللذين يعاني منهما العراق، بل يعاني مما هو أسوأ من ذلك. إنّه يعاني قبل أيّ شيء من الطبقة التي تحكمه ومن وقوعه تحت الهيمنة الإيرانية ومن لجوء إيران إلى إثارة الغرائز المذهبية بغية إحكام سيطرتها على كلّ مفاصل السلطة فيه.

لم يعد من مكان للأكراد في العراق الموحّد. ليس رئيس الجمهورية الكردي فؤاد معصوم سوى صورة في إطار أنيق في أحسن الأحوال. منذ خروج هوشيار زيباري من الحكومة، بعدما كان وزيرا للخارجية ثمّ وزيرا للمال، لم يعد الأكراد في أيّ موقع مهمّ في بغداد.

تظهر الأحداث التي توالت منذ العام 2003، تاريخ قيام النظام الجديد في العراق، أن الحكم العراقي قام بكلّ ما يمكن القيام به من أجل جعل الأكراد يكفرون بالوحدة العراقية ويهربون منها. لذلك لا معنى يذكر لكلام من نوع القول للبارزاني إنّ “حقوق الأكراد لا يمكن تلبيتها بصورة كاملة إلّا في إطار الدولة العراقية الفيدرالية الديمقراطية”.

استطاع الأكراد في مرحلة ما بعد سقوط صدّام حسين على يد الجيش الأميركي إقامة منطقة حكم ذاتي ورفع علمهم. استفادوا قدر المستطاع، وإن ضمن حدود معيّنة، من موارد الدولة العراقية. لعب جلال الطالباني قبل تعرّضه لجلطة دورا كبيرا في إيجاد نوع من التوازن داخل السلطة، أقلّه نظريا. كان ذلك عائدا إلى علاقته الطيّبة بإيران وامتلاكه هامشا من المناورة. لكنّ أشياء كثيرة انتهت مع خروج الطالباني من الرئاسة، بما في ذلك ضمور الوجود السياسي الكردي في بغداد وتصاعد الهجمة الإيرانية على البلد من منطلق مذهبي يقوم على خلق واقع جديد يستند أوّل ما يستند إلى “الحشد الشعبي”.

لا يمكن للأكراد القبول بالعيش في ظلّ نظام يشكل “الحشد الشعبي” عموده الفقري. هذا ما يفترض أن يستوعبه الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي كان مفيدا لو اتخذ موقفا من عمليات التطهير العرقي والمذهبي التي قامت بها ميليشيات “الحشد الشعبي” ومن تشريعه.

كان هناك تضخيم للدور الذي لعبه “الحشد الشعبي” في تحرير الموصل من “داعش”. كان هناك نوع من التجاهل للدور الذي لعبه المقاتلون الأكراد. لم يكن الهدف تحرير الموصل بمقدار ما أنّه كان تدمير الموصل بصفة كونها مدينة عراقية كبيرة لا هيمنة للأحزاب المذهبية التابعة لإيران عليها.

كان الأجدر بالأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي يمتلك من دون أدنى شكّ خبرة سياسية طويلة، التوجّه إلى الحكومة العراقية برئاسة الدكتور حيدر العبادي أوّلا. كان الأجدر سؤال الحكومة ورئيسها عن الخطوات التي أقدمت عليها من أجل توفير الحماية لكل المواطنين العراقيين من دون تفريق في الدين والمذهب والقومية.

بعد كلّ المآسي العراقية والقطيعة بين بغداد والمنطقة الكردية والمماحكات اليومية بين الجانبين، لا يمكن لوم الأكراد على أي خطوة يمكن أن يقدموا عليها، بما في ذلك اللجوء إلى استفتاء شعبي لإعلان دولتهم المستقلّة. الملفت في الأمر أنّهم يقدمون على ذلك في ظروف دولية وإقليمية مواتية يوفّرها الدعم الأميركي القوي للمشروع الكردي.

قبل العملية العسكرية الأميركية التي انتهت بإسقاط النظام العراقي السابق، رضي الأكراد بمشروع دستور يعتبر البلد “فيدراليا”. آن أوان الانتقال إلى مرحلة جديدة بعد فشل المشروع الفيدرالي. لماذا فشل هذا المشروع؟ هذا ما كان على أحمد أبوالغيط أن يسأل نفسه عنه قبل الطلب من مسعود البارزاني إعادة النظر في الاستفتاء على الاستقلال.

في حال حصول الاستفتاء في موعده، تبدو النتيجة معروفة سلفا. ستكون هناك أكثرية ساحقة مع إقامة الدولة الكردية المستقلة، علما أنّ ذلك سيثير مخاوف كبيرة في أنقرة وطهران. إضافة إلى ذلك، ستظل هناك أسئلة كثيرة مطروحة في شأن العلاقة بين الدولة الكردية المستقلة في العراق من جهة وأكراد كل من تركيا وإيران وسوريا من جهة أخرى. كذلك سيكون هناك سؤال يتعلّق بمستقبل كركوك. كيف حلّ مشكلة هذه المدينة التي يعتبرها الأكراد جزءا لا يتجزّأ من كردستان.

تبقى نقطة أخيرة. هل يتعلّم الأكراد، في حال حصولهم على الاستقلال من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك القتال الداخلي بين جماعة البارزاني وجماعة الطالباني؟ هل يتفادون تجربة جنوب السودان الذي استقلّ في العام 2011 والذي لم يستطع أن يكون دولة قابلة للحياة في أيّ وقت.

هناك منطقة يعاد تشكيلها انطلاقا من انهيار العراق الذي لم يستطع لملمة أوضاعه بعد العام 2003. ليس أمام الأكراد سوى تجربة حظّهم. فالظروف القائمة حاليا قد لا تتكرّر يوما. الأكيد أن ليس رسالة من الأمين العام لجامعة الدول العربية ستجعل مسعود البارزاني يغيّر رأيه. ففي ظلّ الأحداث الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط، لم يعد من معنى لوحدة الدول. الأمر الوحيد الذي له معنى هو ما يناسب هذا الشعب أو ذاك. لم يعد أمام الشعب الكردي من خيارات أخرى… وليس أمام الأمين العام لجامعة الدول العربية سوى تسجيل موقف، علما أنّ مثل هذا الموقف كان ينبغي أن يصدر في اللحظة التي بدأت فيها مأساة الموصل، وربّما قبل ذلك بكثير، عندما سلمت حكومة نوري المالكي المدينة إلى “داعش” كي يكون هناك تبرير لعملية تدميرها لاحقا.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول الأكراد والاستقلال… وجامعة الدول



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia