السنّية السياسية والشيعية السياسية

السنّية السياسية والشيعية السياسية

السنّية السياسية والشيعية السياسية

 تونس اليوم -

السنّية السياسية والشيعية السياسية

حازم صاغية

لناقد سني، أو سني الهوى، من منطقة المشرق العربي، أن يلاحظ كيف أن الشيعة يحكمون العراق منذ 2003، وخصوصاً منذ انتخابات 2005، وكيف أن العلويين يحكمون سورية منذ 1963، وخصوصاً منذ 1970، وكيف أن «حزب الله» الشيعي يمسك بمقابض السلطة الفعلية في لبنان منذ 2005، بعدما كُيفت السياسة والاجتماع اللبنانيان منذ أواخر الثمانينات على النحو الذي يلائمه ويلبي مصالحه.
وواقع كهذا، ما دامت الجماعات الوطنية طوائفَ، ظلمٌ محض نازل بالسنّة الذين هم أكثرية عددية في سورية وأقلية كبيرة في العراق وثلث اللبنانيين.
ولناقد شيعي، أو شيعي الهوى، من منطقة المشرق العربي، أن يلاحظ كيف أن السنة حكموا العراق وسورية منذ نشأة الكيانين في شكلهما الراهن في النصف الأول من القرن الماضي، وكيف أنهم مثلوا جميع المسلمين في لبنان ونابوا عنهم، وبصفتهم هذه كانوا شركاء الموارنة والمسيحيين في حكم البلد وتسييره.
وأيضاً ما دامت الجماعات الوطنية طوائف، فواقع كهذا ظلمٌ محض نزل بالشيعة الذين ظلوا في البلدان الثلاثة على هوامش القرار السياسي، والأقل إفادة من التحولات الاقتصادية، علماً بأنهم أكثرية العراقيين وثلث اللبنانيين فيما يُعد علويو سورية أقلية معتبرة فيها.
سرديّتا المظلومية هاتان فيهما كثير من التعميم الذي يكتّل الطوائف وحداتٍ صلدة، كما تحتملان بعض الطعن والتشكيك الجزئيين هنا وهناك، إلا أنهما في المجمل صحيحتان، وهذا ما يوفر نموذجاً آخر عن احتمال أن يتجاور تناحُر حقين وكونهما في الوقت عينه حقين. لكن النقد الشيعي إذ يركز على الماضي الظالم لا يعد الحاضر بغير الرد الانتقامي، فيما النقد السنّي إذ يركز على الحاضر الظالم فإنه نادراً ما يفتح كوة غير انتقامية للمستقبل. ويواكب هذا التمركز الذاتي لكل من الطرفين حول حقه تغافل النقد السني عن نقد الأنظمة والأوضاع التي أقامها، والتي جاء انهيارها لصالح أنظمة وأوضاع شيعية برهاناً على فشلها. وبدوره، يتغافل النقد الشيعي عن الأنظمة والأوضاع التي يقيمها راهناً، والتي تجيء الردود السنية عليها في سورية والعراق، ولكنْ أيضاً في لبنان، برهاناً على فشلها.
وهذا ليس للدعوة إلى توفيق «أخوي» بين السرديتين، على ما هو معهود في جاري الثقافة السياسية العربية، خصوصاً أن توفيقاً كهذا بين عصبيات متناحرة مستحيل في الواقع، كما في الأفكار والتصورات. إنه في المقابل بمثابة دعوة إلى الصعود فوق السرديتين وفوق اندفاعهما الغريزي إلى قياس الحق بمقياس الطوائف، ومن ثم رفض الإشكال الأساس الذي بنيت عليه السرديتان، سيما وقد تكشفت عملياً النتائج الكارثية لحكم السنة الشيعةَ أولحكم الشيعة السنةَ.
فهل نصل إلى يوم يدور فيه إشكالنا الأساس على إقامة مجتمعات سياسية لا يحكم فيها السنةُ الشيعةَ ولا الشيعةُ السنةَ، بل يتقدم الجميع من الشأن العام بوصفهم مواطنين أفراداً؟ وهل يتسنى الإقلاع لمثل هذا الافتراض في ظل الأشكال الراهنة للاجتماع السياسي والوطني، أي الدول في حدودها القائمة بوصفها الحاضن والمحفز على النزاع الأهلي؟
ما من شك في أنه افتراض يبدو اليوم خيالياً أو وعظياً، لكنه -مع هذا- الفرصة الأخيرة لإبقاء العراق وسورية، وربما لبنان، على قيد الحياة، وهي حياة باتت صعبة جداً، بحيث بات التعويل على الخيال مدخل الرهان، الذي ربما بات الرهان الأوحد على استمرارها.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السنّية السياسية والشيعية السياسية السنّية السياسية والشيعية السياسية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia