المنطقة في عصر داعش والدواعش

المنطقة في عصر "داعش" والدواعش

المنطقة في عصر "داعش" والدواعش

 تونس اليوم -

المنطقة في عصر داعش والدواعش

بقلم خير الله خير الله

لعلّ أكثر ما يهدّد المنطقة في مرحلة ما بعد “الربيع العربي”، وحتّى قبله، الدور التخريبي الذي تقوم به الميليشيات المذهبية بهدف واحد وحيد يتمثّل في القضاء على النسيج الاجتماعي لدول معيّنة مثل لبنان وسورية والعراق واليمن.. وصولا إلى ليبيا.

صار “داعش” في كلّ مكان. هناك أيضا الدواعش الشيعية التي لا يفرقّها شيء عن “داعش” السنّية، بدليل ما فعلته هذه الدواعش ببلد مثل العراق الذي بات مستبعدا، في غياب أعجوبة، أن تقوم له قائمة يوما.

من هذا المنطلق كان مهمّا أن يتخذ مجلس جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية موقفا حازما من الدواعش الشيعية التي نجدها في وضع المتواطئ مع “داعش”، كما حصل أخيرا في تدمر بغطاء من سلاح الجوّ الروسي.

ينطفئ الأمل بغد أفضل في كلّ بلد تتحكّم فيه الميليشيا بالمؤسسات الرسمية. ينطفئ كلّ أمل في إعادة بناء الدولة. ما يؤكد انهيار الدولة في سوريا، هذا إذا كانت هناك في الأصل دولة، أن النظام فيها صار تحت رحمة ميليشيات مذهبية جاءت من لبنان والعراق وإيران. وما يؤكد انهيار العراق أن الإصلاح صار مطلبا لميليشيا، مثل تلك التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر!

لا يمكن لليمن إيجاد صيغة جديدة تعيد إليه السلم الأهلي بوجود ميليشيا مثل “أنصار الله” تعتقد أنّ في استطاعتها التحكّم بمقدّرات البلد، خصوصا أن لا مشروع سياسيا أو اقتصاديا لدى هذه الميليشيا، باستثناء تسليم البلد إلى إيران وتحويل اليمن إلى مجرّد مستعمرة.

تبقى الميليشيا ميليشيا، بغض النظر عن الطائفة أو المذهب. ففي ليبيا قضت الميليشيات السنّية على أيّ احتمال للخروج من حال الشرذمة التي أسس لها نظام معمّر القذّافي والتي تبلورت بعد الانتهاء منه. من يستطيع إعادة تركيب ليبيا مجددا؟ الجواب أن كلّ الدلائل تشير إلى أن ليبيا لم تعد قابلة لأن تكون دولة موحّدة، على الرغم من أن الوضع القائم فيها حاليا بات يشكّل تهديدا لكلّ منطقة شمال أفريقيا، خصوصا للجزائر وتونس.

وسط كلّ هذا الصعود للحالات الميليشياوية في المنطقة، لا مفرّ من تذكّر لبنان الذي كان أوّل من عانى من الميليشيات، خصوصا منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.

في كلّ مرحلة من مراحل تاريخه الحديث، كان لبنان ولا يزال ضحيّة الميليشيات، كلّ أنواع الميليشيات. كان لبنان أوّل من دخل عصر الميليشيات. لم يخرج منه بعد. هل يكون أوّل الخارجين منه من بين دول المنطقة؟

عاش لبنان عهود كلّ الميليشيات الفلسطينية والميليشيات الطائفية المسيحية والمسلمة، وهو يعيش الآن عهد الميليشيا المذهبية التي تسمّي نفسها “حزب الله”.

لا تكمن أهمّية اتفاق الطائف في أنّه مهّد لمرحلة سمحت بالعمل من أجل استتباب السلم الأهلي فحسب، بل إن الطائف سمح بالتمهيد، أيضا، للانتهاء من الميليشيات، كلّ الميليشيات.

تعثّر الطائف عند الميليشيا التي فرضتها إيران على لبنان بواسطة النظام السوري. كان هذا النظام في أساس تدفّق المسلحين الفلسطينيين على لبنان في أواخر الستينات من القرن الماضي. كان حافظ الأسد لا يزال وقتذاك وزيرا للدفاع.

لم يتخلَّ النظام السوري يوما عن فكرة إخضاع لبنان عبر الميليشيات. دخل إلى لبنان عسكريا وأمنيا متذرّعا بهذه الحجة. تحوّل إلى الميليشيا الكبرى التي تهيمن على الميليشيات الصغرى، إلى أن جاء اليوم الذي خرج فيه من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تاركا لإيران ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن هذا الخروج.

في هذه المرحلة الحساسة التي يمرّ فيها لبنان، وهي مرحلة انتقلت فيها الهجمة الميليشياوية عليه إلى مزيد من التصعيد الذي يعبّر عنه منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يُفترض في اللبنانيين استيعاب أهمية خروج بلدهم من عصر الميليشيات بشكل نهائي.

من يزور لبنان هذه الأيّام، يكتشف كيف أن كلّ شيء فيه معطّل. مجرّد رحلة مسائية، من بيروت إلى جبيل، ومن جبيل إلى بيروت، كافية للتأكّد من غياب الدولة. هناك في الطريق سيارات لا تحمل لوحات. وهناك سيارات من دون أضواء. وهناك سيارات تتجاوز السيارات الأخرى بطريقة في غاية الخطورة.

هناك غياب تام للدولة وحضور طاغ لعصر الميليشيات الذي يجعل عين المواطن تدمع لدى مروره في مطار رفيق الحريري في بيروت، الذي بات يشبه مطارا في إحدى المناطق الريفية في أوروبا أو في دولة متخلّفة من دول العالم الثالث.

يمكن الاسترسال طويلا في عرض الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان، في ظل الحملة المركّزة على الوجود العربي، خصوصا الوجود الخليجي فيه، والإصرار على جعله تابعا لإيران ولسياستها القائمة على إثارة الغرائز المذهبية من جهة، وعلى عزل الوطن الصغير عن محيطه الطبيعي من جهة أخرى.

من هذا المنطلق، يبدو كلّ كلام عن حقوق هذه الطائفة أو تلك من النوع المضحك-المبكي لا أكثر. ثمّة حاجة، بكل صراحة، إلى خطوة عملية تستهدف تأكيد أن اللبنانيين يريدون الخروج من عصر الميليشيات تمهيدا لبلوغ مرحلة يصبح فيها البحث ممكنا في مستقبل النظام السياسي، أي أين نجح الطائف، وأين أخفق؟

البداية تكون بالنزول إلى مجلس النوّاب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، من منطلق أن رئيس لبنان ينتخبه النوّاب المسلمون والمسيحيون كونه يرمز إلى وحدة البلد والشعب وما بقي من مؤسسات الدولة.

من لا ينزل إلى مجلس النوّاب لانتخاب رئيس للجمهورية، ويدلي بتصريحات ذات طابع عنصري ضدّ السوريين، يعمل فقط من أجل ديمومة عصر الميليشيات الذي يعبّر عنه كلام من نوع ذلك الذي صدر أخيرا عن الشيخ محمد يزبك، الوكيل الشرعي للمرشد في إيران (السيد علي الخامنئي) في لبنان. أعلن يزبك رفض العودة إلى عهد “المارونية السياسية”. هل من كلام أكثر وضوحا من هذا الكلام عن الرغبة الإيرانية بالتذرع بأنّه كانت هناك “مارونية سياسية” في لبنان، من أجل تكريس عصر الميليشيات، أي عصر “حزب الله” وهيمنته على البلد وعلى الطوائف الأخرى؟

لم تعن “المارونية السياسية”، بكلّ علاّتها في يوم من الأيام القضاء على مؤسسات الدولة اللبنانية. إذا بقي شيء من لبنان، فإنّ الفضل في ذلك يعود إلى “المارونية السياسية” وإلى مرحلة النماء والإعمار التي قادها رفيق الحريري بعد اتفاق الطائف. لم يكن من هدف لهذه المرحلة سوى القضاء على الميليشيات والخروج من الحرب الأهلية التي يصرّ “حزب الله” على استمرارها لتبرير تمسّكه بسلاحه الذي لم يعد موجها ضد اللبنانيين، بل ضد السوريين أيضا.. إنّه عصر “داعش” والدواعش في الشرق الأوسط!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المنطقة في عصر داعش والدواعش المنطقة في عصر داعش والدواعش



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia