أزمة في الأردن

أزمة في الأردن

أزمة في الأردن

 تونس اليوم -

أزمة في الأردن

بقلم - خير الله خير الله

الأردن في أزمة ذات طابع مختلف عن تلك الأزمات التي واجهها في الماضي. هذه الأزمة في حاجة إلى عدد من الرجال الجدد حول الملك يساعدون في إحداث التغيير من دون أن يعني ذلك تغيير كل الموجودين حاليا.

لا يمكن الاستخفاف بما يجري في الأردن. تواجه المملكة الأردنية الهاشمية أزمة داخلية حقيقية، أساسها اقتصادي، تعتبر بين الأخطر منذ نحو نصف قرن في ظل ظروف إقليمية غير مواتية، حتى لا نقول معادية. إنه وضع صعب ولكنه غير ميؤوس منه في ظل القدرة التي امتلكتها المملكة على تجاوز المحن، بكلّ أنواعها، من جهة، وما لديها من مؤسسات فعالة استطاعت أن تكون في مستوى الظروف من جهة أخرى.

واجهت المملكة الأردنية الهاشمية في تاريخها الحديث مجموعة من التحديات استطاعت دائما الخروج منها بفضل عوامل داخلية وإقليمية ودولية في الوقت ذاته. ما يزيد صعوبة الوضع في المرحلة الراهنة الوضع السوري ووجود ما يزيد على مليون لاجئ في الأردن في ظل انهماك الخليج في معالجة ملفات كثيرة، من بينها ترتيب الأوضاع الداخلية في كلّ دولة من دوله، على رأسها المملكة العربية السعودية.

يضاف إلى ذلك الهمّ اليمني الذي تحوّل إلى نوع من حرب الاستنزاف لدول الخليج في ظلّ الحاجة إلى مزيد من الجهود لاحتواء الخطر الإيراني الذي يهدّد المنطقة كلّها.

ما لا بدّ من ملاحظته في الوقت ذاته، أن العراق لم يعد موجودا كداعم للأردن الذي وقف إلى جانبه في حرب السنوات الثماني. ردّ العراق جميل وقوف الأردن إلى جانبه ودعمه بالكثير، بما في ذلك التسهيلات النفطية.

عندما كانت تنسد كلّ الأبواب في وجه الأردن، كان هناك دائما العراق الذي أصبح الآن في وضع لا يحسد عليه على كل صعيد.

بات العراق الذي كان يشكل أهمّ سوق للأردن وأهم مصدر للمساعدات، في مرحلة معيّنة طبعا، بلدا مفلسا مصيره على كفّ عفريت. لم يعد هناك من يساعد في تحمل الأعباء التي وقعت على الأردن وعلى بنيته التحتية. هناك بعض الدعم الدولي في موضوع اللاجئين السوريين، لكنه ليس كافيا بأي مقياس.

كان الأردن قادرا في كل وقت على الاستفادة من موقعه الجغرافي المتميّز الذي جعل منه حاجة إقليمية. استطاع الأردن في خمسينات القرن الماضي وستيناته وصولا إلى سنة 1970 وما سبقها، عندما حاول الفلسطينيون بفصائلهم المختلفة الاستيلاء على الأردن، التصدي لكل الأخطار. الأكيد أن أكثر ما ساعده في كل وقت الدور الإقليمي الذي خلقه لنفسه، والذي خلقته الظروف له.

لعلّ أكثر ما يعطي فكرة عن مدى صمود الأردن أنّ المدّ الناصري (نسبة إلى جمال عبدالناصر) استطاع الإطاحة بالنظام الملكي في العراق في مثل هذه الأيّام من العام 1958، لكنّه لم يستطع النيل من الملك حسين في الأردن. ذهب عبدالناصر بسياسته المتهورة التي ألحقت أذى ليس بعده أذى بالمجتمعات العربية، والتي التي لم تخدم سوى إسرائيل وبقي الأردن. عمل الملك حسين شيئا من لا شيء.

بنى دولة حقيقية في أرض لا تمتلك أي ثروات. لا يزال الأردن إلى يومنا هذا يعاني من شحّ في المياه في منطقة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها غير مستقرّة، لا وجود لأي تعاون في الحدّ الأدنى بين دولها من أجل إنجاز مشاريع مشتركة ذات طابع تنموي. جاء الوجود السوري ليفاقم أزمة المياه وغير المياه في بلد يحتاج إلى مساعدات مستمرّة، وصار عليه توفير خدمات للقادمين الجدد إليه. يحصل ذلك كلّه على حساب الأردنيين طبعا.

ما الذي يجعل الوضع الأردني في المرحلة الراهنة يرتدي طابع الخطورة؟ هناك قبل كل شيء الوضع الإقليمي، خليجيا وعراقيا، الذي عمّق الأزمة الاقتصادية وجعل الأردن يبحث عن موارد جديدة بضغط من السوريين الذين أقاموا، في معظمهم، في مخيّمات. صار على الأردن البحث عن مصادر جديدة لموازنته. جاءت شروط المؤسسات الدولية، في مقدّمها صندوق النقد، من النوع الذي يستحيل على أيّ حكومة المضيّ به في ظلّ تململ شعبي. عمل الملك عبدالله الثاني كل ما يستطيع من أجل جعل المواطن العادي يتفهّم دقّة المرحلة الراهنة. الحقيقة أن الحكومة لم تساعده كثيرا في ذلك، بعدما قصّرت في شرح طبيعة التحديات الجدية للناس العاديين. هذا ما فرض على الملك تغييرها وإرسال هاني الملقي إلى بيته.

الأكيد أيضا أن هناك من ساعد في وضع العراقيل في وجه الحكومة والمزايدة عليها. لا يمكن تبرئة الإخوان المسلمين الذين لديهم حسابات يريدون تصفيتها مع الأردن من ذلك. ما لا بدّ من ملاحظته أن الإخوان، الذين ارتبطوا في الماضي بعلاقات مع النظام، انتقلوا إلى مرحلة العداء له، خصوصا بعد نجاح عبدالله الثاني في احتواء “الربيع العربي” أردنيا.

لم تكن إيران بدورها بعيدة عن الحدث الأردني، هناك شكوك بدور غير مباشر لها في مجال التحريض على التظاهر. لديها مجموعتها في الأردن وقد ظهر ذلك في 2011 و2012 عندما سعت بالتنسيق مع قسم من الإخوان المسلمين إلى تحريك الشارع وافتعال اشتباكات دامية. أفشلها وقتذاك وعي القيادة الأردنية لأهمّية تفادي سقوط أي جريح في صفوف الذين نزلوا إلى الشارع، وحاولوا افتعال صدامات مع قوات الأمن.

من الواضح أن إيران على استعداد لاستغلال أي نقطة ضعف في الإقليم لإبعاد الأنظار عن أزمتها الداخلية التي تفاقمت مع إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق في شأن ملفّها النووي.

اعتبرت إيران الأردن في كل وقت الحلقة الضعيفة في منطقة المشرق العربي. أرادت دائما أن يكون الأردن جسرا تصل من خلاله إلى الضفّة الغربية، تماما كما فعلت في الماضي عندما استخدمت سيناء كي يكون لها وجود في قطاع غزة. هذا الوجود لا يزال قائما عبر “حماس” كما عبر “حركة الجهاد الإسلامي” ذات الولاء الكامل لإيران.

تبدو الأزمة الأردنية في غاية التعقيد. ما يزيدها تعقيدا انسداد كل آفاق التسوية فلسطينيا. هناك تعنّت إسرائيلي ليس بعده تعنت. وهناك إدارة أميركية لا تأبه بأي انعكاسات يمكن أن يثيرها قرار عشوائي في غير محلّه من نوع نقل السفارة إلى القدس. وهناك مرحلة انتقالية تمرّ فيها السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفّة الغربية حيث البحث الجدي في مرحلة ما بعد “أبومازن”.

نعم، إنها أزمة أردنية في غاية التعقيد زادها عمقا حال الانغلاق على الذات في عمّان خلال السنوات الأخيرة، والتي تجلّت بالعجز عن تسويق الإصلاحات الداخلية التي تطالب بها المؤسسات الدولية. لم يعد لدى الأردن أصدقاء على استعداد للدفاع عنه في المنطقة العربية وخارجها. لم يعد هناك إعلام أردني قادر على أن يكون في مستوى ما يواجه الأردن.

نعم الأردن في أزمة حقيقية ذات طابع مختلف عن تلك الأزمات التي واجهها في الماضي. مثل هذه الأزمة في حاجة إلى عدد لا بأس به من الرجال الجدد حول الملك يساعدون في إحداث التغيير من دون أن يعني ذلك أن المطلوب تغيير كلّ الموجودين حاليا.

من سيقوم بالتغيير على غرار ما حصل في العام 1989 عندما فوجئ الملك حسين بانفجار للوضع الاجتماعي واضطرابات في جنوب البلاد، فأقدم على إصلاحات جذرية بدأت بإعادة الحياة إلى مجلس النواب وإجراء انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر عبر حكومة كان على رأسها زيد بن شاكر؟

المصدر :جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة في الأردن أزمة في الأردن



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia