محمّد حسنين هيكل

محمّد حسنين هيكل

محمّد حسنين هيكل

 تونس اليوم -

محمّد حسنين هيكل

حازم صاغية

لا يحول تمنّي الشفاء والحياة المديدة لمحمّد حسنين هيكل دون المراجعة النقديّة الهادئة للدور الذي اضطلع به في الحياة المصريّة خصوصاً، ولكنْ أيضاً في الحياة العربيّة. وهو كان دوراً مباشراً وسلطويّاً طوال عقدين ونيّف، قبل أن ينتقل إلى رعاية المعارضة خلال معظم سنوات العهدين الساداتيّ والمباركيّ، ليستقرّ أخيراً عند مباركة عبد الفتّاح السيسي مصريّاً، والتشكيك في الثورات عربيّاً.

لكنّ ما يفوق سواه أهميّة في حياة هيكل أنّها تصلح شهادة على حال الصحافة المصريّة والعربيّة في القرن العشرين، لا شهادة لها. فهو، من دون شكّ، أهمّ الصحافيّين العرب في القرن العشرين، وأشدّهم تأثيراً، أكان في السلطة أو في المعارضة. لكنْ إذا كانت أهميّة الصحافيّ تتأتّى من وقوفه في وجه السلطات السائدة والقيم السائدة، فأهميّة هيكل، أو أهميّته المؤسِّسة لبقية حياته وأدواره، إنّما تصدر عن علاقته الحميمة بجمال عبد الناصر. وإذا جاز التسامح مع صحافة تماهي نفسها مع سلطة ديموقراطيّة تتعرّض لحملات أعداء الديموقراطيّة، فهذا لا ينطبق بتاتاً على السلطة الناصريّة التي عطّلت الصحافة الحرّة وأمّمتها واعتقلت صحافيّين وحرمتهم من الكتابة.

ولسنا في حاجة إلى استعراض أسماء الصحافيّين الغربيّين الذين لمعوا لأنّهم مثّلوا، بالضبط، عكس ما مثّله هيكل، أي وقفوا في الصفّ المقابل لصفّ السلطة وحاولوا بالفعل أن يكونوا «سلطة رابعة» عليها.

وواقع الأمر أنّ هيكل غدا أستاذاً لطريقة في الصحافة غزت العالم العربيّ كلّه، مفادها الدفاع عن حكم وحاكم والتماهي مع سياسات رسميّة بعينها، وهو ما شجّع عليه أنّ الطبقتين العليا والوسطى في مجتمعاتنا لم تتجرّأ على الاستثمار في الإعلام وفي الأفكار، وتالياً في الواقع.

أمّا في حدود إضافته بُعداً ثقافيّاً متواضعاً للحياة الصحافيّة، فكان هيكل، هنا أيضاً، شديد التطابق مع السلطة ومقتضياتها، ناصحاً لها ومبرّراً أفعالها، لا تهمّه المعرفة إلاّ بوصفها أداة لخدمة الوظيفة تلك. فهو كاتب «فلسفة الثورة» في 1954، يوم كانت البدايات الناصريّة في حاجة إلى أيّ كرّاس ترفعه إلى سويّة النظريّة. وهو في 1961 من كتب «أزمة المثقّفين»، داعياً إيّاهم إلى الانخراط في النظام وخدمته، بعيداً من كلّ اعتبار ثقافيّ وقفزاً فوق السجون التي يتعفّن فيها بعضهم. ومن خلال مقالاته الشهيرة التي حملت عنوان «بصراحة»، كان هيكل صوت النظام بالمعنى الذي قيل فيه إنّ الشاعر الجاهليّ محامي قبيلته.

وهو لئن لم يتقلّد من المناصب إلاّ وزارة الإعلام التي شغلها بضعة أشهر في 1970، فقد كان في منصب ظلٍّ يفوق المناصب كلّها أهميّة. فهو نجيّ عبد الناصر وملهمه، أيّد أنور السادات ضدّ علي صبري، ظانّاً أنّ «سيادة النائب» سيمضي على الطريق التي سلكها «سيادة الرئيس»، بحيث يحتاجه جزءاً من شرعيّة عهده. ولمّا اختلف السادات عن عبد الناصر، وتخلّى عن تركته، ردّ هيكل بالمعارضة، ثمّ بكتابه «خريف الغضب» الذي لم يكتم الكره والازدراء له، حتّى اعتبره بعضهم، لا سيّما فصوله الأولى التي تتناول أصول السادات ومنشأه ولونه، كتاباً عنصريّاً.

لقد فقد هيكل مع رحيل عبد الناصر النسغ المغذّي لدوره كصحافيّ عارف أو منظّر. لكنّ الماضي ظلّ يُستحضر كي يخدم الجلال المحيط بشخصه. فحين قامت ثورة يناير، بدت «الأستاذيّة» بوطأتها الأبويّة الثقيلة غريبة عن عالم الشبّان والشابّات في الميدان، وبدا كشف الخفايا والمؤامرات موضع استهجان الضالعين في وسائط التواصل الاجتماعيّ. لكنْ مع تعثّر الثورة وإخفاقها، أعيد الاعتبار لاستشارة «الأستاذ هيكل»، ولم يتردّد بعضهم في ترشيحه أملاً لمستقبل مصر.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمّد حسنين هيكل محمّد حسنين هيكل



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia