أبو غريب مستقبل السنّة العرب في العراق

أبو غريب مستقبل السنّة العرب في العراق!

أبو غريب مستقبل السنّة العرب في العراق!

 تونس اليوم -

أبو غريب مستقبل السنّة العرب في العراق

خير الله خير الله

أول ما كان يفترض بالحكومة العراقية عمله تأمين كل الأسباب التي توفر نجاح العملية العسكرية المحتملة بدل التصرف بما يؤكد مخاوف أهل الأنبار.

من الطبيعي أن ينفي مكتب رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي طرحه سجن أبو غريب المهجور مكانا لإيواء النازحين العراقيين من محافظة الأنبار.

بغض النظر عن النفي، يشير مثل هذا الطرح العنصري، الذي يتردّد أنّه كان موضوع اتصال هاتفي بين العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، إلى ذهنية معيّنة سائدة في العراق الجديد. إنّه العراق الذي أراد جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني تحويله إلى نموذج للديموقراطية في المنطقة.

جاء النفي الصادر عن مكتب رئيس الوزراء ليؤكّد أن العراق مريض وأن شفاءه من المرض الخبيث لن يكون غدا. هناك من يتساءل حتّى هل يمكن أن يشفى يوما، خصوصا بعد منع أهل الأنبار من دخول بغداد واشتراط أن يكون لدى من يريد اللجوء إلى العاصمة “كفيل”. فالمشكلة ليست في النفي بمقدار ما أنّها في طرح الموضوع المتعلّق بأهل الأنبار وكيفية إيوائهم في ظلّ الظروف العصيبة التي يمرّون بها.

نزح أهل الأنبار، وهم من السنّة العرب، في اتجاه بغداد لسبب وجيه عائد إلى سيطرة “داعش” على المحافظة وإلى استعدادات تقوم بها السلطات العراقية من أجل استعادة الأنبار.

لعلّ أوّل ما كان يُفترض بالحكومة العراقية عمله تأمين كلّ الأسباب التي توفّر نجاح العملية العسكرية المحتملة بدل التصرّف بما يؤكّد مخاوف أهل الأنبار. في الواقع، إنّها مخاوف كلّ السنّة العرب الذين يعانون الأمرّين منذ الاحتلال الأميركي للعراق وتحوّل البلد إلى شبه مستعمرة إيرانية تديرها ميليشيات مذهبية تنتمي إلى أحزاب معيّنة مرتبطة ارتباطا وثيقا بطهران. تعمل هذه الميليشيات حاليا تحت عنوان “الحشد الشعبي” وهي تقوم مقام الحكومة العراقية، كما بدا واضحا من خلال غزوة تكريت التي قادها اللواء قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني.

ليس سرّا ما تحوّلت إليه الغزوة والمنحى الذي اتّخذته، خصوصا بعدما اتخذت طابعا انتقاميا من منطلق أن تكريت مسقط رأس صدّام حسين. سقط صدّام وأُعدم بالطريقة التي أُعدم بها. هل على كلّ سنّي عربي عراقي دفع ثمن ما ارتكبه صدّام، الذي لم يفرّق في القمع بين سنّي وغير سنّي، بين عربي وكردي؟

ليست مخاوف السنّة العرب في العراق وليدة البارحة. منذ اليوم الأوّل للدخول الأميركي للعراق وهناك نيّة واضحة بالانتقام من السنّة العرب. هذا لا يبني وطنا بكلّ تأكيد. هذا لا يضع الأسس لمؤسسات تابعة لدولة عصرية تكون مختلفة عن تلك التي أسّس لها حزب البعث بكلّ تخلّفه، خصوصا في مرحلة ما بعد تولّي صدّام حسين السلطة وتحوّل النظام إلى عائلي ـ بعثي.

يتجاوز الموضوع موضوع الأنبار وأهلها الممنوعين من دخول بغداد التي يعتبرها مسؤولون إيرانيون “عاصمة” الإمبراطورية الفارسية التي ما زالوا يحلمون بها.

الموضوع في نهاية المطاف مرتبط بالعاصمة العراقية المطلوب تغيير طبيعتها كلّيا. هناك، بكل وضوح، تركيز على تغيير طبيعة التركيبة الاجتماعية فيها. كانت بغداد في كلّ وقت عنوانا للعيش المشترك بين العراقيين بغض النظر عن المذهب والطائفة والقومية. كانت بغداد تتسع للجميع قبل أن تتعرّض لما تعرّضت له خصوصا بعد العام 2003. جاء الآن وقت حمايتها من السنّة العرب الآتين من الأنبار. هناك خوف من أن يمكث هؤلاء في العاصمة التي كان مفترضا أن تفتح لهم أبوابها، على مصراعيها، في انتظار العودة إلي بيوتهم وأرزاقهم…

من يمنع أهل الأنبار من دخول بغداد يخشى محو آثار التطهير العرقي الذي مورس منذ ما يزيد على عشر سنوات. من نتائج هذا التطهير، الذي شمل شراء أراض وبيوت في مناطق معيّنة، تحوّل بغداد من مدينة نصفها سنّي والنصف الآخر شيعي، إلى مدينة تفوق نسبة الشيعة فيها السبعين في المئة.

مثل هذا النوع من الممارسات لا يبشّر بالخير. لعلّ أخطر ما في الأمر أنّ رئيس الوزراء الحالي يكشف كلّ أوراقه، إذ يظهر أنّه ليس أفضل بكثير من سلفه نوري المالكي الذي ركّز طوال ثماني سنوات على زرع المذهبية في كلّ أرجاء العراق.. وصولا إلى توفير حاضنة لـ”داعش” التي استطاعت السيطرة على مناطق عراقية شاسعة، من بينها مدينة الموصل.

في نهاية المطاف، هل المطلوب التخلّص من “داعش”، أم كلّ ما في الأمر أن المطلوب استخدام “داعش” للتخلّص من السنّة العرب، أو أقلّه تهميشهم؟

يبدو أن الهدف التخلّص من السنّة العرب وليس من “داعش”. هناك إصرار على نشر البؤس في الأنبار وعلى منع أهلها من دخول بغداد وعلى منعهم في الوقت ذاته من لعب دور أساسي في التصدّي لـ”داعش”.

عاجلا أم آجلا، سيتبيّن أن في العراق أزمة نظام غير قابل للتطوير، على الرغم من أن الدستور يبدو، ظاهرا، دستورا عصريا يضمن، نظريا، المساواة بين جميع المواطنين.

تبيّن في ضوء تجربة السنوات الماضية أن الدستور استخدم لتحقيق مآرب معيّنة في مقدّمها تحويل مؤسسات الدولة العراقية إلى مؤسسات تابعة لإيران. من بين هذه المؤسسات وزارات مرتبطة بالتربية والتعليم. ليس منع أهل الأنبار من دخول بغداد سوى تفصيل صغير يعكس الخوف من أي مسّ بما حقّقته عمليات التطهير العرقي المستمرّة منذ سنوات عدّة وفق خطّة مدروسة.

أدرك الأكراد باكرا أنّهم أمام حالة مستعصية لن يغيّر فيها شيء حلول العبادي مكان المالكي. لذلك، سارعوا، عبر مسعود البارزاني، إلى التلويح باستفتاء على حقّ تقرير المصير. أدى ذلك إلى تحقيق المطلوب، أقلّه مؤقتا، فطوى الأكراد الورقة التي لوّحوا بها.

لدى الأكراد خياراتهم الكثيرة، خصوصا، أنّهم يمتلكون منطقة واضحة الحدود، نسبيا، يسيطرون عليها سيطرة كاملة. ولكن ليس ما يشير إلى أن أمام السنّة العرب مثل هذا الهامش. السنّة العرب الذين اجتاحت مناطقهم “داعش” في وضع لا يحسدون عليه. المستغرب وجود نيّة لدفعهم في اتجاه “داعش” بدل توفير الإمكانات التي تسمح لهم بمحاربتها. من يمنعهم من دخول بغداد، إنّما يسعى إلى تحقيق هذا الهدف. من يتصرّف بالطريقة التي تصرّف بها “الحشد الشعبي” بعد غزوة تكريت يجعلهم يفضّلون “داعش” على ميليشيات الأحزاب المذهبية التي يبدو أن ليس لديها ما تعد به السنّة العرب غير الإيواء في سجن أبو غريب… هل هذا مستقبل العراق الذي وُعدنا به؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو غريب مستقبل السنّة العرب في العراق أبو غريب مستقبل السنّة العرب في العراق



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia