«داعش» واللاجئون و الغرب

«داعش» واللاجئون و... الغرب

«داعش» واللاجئون و... الغرب

 تونس اليوم -

«داعش» واللاجئون و الغرب

حازم صاغية

يتقلّص اليوم اهتمام الغرب، الأوروبيّ قبل الأميركيّ، إلى موضوعين من مواضيع الشرق الأوسط الكثيرة: الإرهاب، لا سيّما منه إرهاب «داعش»، ومسألة النازحين، خصوصاً منهم السوريّين.

وبالطبع كثيرون هم الخاسرون نتيجة هذا الضمور في الاهتمام الغربيّ، تتصدّرهم شعوب المنطقة التي يتقدّمها الشعبان السوريّ والفلسطينيّ، حيث الأوّل متروك لبشّار الأسد وبراميله ونيران حلفائه، والثاني للاستيطان وبنيامين نتانياهو والميليشيات الدينيّة المتطرّفة.

لكنّ اللافت أنّ عنصرَي هذا الثنائيّ، «داعش» والنازحين، يشتركان في أمر ويختلفان في أمر آخر. فالمشترك بينهما أنّهما يربطان داخل المنطقة بالعالم الأوسع، خصوصاً منه أوروبا. فاللاجئون انتقلوا، مدفوعين بالفاقة والخوف والاضطهاد، إلى البلدان الغربيّة، فيما الإرهاب هو، في وقت واحد، صادرات وواردات: مرّة نرسله إليهم من بلداننا ومرّةً أخرى يرسلونه إلينا من بلدانهم. وهذان العنصران، «داعش» والنازحون، سوف يدليان بدلوهما، إن لم يكن دائماً في خريطة الاجتماع الغربيّ، فحتماً في السياسات الغربيّة، عبر الإجراءات الأمنيّة والانتخابات وبرامج الأحزاب والخطط الاقتصاديّة التي يستدعيها الاستيعاب، لكنْ أيضاً في حركة الغرائز العنصريّة صعوداً وهبوطاً، وهي تحترف ردّ كلّ مثالب الأرض إلى المهاجرين احترافها تحويل الإرهاب إلى سمة جوهريّة وماهويّة في «شعب إرهابيّ». ولا فارق هنا، وحيال هذه التأثيرات جميعاً، أكان الغرب يعيش «أسلمة التجذّر» أم كان يعيش «تجذّر الإسلام»، ففي الحالتين لن تزداد الأمور إلاّ احتداماً.

أمّا الاختلاف بين ظاهرتي «داعش» والنازحين، وما يرتّبه الاختلاف من نتائج، فإنّما يشي بصعوبة إسباغ الوحدة النمطيّة المزعومة على المنطقة وأهلها. ذاك أنّ «داعش» حرب معلنة على الغرب، وعلى كلّ ما هو غربيّ أو حديث أو شبيه أو متشبّه بالغرب، فيما النزوح طلب للغرب وسعي إلى التطابق معه وإقرار ضمنيّ، وأحياناً معلن، بتفوّقه وتفوّق نموذجه. وحتّى لو كان كثيرون من النازحين يحملون من الأفكار والتصوّرات ما يتحفّظ على المجتمع الحديث ويرتطم بالعيش فيه، فهذا دافع آخر للبرهنة على قوّة النموذج الغربيّ في الاستقبال والاستيعاب. ولا ننسَ أنّ التاريخ مصداق ذلك: فإحدى الهجرات التأسيسيّة لعالمنا المعاصر إنّما ضمّت، في دفعاتها الأولى، نزلاء سجون من إنكلترا عبروا الأطلسيّ قاصدين «العالم الجديد». وقبل ذاك، في القرن الثاني عشر، كان لاجئون إنكليز هاربون إلى فرنسا من طغيان مليكهم، هم مَن أنتج «ماغنا كارتا» التي وُلد معها المفهوم القانونيّ للإنسان، وأولى وثائق حقوقه.

وقد يقال بحقّ إنّ العالم تغيّر، فانتهى زمن السيبة ونشأت الدول كما رُسمت لها حدود، فيما توضع الموازنات تبعاً لعدد محدّد من السكّان وطالبي العمل. لكنْ يقال أيضاً بحقّ إنّ السيادات الوطنيّة تتراجع، لا اقتصاديّاً فحسب، بل أساساً في مسوّغها الإنسانيّ والأخلاقيّ، بينما تتكاثر المسائل التي تستدعي لحلّها تضافر الجهود العابرة للدول والقوميّات.

وعلى أيّة حال، إذا صحّ أنّ الاستعدادات الغربيّة تتسارع لشنّ حرب برّيّة على «داعش»، فهذا ما يضيف الإلحاح إلى الضرورة في ما خصّ التعامل مع النازحين، بحيث يترافق ما يؤخذ من «مسلمي داعش» مع ما يُعطى لـ «مسلمي» النزوح. أمّا المكاسب التي تحرزها «الجبهة الوطنيّة» في انتخابات المناطق في فرنسا، وبعض الأخبار المتناثرة عن تعاظم قوّة اليمين الأوروبيّ المتطرّف، فلا توحي بهذه الوجهة بتاتاً.

فإذا كان الفارق بين ظاهرتي «داعش» والنازحين يخطّىء، مرّة أخرى، نظريّات «صراع الحضارات»، فإنّ مواقف وتحوّلات غربيّة كهذه تصادق على هذه النظريّات الخرقاء على نحو يريده «داعش» ويخشاه اللاجئون.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» واللاجئون و الغرب «داعش» واللاجئون و الغرب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia