إيران وروسيا… بعد ضربة سوريا

إيران وروسيا… بعد ضربة سوريا

إيران وروسيا… بعد ضربة سوريا

 تونس اليوم -

إيران وروسيا… بعد ضربة سوريا

بقلم : خير الله خير الله

لن تكون روسيا مستاءة من الخروج الإيراني من سوريا. ستجد طريقة للتأقلم مع مرحلة ما بعد الضربة الأميركية. ستقبض ثمن الاستثمار في مؤسسة الجيش السوري وفي الطائفة العلوية.

الوجود الروسي مستمر
بعد الضربة الأميركية – الفرنسية – البريطانية التي استهدفت السلاح الكيميائي السوري، في ظل اعتماد روسيا موقف المتفرّج، ثمة ملاحظات لا يمكن تجاهلها. إنّها ملاحظات مرتبطة بالوضع السوري ككل، وموقع إيران وروسيا في هذا البلد الذي بات تحت خمسة احتلالات.

في مقدّم الملاحظات أن كلّ الإستراتيجية الإيرانية قائمة على شخص بشار الأسد، في حين أن لدى الجانب الروسي خيارات أخرى في ضوء الدور الذي لعبه في بناء المؤسسة العسكرية السورية وتغلغله فيها. هناك علاقة تاريخية بين موسكو ودمشق منذ صفقة السلاح الأولى، غير المباشرة، بين البلدين في أواخر خمسينات القرن الماضي وبدء تخرّج كبار الضباط السوريين، خصوصا العلويين منهم، من الأكاديميات العسكرية السوفياتية، ثمّ الروسية في مراحل لاحقة.

تتفوق روسيا على إيران بأن وجودها في سوريا غير مرتبط بشخص بمقدار ما إنّه مرتبط بطائفة ومؤسسة، هي المؤسسة العسكرية. مثل هذا الارتباط الإيراني ببشّار الأسد جرّ إلى مزيد من الاعتماد لدى رئيس النظام السوري على ميليشيا “حزب الله” اللبنانية، التي يتأكد كل يوم أنّها ليست سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني الذي ارتبط بالأسد الابن ارتباطا وثيقا، بل عضويا، وذلك منذ ما قبل خلافته والده في الرئاسة رسميا صيف العام 2000 وزيادة الحضور القوي للحزب في الأراضي السورية.

من هذا المنطلق، لن يكون سهلا على القوى التي تسعى إلى تحديد مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد بشّار الأسد تجاهل الدور الروسي بوجوهه المتعددة، بما في ذلك العلاقة بالكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية التي مقرّها الأساسي في دمشق. هذا لا يعني أن روسيا في وضع مريح في سوريا، خصوصا أنها تتبع سياسة تقوم على معاداة أهل السنّة في بلد نسبة هؤلاء فيه تزيد على خمسة وسبعين في المئة. أسوأ من ذلك، أن الموقف الروسي يستند أساسا على أن النظام القائم في دمشق “شرعي”، في حين أنّه لا يمتّ إلى الشرعية بصلة لا من قريب ولا من بعيد.

 إنّه نظام طائفي أولا وأخيرا يقوم على تحكم الأجهزة الأمنية برقبة المواطن. وقد تحول هذا النظام مع خلافة بشّار لوالده إلى نظام مافيوي عائلي أكثر من أيّ شيء آخر. ليست تصفية آصف شوكت، صهر العائلة، بالطريقة التي تمت بها سوى دليل إضافي على ذلك بعد اكتشاف أن الرجل يمتلك علاقات عربية ودولية قد تسمح له بأن يكون بديلا من داخل العائلة لبشّار الأسد.

ما تعنيه المقارنة بين الدورين الروسي والإيراني في سوريا أن الدور الروسي يمكن أن يكون له مستقبل، فيما لا وجود لهذا المستقبل للدور الإيراني. هذا عائد إلى سبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في أن الدور الإيراني على الصعيد الإقليمي في مرحلة تراجع، فيما لا تزال روسيا قوّة عسكرية لا يمكن تجاهلها على الرغم من كلّ النكسات التي حصلت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع العام 1992، وحتّى في مرحلة سبقت الانهيار.

تخلل تلك المرحلة سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989. لم يكن ذلك السقوط مجرد سقوط لجدار، بل كان إيذانا بدخول العالم مرحلة جديدة أسّس لها دونالد ريغان الذي باشر منذ دخوله البيت الأبيض مطلع ثمانينات القرن الماضي التصعيد مع الكرملين، وصولا إلى وصف الاتحاد السوفياتي بـ“إمبراطورية الشرّ” وإدخاله في سباق تسلح، عبر إطلاق مشروع “حرب النجوم”. تبيّن وقتذاك أن اقتصاد الاتحاد السوفياتي عاجز حتّى عن التأقلم مع فكرة “حرب النجوم”، وأنه ليس في واقع الحال سوى “نمر من ورق”، كما كان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ يصف “الامبريالية الأميركية” التي تسعى بلاده منذ وفاته إلى الاقتداء بها، وإن على طريقتها الخاصة.

تفرض المقارنة بين الوجوديْن الروسي والإيراني في سوريا الاعتراف بأنّ الوجود الروسي يمكن أن يكون له أساس ما، كما قد تكون هناك حاجة أميركية إليه في مرحلة معيّنة في حال صار مطلوبا إيجاد صيغة جديدة تشمل حصول لملمة لكيان تعرّض للتفتيت. تزداد الحاجة إلى مثل هذا الوجود الروسي في حال بقي شيء من الجيش السوري يصلح نواة لجيش جديد.

أمّا الوجود الإيراني، فهو وجود مصطنع قائم على التدمير وإحلال الميليشيات المذهبية المستوردة مكان السلطة القمعية القائمة. لن تستطيع إيران تغيير كلّ التركيبة الديموغرافية لسوريا حتّى لو كان تركيزها على تدمير كلّ مدينة كبيرة وتهجير أكبر عدد من السوريين من بلدهم. لن تستطيع إيران ذلك نظرا إلى أنّ في المنطقة قوى كثيرة ترفض منطقها الذي لا علاقة له بالمنطق.

هناك العراق الذي يسعى كلّ يوم إلى الخروج من تحت الهيمنة الإيرانية. كان العراق في أساس الانطلاقة الجديدة لإيران بعدما سلمته لها الولايات المتحدة في مثل هذه الأيّام من العام 2003. تتراجع إيران حاليا في كلّ مكان بعدما وجدت في شخص وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان من يقول الأشياء كما هي، أخذا في الاعتبار أن المملكة العربية السعودية تمتلك ما يكفي من القوّة كي لا تكون لها أي عقدة تجاه نظام إيراني لم يتورّع عن استخدام الإرهاب والترهيب ووضعهما في خدمة سياساته.

تتراجع إيران في العراق. ستكون الانتخابات العراقية في الثاني عشر من أيّار – مايو المقبل اختبارا حقيقيا لمدى رغبة العراقيين في التحرّر من الاستعمار الإيراني. لكنّ المكان الذي سيكون فيه الامتحان الحقيقي لإيران، هو سوريا حيث ربطت مصيرها بمصير رجل لم يستطع في يوم من الأيام استيعاب خطورة أن يكون أسير “الحرس الثوري” وأدواته.

ستسعى إيران إلى التشبث بالورقة السورية. لا يسمح الوضع الداخلي للنظام بغير ذلك. يعلم “الحرس الثوري” وقادته أن الخروج من سوريا سيعني الخروج من طهران، وأن الهزيمة السورية ستكون لها انعكاساتها في الداخل الإيراني حيث لم يعد في استطاعة النظام مواجهة حال التذمر السائدة. هناك تذمّر على كل صعيد، خصوصا بعد انكشاف النظام الذي صرف أموال إيران في سوريا ولبنان وغزّة واليمن ولم يستطع أن يستجيب لأي مطلب شعبي في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.

لن تكون روسيا مستاءة من الخروج الإيراني من سوريا. ستجد طريقة للتأقلم مع مرحلة ما بعد الضربة الأميركية. ستقبض ثمن الاستثمار في مؤسسة الجيش السوري وفي الطائفة العلوية. لم يكن بشّار الأسد في يوم من الأيّام رجلا لا يُستغنى عنه بالنسبة إلى فلاديمير بوتين… في حين شكّل الضمانة الوحيدة لإيران. تعرف موسكو هذه الأيّام أن هناك كلاما جديا في العالم عن بديل من بشار الأسد في مرحلة انتقالية تبدو سوريا مقبلة عليها.

ستدفع إيران، عاجلا أم آجلا، ثمن رهانها على شخص ظن أنه يستطيع إلقاء دروس في الوطنية والتنظير على العرب الآخرين في شأن كيفية مواجهة إسرائيل. انتهى الأمر ببشار أن قبل بضمّ إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة التي رفض والده استعادتها كي تبقى حال اللاحرب واللاسلم سائدة في المنطقة ووسيلة ابتزاز للعرب الآخرين. لم يستطع بشّار حتّى ممارسة لعبة الابتزاز التي أتقن والده أصولها، والتي كانت إيران من بين الدول التي شملتها.

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وروسيا… بعد ضربة سوريا إيران وروسيا… بعد ضربة سوريا



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار

GMT 16:40 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

"برجر كينج" تعلن عن وظائف جديدة

GMT 16:54 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

شهر واعد يحمل لك فرصة جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia