مشكلة إيران ليست في ملفها النووي

مشكلة إيران ليست في ملفها النووي

مشكلة إيران ليست في ملفها النووي

 تونس اليوم -

مشكلة إيران ليست في ملفها النووي

خيرالله خيرالله

لم يعد مهما التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني. المهم مقاربة شاملة لمشاكل المنطقة التي في أساسها السياسة الإيرانية التي تصب في خدمة تغذية التطرف والعنصرية.

وماذا إذا توصّلت إيران إلى اتفاق مع مجموعة الخمسة زائد واحد في شأن ملفّها النووي؟ هل مشكلة العرب والمجتمع الدولي مع إيران مرتبطة بالملفّ النووي، أم بأمور أخرى تذهب إلى أبعد بكثير من الملف، وحتّى من امتلاك “الجمهورية الإسلامية” القنبلة الذرّية؟

لم يعد احتمال توصّل إيران إلى اتفاق مع المجتمع الدولي ممثلا بالدول الست (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) مستبعدا، خصوصا أن طهران على عجل للتخلّص من العقوبات الدولية التي أرهقت اقتصادها. تبدو طهران مستعدّة لمثل هذا الاتفاق، حتّى لو بدت في وضع من قبل الشروط الأميركية.

زاد تأثير هذه العقوبات مع هبوط أسعار النفط الذي كشف هشاشة الاقتصاد الإيراني. تبيّن أنّ هذا الاقتصاد يعتمد على عائدات النفط أوّلا وأخيرا، وأنّ كل ما قيل عن طموح الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979، أي قبل ستة وثلاثين عاما، إلى تنويع مصادر الدخل الوطني كان كلاما للاستهلاك الداخلي ليس إلّا. كان الكلام عن الاستعاضة عن النفط ورفض البقاء تحت رحمة مداخيله مجرّد شعارات برّاقة، على غرار الكلام عن إزالة إسرائيل من الوجود.

في السنة 2015، تعتمد إيران على دخلها من النفط والغاز أكثر من أي وقت. أكثر من ذلك، ما يزيد على نصف شعبها يعيش، بكلّ أسف، تحت خط الفقر.

ما تعاني منه المنطقة كلّها، بما في ذلك الشعب الإيراني نفسه والدول العربية بشكل عام، هو سياسة إيرانية التي تقوم على فكرة الهيمنة ونشر البؤس، بدل التعاون المجدي بين الدول والشعوب.

أمّا الهمّ الذي اسمه الملفّ النووي، فهو همّ إسرائيلي أولا، كما أنه همّ أميركي وأوروبي مرتبط بانتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرقين الأوسط والأدنى وفي منطقة الخليج. فأميركا والدول الأوروبية تعرف أن حصول إيران على السلاح النووي هو بمثابة إشارة الانطلاق لبدء سباق التسلّح في المنطقة كلّها. هناك ثلاث دول على الأقل، هي المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا، ستسعى عندئذ، بكلّ الوسائل إلى امتلاك هذا السلاح بأيّ ثمن كان.

بالنسبة إلى إسرائيل، يوفّر الملف النووي الإيراني فرصة كي تبتزّ العالم والظهور في مظهر الضحيّة. أكثر من ذلك، فإن تشديدها على الملفّ النووي يعفيها من البحث في الموضوع الأساسي المتعلّق بها، أي موضوع احتلال الأرض الفلسطينية. من المفيد لإسرائيل خلق مشاكل في المنطقة تغطي على إرهاب الدولة الذي تمارسه، والمتمثّل في العمل على تكريس احتلالها لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ومنع الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلّة على أرضهم.

لتتوصّل مجموعة البلدان الخمسة زائد واحد إلى اتفاق مع إيران في شأن ملفّها النووي. هذا لن يؤخر ولن يقدّم، خصوصا إذا اعتمدت الولايات المتحدة سياسة ترفض الممارسات الإيرانية في المنطقة، وتسعى بالفعل إلى وضع حدّ لها بدل تشجيعها.

لتقمْ أميركا علاقات أكثر من طبيعية مع إيران. أين المشكلة في ذلك؟ المشكلة في ما تطمح إليه إيران عن طريق إثارة الغرائز المذهبية في منطقة تعاني كلّ أنواع التطرّف. المشكلة الحقيقية ليست في الملفّ النووي الإيراني الذي تستغلّه إسرائيل إلى أبعد حدود. المشكلة في إدارة أميركية تختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.

تمتلك الإدارة كمّية من السذاجة تجعلها تعتقد أنّ إيران جمعية خيرية، وأنّ بالإمكان الدخول معها في شراكة في الحرب على “داعش”. كيف يمكن لإيران محاربة “داعش” وما على شاكلة “داعش”، فيما تفعل كلّ شيء من أجل إيجاد حاضنة للإرهاب لهذا التنظيم الإرهابي في كلّ من سوريا والعراق وبعض لبنان، وفي مواقع أخرى وصولا إلى سيناء وليبيا…

من يمارس السياسات التي تمارسها إيران في العراق، إنّما يوفّر أكبر خدمة لـ”داعش”. من يشارك النظام السوري، بشكل مباشر أو عن طريق ميليشيات مذهبيّة لبنانية وعراقية وعناصر أفغانية، في ذبح الشعب السوري، إنّما هو حليف ضمني وموضوعي لـ”داعش”.

لم يعد مهمّا التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني. المهمّ المقاربة الشاملة لمشاكل المنطقة التي في أساسها السياسة الإيرانية التي تصبّ في خدمة كلّ من يسعى إلى تغذية التطرف والعنصرية، بمن في ذلك إسرائيل التي باتت تراهن على أنّ القضية الفلسطينية لم تعد سوى قميص عثمان تستخدمه إيران للتغطية على ما تقوم به في المنطقة.

باختصار شديد، الملفّ النووي الإيراني قضية ثانوية مقارنة مع ما تقوم به إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، على سبيل المثال وليس الحصر.

هل همّ اللبناني الملفّ النووي الإيراني، أم سلاح “حزب الله” غير الشرعي الذي يُستخدم في تخريب البلد ومؤسساته والمتاجرة به… ومنع مجلس النوّاب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

هل همّ اليمني الملفّ النووي الإيراني والوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، أم همّه الحقيقي استعادة بقايا مؤسسات الدولة وتوقّف الحوثيين، أي “أنصار الله”، بدعم إيراني عن العمل على إقامة دولة خاصة بهم في شمال اليمن على حساب ما بقي من وحدة البلد؟

فجأة اكتشف وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن إيران لعبت دورا في إسقاط الحكومة اليمنية. أتبع كلامه بأنّ في الإمكان حصول تعاون بين إيران والولايات المتحدة لمحاربة “داعش”. كلّ ما يصدر عن كيري كلام بكلام. هذا ليس عائدا فقط إلى طبيعة تركيبة الإدارة الأميركية الحالية التي همّشت وزير الخارجية والوزارة. هذا عائد أيضا إلى أن “القاعدة” ستنتعش أكثر في اليمن بسبب “أنصار الله”، المدعومين من إيران، وممارساتهم. عندما ستعي الولايات المتحدة هذا الواقع، سيكون البلد، الذي يعاني حاليا من أزمة عميقة، في حال تجاذب بين تطرّفي الحوثيين والقاعدة.

يمكن لاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني أن يغيّر الكثير. يمكن للتغيير أن يكون إيجابيا، كما يمكنه أن يكون سلبيا إلى حدّ كبير. سيكون إيجابيا في حال تغيّرت إيران وبدأت تتصرّف كدولة طبيعية في المنطقة، وليس كقوة احتلال في العراق وسوريا ولبنان وجزء من اليمن وصاحبة مطالب وحقوق وشروط في البحرين.

الخطير أن يؤدي الاتفاق إلى نتائج سلبية، في حال اعتبرت إيران أن الاتفاق سيطلق يدها في المنطقة. عندئذ سترى في الاتفاق اعترافا بها كقوّة إقليمية نجحت في إلهاء الولايات المتحدة بالملفّ النووي، في وقت كانت تعمل على تركيز وجودها وتثبيته في كلّ مكان تستطيع الوصول إليه.

قد يغيّر الاتفاق المحتمل الكثير نحو الأفضل أو نحو الأسوأ، كما قد لا يغيّر شيئا. يظلّ السؤال هل يمكن لإيران أن تتغيّر؟ الجواب أنّه لا يمكن لإيران سوى أن تتغيّر في عالم لا تزال الكلمة الأولى والأخيرة فيه للاقتصاد. ولكن في انتظار أن تتغيّر إيران كم الثمن الذي ستدفعه المنطقة وشعوبها نتيجة ممارسات نظام تقوم كلّ فلسفته على بيع الأوهام عن طريق نشر التطرّف؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة إيران ليست في ملفها النووي مشكلة إيران ليست في ملفها النووي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia