هل تغير مصر موقفها من غزة

هل تغير مصر موقفها من غزة

هل تغير مصر موقفها من غزة

 تونس اليوم -

هل تغير مصر موقفها من غزة

خيرالله خيرالله

بداية التحرك في اتجاه 'حماس' ليس تصرفا اعتباطيا، خصوصا بعدما تبين أن الإجراءات التي اتخذت في الماضي للفصل بين قطاع غزة وسيناء ليست كافية، ولم تؤد إلى تحقيق النتائج المرجوة.

بين ما يجري في سيناء وسلسلة التفجيرات التي استهدفت، بين ما استهدفت، تعطيل الحركة في مطار القاهرة، سيترتب على مصر عاجلا أم آجلا اعتماد استراتيجية مختلفة في مواجهة الإرهاب. يؤكد ذلك كلام الرئيس عبدالفتّاح السيسي بعد الأحداث الأخيرة في سيناء. فحوى الكلام أن الكيل طفح وأنّه إمّا تكون هناك دولة مصرية تسيطر على كلّ مصر، وإمّا استسلام للإرهاب وتحوّل قسم من الأراضي المصرية مرتعا للتنظيمات المتطرفة. إنّها تلك التنظيمات التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين، والمتفرّعة عن “القاعدة” وما شابهها، كما الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان ونيجيريا وغيرها.

المؤسف وسط كلّ ما نشهده، أنّ هذه التنظيمات الإرهابية تتمتّع برعاية بعض الأنظمة في المنطقة. على سبيل المثال وليس الحصر، لم يكن النظام السوري بعيدا عن “داعش” وتمدّده خدمة لسياسته الهادفة إلى إظهار نفسه حاجة لدى الذين يحاربون الإرهاب. فمثل هذا النوع من الأنظمة اعتاد ممارسة سياسة الابتزاز وبرع في ذلك. هذه السياسة قائمة، أصلا، على إشعال الحريق، ثمّ لعب دور الإطفائي حين تكون لدى نظام مثل النظام السوري مصلحة في ذلك.

المسألة، إذن، مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى مصر، خصوصا بعد الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها القوى الأمنية وقوات الجيش في سيناء، بما في ذلك مدينة العريش. عدد القتلى في صفوف القوى الأمنية كان كبيرا.

استدعى ذلك قطع السيسي زيارته لإثيوبيا حيـث كـان يشارك في القمّـة الأفريقية والعودة إلى القاهرة ليقول “إن الدولة تعرف من يموّل الإرهاب ويساعده” و“إنّ مصـر في مواجهة مع أقوى تنظيم سرّي في العالم”. الكلام ليس مبالغة، متى أخذنا في الاعتبار استثمار دول معيّنة في تغذية الإرهاب الإخواني في مصر وغير مصر.

من الواضح أنّ هناك بداية لاستراتيجية مصرية جديدة في مواجهة الإرهاب. الدليل على ذلك، صدور قرار عن إحدى المحاكم في القاهرة يعتبر الجناح العسكري في حركة “حماس”، أي “كتائب عزّ الدين القسّام” بمثابة “تنظيم إرهابي”. كذلك، أمر الرئيس المصري بتشكيل “قيادة أمنية موحّدة لشرق السويس”.

تبيّن، بكلّ بساطة، أنّ الاستراتيجية المتبعة في الماضي لم تؤدّ إلى النتائج المرجوة، خصوصا في ظلّ تدفّق السلاح على مصر من مصادر عدة، خصوصا من قطاع غزّة وليبيا والسودان.

باتت مصر مهدّدة جدّيا. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما حصل يوم الخامس والعشرين من يناير، الذكرى الرابعة للثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ونظامه. يومذاك، حصلت اضطرابات في غير مدينة ومنطقة مصرية. سقط نحو عشرين قتيلا، في حين كان مطلوبا أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير. وقد وجد بالفعل من يروّج للاضطرابات، إذ هناك محطات فضائية عدة اعتمدت رقما أكبر وصوّرت الوضع في مصر وكأنّه على شفير انفجار كبير. كان واضحا أن الهدف من كل ما حصل إظهار أن الإخوان المسلمين ما زالوا قادرين على تحريك الشارع.

    مصر مهدّدة جديا. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما حصل يوم الخامس والعشرين من يناير، يومذاك حصلت اضطرابات في غير مدينة ومنطقة مصرية

أكثر من ذلك، كان مطلوبا تأكيد أن ثورة الثلاثين من يونيو 2013، التي خلّصت مصر من حكم الإخوان، كانت مجرّد انقلاب عسكري وليست ثورة حقيقية شارك فيها ملايين المصريين.

كان الفشل حليف الذين تحرّكوا في الذكرى الرابعة لـ”ثورة الخامس والعشرين من يناير”، خصوصا أن عدد القتلى لم يبلغ العدد الذين كان يطمح إليه محركو الأحداث والاضطرابات. لذلك، كان لا بدّ من إعادة تحريك سيناء عن طريق مجموعات مسلّحة، تبيّن أنّها مدربة تدريبا جيّدا ألحقت خسائر كبيرة في قوى الأمن والجيش، وضربت هيبة الدولة المصرية.

هذا يفسّر، إلى حدّ كبير، ردّ فعل الرئيس السيسي الذي أخذ الأمور على محمل الجدّ مدركا أن لا مجال بعد الآن لأيّ تردّد. فالكلام الذي صدر عنه كلام كبير. وبداية التحرّك في اتجاه “حماس” ليس تصرّفا اعتباطيا، خصوصا بعدما تبيّن أن الإجراءات التي اتخذت في الماضي للفصل بين قطاع غزّة وسيناء ليست كافية في أي شكل، كما لم تؤدّ إلى تحقيق النتائج المرجوّة.

شملت تلك الإجراءات إقامة منطقة عازلة على طول الحدود المصرية مع القطاع. كان هذا الإجراء مؤلما، لكنّه كان ضروريا، خصوصا في ظلّ الحاجة إلى تدمير منازل يقيم فيها مواطنون. وقد تطلّب الأمر نقل هؤلاء إلى مناطق أخرى، وتوفير مأوى لهم، وتعويض ما خسروه، كلّ ذلك من أجل تفادي إثارة نقمة شعبية في سيناء.

كذلك، عملت السلطات المصرية على تدمير الأنفاق التي كان يهرّب منها السلاح من غزّة إلى سيناء. فهناك أمور معروفة جيدا عن أن الإخوان المسلمين في مصر و”حماس” في غزّة يشكّلان جسدا واحدا وأن العلاقة بينهما عضوية.

كان هناك إصرار مصري على عدم التورط في غزّة نفسها. بدا أن الإجراءات ستقتصر على عزل القطاع. لكنّ الأحداث الأخيرة كشفت أن ثمّة أسبابا تدعو إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي إلى توجيه إنذار أخير إلى “حماس” عبر اعتبار الجناح العسكري فيها “تنظيما إرهابيا”. هذا الإنذار خطوة أولى تستهدف حمل “حماس” على تغيير سلوكها، والسيطرة على تهريب السلاح إلى مصر، والتوقف عن تدريب إرهابيين تمهيدا لإرسالهم إلى سيناء ومناطق مصرية أخرى. لم يكن كلام السيسي مجرّد كلام من أجل تهدئة المصريين وتأكيد أن لا عودة إلى الخلف وأنّ مصر لن تستسلم مجددا أمام الإخوان.

الكلام يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. يذهب إلى الاعتراف بالحاجة إلى بلورة استراتيجية جديدة في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة الذين يقفون خلفه. الأكيد أن مصر تعرف الكثير عن هؤلاء. الأكيد أيضا أن الموقف من غزّة ليس سوى بداية. السؤال الآن إلى أيّ حد سيتبدل الموقف من “حماس” التي تصرّ على أن السلطات المصرية لا تمتلك أيّ أدلّة تسمح لها باعتبار “كتائب عز الدين القسّام” تنظيما إرهابيا.

في كلّ الأحوال، يبدو واضحا أن هناك تغييرا مصريا في شأن كيفية التعاطي مع ظاهرة الإرهاب. الحرب عليه ستكون طويلة كما ستكون “صعبة” باعتراف السيسي نفسه. سيكون على مصر خوض معارك على غير جبهة، خصوصا على الجبهة الليبية، وسيتوجّب عليها بذل جهود كبيرة، وتخصيص إمكانات ضخمة للحرب هذه التي يخشى من أن تتحوّل حروبا عدّة.

كانت مصر في حاجة إلى هذه الجهود وهذه الإمكانات من أجل خوض حروب من نوع آخر تستهدف تنمية البلد، والقضاء على الفقر الذي يوفّر بيئة تشجّع على تمدّد الإرهاب ونموّه وولادة إرهابيين. ولكن ما العمل عندما تكون هناك قوى إقليمية، على رأسها تركيا، ذات ارتباطات معروفة بالإخوان المسلمين، تعمل من أجل استنزاف مصر ومنعها من التقدّم والتطور بصفة كونها عاملا مهمّا في استعادة التوازن بين القوى العربية وغير العربية في المنطقة؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تغير مصر موقفها من غزة هل تغير مصر موقفها من غزة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia