اليمن الذي لم يكن مهيئا للوحدة

اليمن الذي لم يكن مهيئا للوحدة

اليمن الذي لم يكن مهيئا للوحدة

 تونس اليوم -

اليمن الذي لم يكن مهيئا للوحدة

بقلم : خير الله خير الله

من بلد موحد في العام 1990 إلى مجموعة كيانات بات من الصعب إعادة اللحمة في ما بينها، ضاع اليمن الذي يتبين اليوم أنه لم يكن مستعدا للوحدة ولتعددية سياسية وأحزاب وصحف وبرلمان.

فشل مشروع الوحدة

في الثاني والعشرين من أيّار – مايو 1990، كانت الوحدة اليمنية. وقّع اتفاق الوحدة الذي جعل من اليمنين يمنا واحدا علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، الأوّل بصفة كونه رئيسا لما كان يعرف بـ“الجمهورية العربية اليمنية”، والآخر بصفة كونه الأمين العام للحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب.

على هامش توقيع اتفاق الوحدة ورفع علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض العلم الجديد لليمن، أي للجمهورية اليمنية، كان ملفتا أن المبنى الذي استضاف الاحتفال، في حيّ التواهي في عدن، بني على أنقاض المبنى الذي وقعت فيه مجزرة الثالث عشر من كانون الثاني – يناير 1986. كانت تلك المجزرة، قبيل الاجتماع المقرر للمكتب السياسي للحزب الاشتراكي، مؤشرا إلى نهاية دولة الجنوب وسقوط النظام القائم. بين الذين قتلوا وقتذاك ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي للحزب هم نائب الرئيس علي عنتر ووزير الداخلية علي شايع ووزير الدفاع صالح مصلح قاسم. في وقت لاحق قُتل عبدالفتاح إسماعيل الذي كان يعتبر منظّر الحزب الاشتراكي.

كان المبنى الجديد في التواهي دليلا على رغبة في نسيان الماضي الأليم لـ“جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” ودفنه. لم تكن تلك الجمهورية سوى جرم يدور في فلك الاتحاد السوفياتي. راحت دولة الجنوب تتفكّك وتتفتت تدريجيا مع بدء انهيار الاتحاد السوفياتي منتصف ثمانينات القرن الماضي. كانت أحداث مطلع العام 1986 في عدن بمثابة الإشارة الأولى إلى بدء العد العكسي لنهاية الاتحاد السوفياتي، الذي لم يعد قادرا على حماية نظام بناه لبنة لبنة.

تحققت الوحدة اليمنية في ظروف إقليمية ودولية يصعب أن تتكرر يوما. تحقّقت بعد ستة أشهر من انهيار جدار برلين الذي أدى إلى استعادة ألمانيا وحدتها، وفي ظلّ صعود العراق كقوّة إقليمية بعد تحقيقه شبه انتصار على إيران  في حرب استمرّت ثماني سنوات. دفع صدّام حسين في اتجاه الوحدة اليمنية في وقت كانت دول الخليج العربي تؤيد في معظمها بقاء اليمن كيانين منفصلين على أن تعمل على الاستثمار في الجنوب من أجل إعادته إلى الحضن العربي، الخليجي تحديدا، بدل بقائه حالة غريبة عن محيطها.

لعل أكثر ما عكس وقتذاك الحذر الخليجي، وهو حذر كان في محلّه إلى حدّ ما، غياب كلّ زعماء دول مجلس التعاون عن الاحتفال بتوقيع الوحدة. كان ياسر عرفات الحاضر الوحيد بين القادة العرب في عدن.

اليمن ذهب من الوحدة إلى مرحلة التشظي والتفتت. كان السبب الأساسي فشل مشروع دولة الوحدة. يعود ذلك إلى مجموعة من الأخطاء كان في طليعتها اعتقاد قادة الحزب الاشتراكي في الجنوب أن العودة عن الوحدة خيار متاح لهم

بعد ثمانية وعشرين عاما على الوحدة اليمنية، يمكن القول إن اليمن ذهب من الوحدة إلى مرحلة التشظي والتفتت. كان السبب الأساسي فشل مشروع دولة الوحدة. يعود ذلك إلى مجموعة من الأخطاء كان في طليعتها اعتقاد قادة الحزب الاشتراكي في الجنوب أنّ العودة عن الوحدة خيار متاح لهم. لم يستطع أيّ من هؤلاء استيعاب أن الوحدة ما كانت لتتحقّق لولا اقتراب النظام الذي أقاموه من انفجار جديد كان سيطال كلّا منهم.

لا تقع المسؤولية على قادة الحزب الاشتراكي وحدهم، بل على علي عبدالله صالح وحزب الإصلاح أيضا الذي كان يتزعمّه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الزعيم القبلي الذي استخدمه الإخوان المسلمون غطاء لهم لفترة طويلة.

على الرغم من حذره الدائم من الإخوان المسلمين، لم يتصوّر علي عبدالله صالح يوما أن علي سالم البيض يمكن أن يذهب إلى النهاية في خيار مستحيل، يتمثل في استعادة دولة الجنوب عبر حسابات خاطئة. من بين هذه الحسابات أن الجيش الجنوبي، الذي كان لا يزال قائما، قادر على ربح الحرب. جاءت حرب صيف العام 1994 لتقلب كلّ التوازنات التي قامت منذ إعلان الوحدة. استمرّ الزمن اليمني الجميل الذي تلا مباشرة مرحلة ما بعد الوحدة أربع سنوات. في غياب الحزب الاشتراكي، ضاع التوازن الذي كان علي عبدالله صالح في بحث دائم عنه. يقوم هذا التوازن على لعب دور الحكم بين الحزب الاشتراكي والتجمّع اليمني للإصلاح. ما ضاع كان محاولة لإقامة تعددية سياسية في اليمن تقود، في يوم من الأيّام، إلى تداول سلمي للسلطة عبر صندوق الانتخابات. هل كان هذا الأمل في مستقبل أفضل لليمن في ظلّ الوحدة مجرد سراب منذ البداية؟

جنّبت الوحدة اليمنية البلاد مصائب كثيرة. لولا الوحدة، لكانت تجددت الحرب الأهلية في الجنوب، والتي كانت أحداث العام 1986 مجرد فصل من فصولها المأساوية لا أكثر. لولا الوحدة، كان الشمال بقي أسير التوازنات القبلية والعشائرية والمناطقية التي استطاع الإخوان المسلمون استغلالها طويلا، قبل أن يسقطوا في فخها. ما قضى على الإخوان، الذين ما زالوا مصرّين على أن المستقبل لهم، كان استخفافهم بالخطر الحوثي في الشمال، واعتقادهم أنّ الجنوب الذي تمددوا فيه في كلّ الاتجاهات، ومعه الوسط، صار في يدهم.

من يعرض الأحداث التي شهدها اليمن منذ 1990 يكتشف أوّل ما يكتشف أنّ المشكلة تكمن أساسا في العجز عن تطوير النظام الجديد الذي قام بعد الوحدة. تحوّل علي عبدالله صالح، الذي كان على استعداد لقبول دستور حديث لولا إصرار الإصلاح على تعديلات تتلاءم مع تطلعات الإخوان المسلمين، من رئيس للجمهورية إلى شخص تنحصر مهمته في إدارة أزمة معقدة اسمها اليمن. زادت الأزمة تعقيدا في ظلّ حروب مع الحوثيين رافقها الشبق الإخواني الدائم إلى السلطة. يضاف إلى ذلـك مزاجية علي عبدالله صالح التي زادت بعد حرب 1994، ودخوله لاحقا مرحلة الاستعانة بالعائلة، مبررا أن لكل رئيس الحق في اختيار فريق عمله.

لم تكن هناك في اليمن تجربة ديمقراطية، بكلّ معنى الكلمة، يمكن البناء عليها. كانت الوحدة مجرد فرصة ضاعت. لم يعد الشمال هو الشمال الذي عرفناه، خصوصا بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014، واغتيالهم علي عبدالله في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017.

لم يعد الوسط الذي أغنى اليمن بالرجال المثقفين والمسالمين وبرجال الأعمال سوى منطقة تتجاذبها قوى مسلحة لا علاقة لها بالقيم التي تربّى عليها أهل تعز والمنطقة المحيطة بها. لم تعد للجنوب عـلاقة بالجنوب. الوضع الاجتماعي فيه يتدهور يوميا. الأخطر من ذلـك كلّه أن لا وجـود لقيادة يمنية تمتلك شرعية أو رؤية من أي نوع.

من بلد موحّد في العـام 1990 إلى مجموعة كيانات بات من الصعب إعادة اللحمة في ما بينها، ضاع اليمن الذي يتبيّن اليوم أنّه لم يكن مستعدا للوحدة ولتعددية سياسية وأحزاب وصحف وبرلمان. في سنوات قليلة، عاد اليمن عشرات السنوات إلى الخلف، بل إلى أسوأ ممّا كان عليه في عهد الإمامة. هناك قيادة غائبة وهناك جنوب وشمال ووسط. وهناك بحث عن صيغة جديدة للبلد لا علاقة لها لا بالوحدة ولا بالدولتين أو الكيانين المستقلّ كلّ منهما عن الآخر.

بعد ثمانية وعشرين عاما على الوحدة نكتشف أن اليمن لم يكن مهيئا يوما لهذه الوحدة، مثلما أن الجنوب لم يكن مهيّئا يوما للاستقلال في العام 1967…

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن الذي لم يكن مهيئا للوحدة اليمن الذي لم يكن مهيئا للوحدة



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia