أمن الخليج وأمن الأردن… والعقلانية

أمن الخليج وأمن الأردن… والعقلانية

أمن الخليج وأمن الأردن… والعقلانية

 تونس اليوم -

أمن الخليج وأمن الأردن… والعقلانية

خيرالله خيرالله

    هناك في نهاية المطاف بعض العقلانية العربية. كل تفاهم خليجي - أردني في شأن أزمات المنطقة يخدم هذه العقلانية التي تبدو المنطقة في حاجة إليها أكثر من أي وقت.

جاءت زيارة أمير الكويت للأردن لتأكيد ما لم يعد حاجة إلى تأكيد، أي لبعد نظر الشيخ صُباح الأحمد وقدرته على اتخاذ القرارات الجريئة بعد الدراسة المعمّقة لها. جاءت، مباشرة بعد ذلك، زيارة الملك عبدالله الثاني للمملكة العربية السعودية للقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز. هناك تحرّكات دبلوماسية تستهدف تكريس واقع يتمثل في العلاقة العضوية، تاريخيا، بين أمن الخليج وأمن الأردن.

يعرف الملك سلمان والشيخ صُباح، أكثر من غيرهما، بفضل خبرتهما الطويلة في السياسة الدولية والإقليمية أن دعم المملكة الأردنية الهاشمية دعم للاستقرار الإقليمي من جهة، وللحرب على الإرهاب من جهة أخرى.

كان الاستقرار الإقليمي في كلّ وقت همّا خليجيا، كذلك الحرب على الإرهاب التي تشارك فيها السعودية والكويت بوسائل تتلاءم مع قدراتهما ورؤيتهما للأحداث.

ما لا بدّ من استعادته أيضا، أنّه بعد إحراق “داعش” للطيار الأردني معاذ الكساسبة، جاء التحرّك الفوري لدولة الإمارات العربية المتّحدة التي أرسلت سربا من طائراتها إلى الأردن.

لم يكن ما ارتكبه “داعش” إساءة إلى الأردن فحسب، بل كان إساءة إلى الإسلام أيضا. ولا بدّ من العودة هنا إلى أنّ العاهل الأردني كان في طليعة الذين دعوا إلى مواجهة الواقع بدل الهرب منه، وإلى الاعتراف بأهمّية أن يأخذ المسلمون المبادرة في مجال محاربة التطرّف بكلّ أشكاله.

استطاع الأردن بفضل تلاحم أبنائه التصدّي لإرهاب تنظيم “داعش” الذي أراد تعطيل حملته على الإرهاب الذي تمارسه مجموعة من المنظمات المتطرّفة. سيطرت هذه المجموعات على جزء من سوريا والعراق، وظهرت أخيرا في ليبيا حيث أعدمت مجموعة من المصريين المساكين، كان ذنبهم الوحيد أنّهم من الأقباط.

استفاد “داعش” من تراخي الإدارة الأميركية من جهة، ومن تشجيع النظام السوري له من جهة أخرى. لم يعد سرّا أن السياستين السورية والإيرانية في المنطقة ساهمتا في توفير حاضنة لـ”داعش” في كلّ من سوريا والعراق، خصوصا في المناطق ذات الأكثرية السنّية.

ثمّة وضع في غاية التعقيد في المنطقة. لم يعد خافيا على أحد مدى الضرر الذي لحق بالعراق جراء التغلغل الإيراني الذي رافقته إثارة للغرائز المذهبية التي كانت خير حليف لـ”داعش”. كذلك، لم يعد خافيا أنّ الرهان الأوّل والأخير للنظام السوري كان على “داعش” وأخواته وإخوانه، وذلك كي يُصوّر الشعب السوري بأنّه مجموعة من الإرهابيين، وأن حربه هي مع الإرهاب وليس مع المواطن السوري الباحث عن كرامته منذ ما يزيد على نصف قرن.

أظهر الأردن أنّه حجر الزاوية في الحرب على الإرهاب، خصوصا في حال توافر الإمكانات التي هو في حاجة إليها. من هذا المنطلق، كانت زيارة الشيخ صُباح للملكة في غاية الأهمّية والذكاء. إنها زيارة تندرج في سياق الدور الكويتي التقليدي الذي عزّزته رؤية الأمير الذي عرف دائما كيف يقود السفينة الكويتية في البحار الهائجة.

لا حاجة بالطبع إلى التذكير بالدور الذي لعبه الشيخ صُباح مع الأميريْن الراحليْن الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله عندما تعرّضت الكويت لزلزال الاحتلال العراقي في عهد صدّام حسين. ما كانت الكويت لتستعيد استقلالها وثرواتها وتحافظ على مواطنيها لولا الالتفاف الشعبي حول القيادة التي عرفت، وقتذاك، كيف تستغل التعاطف الدولي والعربي مع بلد صغير تعرّض لظلم ليس بعده ظلم.

ثمّة حاجة إلى أردن قوي أكثر من أيّ وقت في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ بها المنطقة. ليس سرّا أن الهمّ العراقي همّ سعودي وإماراتي وكويتي وأردني. ليس سرّا أن البلدان الأربعة تراهن على تغيير كبير في سياسة بغداد يشمل نظرة جديدة إلى العلاقة بينها وبين الدول العربية الأخرى، بعدما خلف حيدر العبادي نوري المالكي كرئيس للوزراء. هناك تشجيع للعبادي على التغيير والخروج من الوصاية الإيرانية. هذا إذا كان ذلك ممكنا.

ولاشكّ أن الهمّ السوري هم مشترك. فالبلدان الأربعة مع حلّ سياسي في سوريا. وإذا كان الأردن يدعم قوى الاعتدال في سوريا ويتحمّل مسؤولية رعاية مئات آلاف اللاجئين السوريين في أراضيه، فإن الكويت تستعد، بدعم خليجي، لاستقبال مؤتمر دولي ثالث للمانحين بغية تخفيف عذابات الشعب السوري.

إضافة إلى ذلك، هناك قاسم مشترك آخر بين السعودية والإمارات والكويت والأردن. هذا القاسم المشترك هو مصر التي حظيت منذ “ثورة الثلاثين من يونيو” في العام 2013 بدعم خليجي سخي، في حين قدّم الأردن، ذو الموارد المحدودة، كلّ ما يستطيع تقديمه من دعم سياسي لدعم التغيير الكبير الذي مكّن الشعب المصري من التخلّص من نظام الإخوان المسلمين. هذا النظام الذي لم يكن لديه مشروع سياسي أو اقتصادي للبلد. لم يكن لدى الإخوان وحكمهم، غير المأسوف عليه، ما يقدّمونه سوى التجربة البائسة لحركة “حماس” في قطاع غزّة.

منذ البداية، لم تقف السعودية والإمارات والكويت مكتوفة حيال ما يجري في مصر. سارعت، على وجه السرعة، إلى مساعدة الشقيقة الكبرى في وقت هناك حاجة عربية ماسة إليها، وإلى وزنها، من أجل استعادة التوازن الإقليمي المختل.

في ما يخصّ الكويت بالذات، سعى الشيخ صُباح دائما إلى تنقية الأجواء العربية، كذلك عمل ما يستطيع من أجل محاولة تطبيع العلاقات الخليجية – الإيرانية. وقد زار طهران لهذا الغرض بعد قمة “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” التي استضافتها الكويت أواخر العام 2013. كان على الكويت أن تعمل في كلّ وقت من أجل الحدّ من التشنّج في المنطقة. لولا الكويت وجهود الشيخ صُباح لكان من الصعب انعقاد القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة.

هناك لحسن الحظ، في عالمنا العربي، من يعمل بهدوء.لا ضجيج ولا شعارات براقة.هناك إدراك لواقع يتمثّل في أن الحرب على الإرهاب ليست حرب الأردن وحده، بل هي أيضا حرب كلّ من يعتقد أنّ لا مجال لأيّ تهاون مع التطرّف والجنون ومع المسيئين للدين الإسلامي.

هناك في نهاية المطاف بعض العقلانية العربية. كلّ تفاهم خليجي – أردني في شأن أزمات المنطقة يخدم هذه العقلانية التي تبدو المنطقة في حاجة إليها أكثر من أيّ وقت. هذه الحاجة باتت ملحّة في مرحلة أصبحت فيها إعادة رسم خرائط الدول الشرق أوسطية واقعا، وليس مجرّد تكهّنات لمراكز أبحاث.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمن الخليج وأمن الأردن… والعقلانية أمن الخليج وأمن الأردن… والعقلانية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia