أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة

أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة

أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة

 تونس اليوم -

أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة

حازم صاغيّة

أطلقت الثورة السوريّة أصواتاً لبنانيّة كثيرة، كلّ واحد منها ينطوي على رسم ضمنيّ لصورة لبنان وأسئلته ومستقبله. كان هناك، ولا يزال، صوت التبعيّة والالتحاق بالنظام السوريّ. وهذا، كما بيّنت تجربة ميشال سماحة بوضوح، صوت جهازيّ لا يستحقّ أن يُناقش أو أن يُحمل على محمل الجدّ. وكان هناك، ولا يزال، صوت الخوف، وهو غالباً مسيحيّ، وتالياً شيعيّ. وإذا كانت بعض الأطراف الناتئة في هذه الفئة تتقاطع مع الفئة الجهازيّة، فهذا لا يلغي وجود هموم فعليّة في متنها العريض تفاقمها الظاهرة السلفيّة التي لا تحول كاريكاتوريّتها دون تفشّيها. لكنّ المشكلة هنا أنّ اصحاب هذا الصوت لا ينجحون في الارتقاء إلى صوغ تصوّر عصريّ وديموقراطيّ لمجتمع متعدّد تستطيع جماعاته أن تتعايش من دون خوف أو تبادل عنصريّ. هكذا نراهم يغرقون في شبر ماء فيقعون في «القانون الأرثوذكسيّ» للانتخابات، أو، وهذا أشنع، في مواقف سياسيّة وعمليّة مناهضة للشعب السوريّ وإرادة غالبيّته، على ما يفعل «حزب الله». وهذه الأصوات سبق أن تعرّضت، وما زالت تتعرّض، لنقد صائب ومستحقّ. إلاّ أنّ صوتاً لبنانيّاً آخر مؤيّداً للثورة السوريّة يستدعي بدوره وقفة نقديّة. والصوت هذا، وهو غالباً سنّيّ من دون أن يقتصر على السنّة، إذ يمتدّ إلى بيئة ثقافيّة ضيّقة، يذهب إلى أنّ التاريخ يبدأ من الثورة السوريّة، لا قبل قبلها ولا بعد بعدها. لكنْ على رغم الأهميّة الفائقة والاستثنائيّة لتلك الثورة، وضخامة تأثيرها على مجمل منطقتها، فإنّ وعياً قياميّاً كهذا لا يمكن الركون إليه. فالنزعة هذه في إعدامها أجزاء أساسيّة من التاريخ كثيراً ما تهجس باستئصال أجزاء أساسيّة من الواقع. وهذا درس يُستعاد المرّة بعد المرّة منذ الثورة الفرنسيّة التي أرّخت من صفر، على أقلّ تقدير. وفعلاً تذهب وجهة النظر هذه إلى نفي المعنى عن كلّ النقاشات والهموم اللبنانيّة، بما في ذلك مشاكل الأقليّات، إمّا لأنّ الثورة السوريّة تجبّ ما قبلها أو لأنّ المناقشين اللبنانيّين سخفاء. لكنْ إذا كان الأخيرون كذلك فإنّ سخافة المناقشين لا تعني سخافة الموضوع المناقَش. والحال أنّ مسألة الأقليّات في المشرق لم تتظهّر ولم تتبدّ تعقيداتها كما حصل مع الثورة السوريّة وفي المناخ الذي أطلقته. وفي آخر المطاف سيكون من معايير محاكمة تلك الثورة على المدى الأبعد تعاطيها مع مسألة الأقليّات في بلدها وفي عموم المشرق استطراداً. فالاضطرار الذي جعل الثورة المذكورة، لسوء حظّها، تصطدم بتلك الأقليّات، ينبغي ألاّ يقود إلى التغافل عن مشكلة معقّدة لا يُفهم تاريخ المشرق من دونها، ولا يستقيم من دون تذليلها، هي هذه المشكلة تحديداً. وهذا ناهيك عن مدى جدارة أصحاب الصفة الديموقراطيّة بصفتهم هذه في حال التنكّر لها أو اعتبارها لزوم ما لا يلزم. وفي تصفية حساب مداورة مع الفكرة اللبنانيّة، تؤخذ على الصيغة اللبنانيّة «تفاهتها»، علماً بأنّ هذه الصيغة، على رغم الكثير من «التفاهة» التي تعتريها وتعتري رموزها، قد تكون الأقلّ سوءاً بين الصيغ المعتمدة لتنظيم العلاقات بين جماعات المشرق العربيّ. ويُخشى أن يكون هذا المأخذ، بعد تضخيمه، شكلاً التفافيّاً من طلب الاستبداد والواحديّة، خصوصاً أنّه ينسب العيوب الكبرى للصيغ، بدل أن ينسبها إلى قدرة الجماعات المتناحرة على الصعود إلى سويّة الصيغ تلك. لكنْ يُخشى أيضاً أن تقيم في هذه النظرة التي تختزل الذات الوطنيّة، ميول ورغبات في إعادة إنتاج الالتحاق إنّما حيال نظام آخر! أغلب الظنّ أنّ لبنان المهلهل أقوى ممّا يُظنّ لسبب بسيط هو اللبننة المعمّمة على منطقة بأسرها. نقلاً عن جريدة "الحياة"

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia