الماضي كلّه مضى لا تتحسّروا

الماضي كلّه مضى... لا تتحسّروا

الماضي كلّه مضى... لا تتحسّروا

 تونس اليوم -

الماضي كلّه مضى لا تتحسّروا

حازم صاغية

ثمّة من نعى العقيد الليبيّ معمّر القذّافي وتحسّر عليه بحجّة العبث الذي تشهده ليبيا اليوم. وبطريقته، ربّما حمل سلوك اللواء خليفة حفتر، وهو من فتح عينيه على الشأن العامّ في الحضن القذّافيّ، شيئاً من التحسّر على العقيد إيّاه، بل ربّما داعبت حفتر الرغبةُ في أن يكون هو القذّافي بعد تشذيبه. وفي الأجواء المحيطة بنا احتفال بصفقة الغاز الروسيّة – الصينيّة الضخمة، احتفالٌ لا يكتم الحنينَ إلى زمن «الوحدة الصخريّة» بين الجبّارين اللذين كانا شيوعيّين، في مواجهة الغرب، علماً بأنّ تلك الوحدة نفسها لم تعش طويلاً. أمّا جمال عبدالناصر فيتنافس على بعثه كلّ من المشير عبدالفتّاح السيسي وحمدين صبّاحي. وكلٌّ من الاثنين ناصريّ بطريقته. وفي العراق والعالم العربيّ نوّاحون كثيرون على صدّام وعلى الاستقرار الذي فرضه بكعب حذائه.
والحال أنّ هذه الاستعادة ليست الوحيدة في عالمنا الكثير الاستعادات. فمن قبل استرجعت الثورة السوريّة علماً كانت العقود العسكريّة والبعثيّة قد طوته. وقبل السوريّين، خاض العراقيّون صراعاً بعد صراع مع عَلَمهم وكيفيّة رسمه من دون أن يتوصّلوا إلى نتائج باهرة. كذلك لم يتردّد ليبيّون في اقتراح العودة إلى المَلكيّة السنوسيّة وإلى وجهٍ يتفرّع عن ملكها إدريس. أمّا اللبنانيّون، فيكاد لا ينقضي يوم من دون أن يعبّر بعضهم عن حنين إلى ما قبل حربهم الأهليّة – الإقليميّة.
ولا شكّ في أنّ الاستعادة الثانية تبقى أصفى نيّةً من الأولى لجهة أنّ عصرها الذهبيّ المؤمّل سابق على زمن العسكر وأنظمتهم، أي سابق على مصادرة التاريخ وتعطيل سيولته، مثلما هو سابق على زمن الحروب الأهليّة. فإذا كان تمكينُ الاستبداد الوهمَ الذي يتحكّم بالأوّلين، فإنّ الوهم الذي يتحكّم بالأخيرين هو إعادة تنظيم التاريخ عبر تجاوز ساذج لحقب الاستبداد والاحتراب ولمفاعيلها الكثيرة.
لكنّ ذلك كلّه لا يعفي من الإقرار بأنّنا نعيش انسداداً في أفق المستقبل، لم تنجح الثورات في فتحه، مُثَبَّتين في ثنائيّة الجيش والإسلام السياسيّ بوصفهما الفاعلين الوحيدين في الأمس وفي الغد أيضاً. فالمدافعون عن الواقع الراهن لا يرون إلاّ العسكريّين والجهازيّين أملاً، فإذا خرّ العسكريّون بحثوا عن عسكريّين سبقوهم. أمّا المدافعون عن تغيير هذا الواقع فأصناف ثلاثة، واحد، وهو الأقوى، يبحث عن إسلام أوّل، غامض الصورة بالنسبة إليه هو نفسه، وآخر هو الذي يسعى ببراءة إلى استحضار ما قبل الانقلابات، وثالث يهجس بالحاضر والمستقبل إلاّ أنّه أضعف من أن ينتشلهما من براثن الماضي.
فهل نصل إلى يوم نستطيع فيه أن نعاود النظر في ذاك الماضي بكليّته نظراً نقديّاً: هكذا لا يكتفي الناقد بإدانة مراحله وتجلّياته كلّها، بل يذهب أبعد وأكثر جذريّةً، فيحدّد مسؤوليّة كلّ واحدة من تلك المراحل عن المرحلة التي تلتها، كما يلتقط الخطّ الناظم للمسار كلّه؟
عكس ذلك أشبه بالبقاء في المتاهة والحلقة الدمويّة المفرغة، وفي الاستعداد لقول الشيء وعكسه. وقد لاحظ صحافيّ أميركيّ، معلّقاً على نظريّة المؤامرة، أنّ أكثر الذين قالوا إنّ الأميرة البريطانيّة ديانا ماتت قتلاً هم أكثر مَن يصدّقون أنّها لا تزال حيّة، وأكثر الذين قالوا إنّ أسامة بن لادن قد قُتل قبل أن يعلن الأميركيّون قتله هم أكثر من يقولون إنّه حيّ ومتخفٍّ.
وهذا بعض ما نحن فيه حيال ماضٍ لا نريد له أن يمضي، فنظنّه المستقبل، ثمّ نستكثر على أنفسنا أن يكون هناك مستقبل أصلاً.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الماضي كلّه مضى لا تتحسّروا الماضي كلّه مضى لا تتحسّروا



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia