بعد تونس إنجاز لليمن

بعد تونس: إنجاز لليمن؟

بعد تونس: إنجاز لليمن؟

 تونس اليوم -

بعد تونس إنجاز لليمن

حازم صاغيّة

ليس من الصعب العثور على مبرّرات سلبيّة لثورات «الربيع العربيّ». يتصدّر تلك المبرّرات أنّ الأنظمة التي تساقطت كان ينبغي أن تتساقط. فهي لم توفّر الحرّية ولا وفّرت الخبز فيما انتزعت من مواطنيها حقوق المواطنيّة وما ينجرّ عنها من كرامة وإحساس بالذات. أمّا العثور على مبرّرات إيجابيّة للثورات فيبدو أصعب. ذاك أنّ الارتداد الذي شهدته مصر، والتناحر الأهليّ الذي ساد المشهدين الليبيّ واليمنيّ، واصطباغ الثورة بحرب أهليّة وأزمة إقليميّة في سوريّة، وصعود قوى تكفيريّة هنا وهناك، أضعفت تلك المبرّرات، كما أتاحت لمن هم ضدّ الثورات، أصلاً وفصلاً، حججاً يتذرّعون بها لتعزيز وقوفهم مع الأمر الواقع. على هذا النحو، بدا الحال إلى أن ظهر الدستور الجديد في تونس، وربّما كان ما يفوق الدستور أهميّةً ذاك المناخ السياسيّ الذي أحاط بظهوره. فالتونسيّون نجحوا في تحكيم السياسة ومؤسّساتها بخلافاتهم. إسلاميّوهم حُملوا على إبداء مرونة لم تكن متوقّعة فيهم، وخصوم الإسلاميّين تمكّنوا من استئناف نضال مدنيّ قوّم عمليّة الانتقال إلى الديموقراطيّة، بينما استُبعد تماماً أيّ «حلّ» عسكريّ ليس الجيش مهيّأ له أصلاً ولا المجتمع قادراً على احتماله. لقد بدا، مع تونس، أنّ الثمار بدأت تظهر، وأنّ ثمّة مبرّرات إيجابيّة أيضاً للثورات. الآن، ربّما كنّا أمام مساهمة أخرى من اليمن. فكما بات معروفاً، أُقرّ تفريع الدولة اليمنيّة إلى ستّة أقاليم، على أن تكون صنعاء مدينة اتّحاديّة غير خاضعة لسلطة أيٍّ من الأقاليم. ووفقاً للسلطة الجديدة، روعيت اعتبارات أساسيّة في هذا التصوّر، كاعتماد معايير القوّة الاقتصاديّة، والترابط الجغرافيّ، والحدّ من سيطرة إقليم على آخر عبر إجراءات كالمداورة في رئاسة المجلس التشريعيّ. لقد وصل اليمنيّون إلى مسوّدة هذا الحلّ بعد تجارب مُرّة كان آخرها اشتباكات مدينة أرحب، شمال شرقي صنعاء، التي امتدّت لأسابيع وحصدت عشرات القتلى. وما هو أبعد من ذلك توحيد ما لا يُوحّد بسبب افتراق في التاريخ والمصالح والثقافة والرؤى، خصوصاً في ما بين الشمال والجنوب اللذين طحنتهما، قبل عشرين سنة فحسب، حرب ضروس في ما بينهما. وعلى امتداد عهد علي عبدالله صالح، كان يصار إلى كبت التناقضات التكوينيّة عبر مركزيّة صارمة لا تقدّم تنازلاتها إلاّ لزعماء العشائر الكبرى!، فيما تعبّد المركزيّة طريق الفساد المستشري الذي يُصوّر تحدّيه كتحدٍّ للوطن ووحدته! في هذا المعنى، غدا كسر الطابع المركزيّ للدولة المهمّةَ الأولى لثورة تطرح على نفسها وضع حدّ للاستبداد والتمهيد للديموقراطيّة. فإذا كانت الصيغة المركزيّة من نتاجات الاستبداد، فإنّها حكماً تزيده عتوّاً فيما ترفعه إلى سويّة التماهي مع الوطن. صحيح أنّ جنوبيّي «الحزب الاشتراكيّ» والحوثيّين يملكون تحفّظاتهم الجدّيّة عن المشروع الجديد، وربّما حملت تلك التحفّظات وجاهة تقضي بعدم تجاهلها. ولنا، هنا، أن نتوقّف عند المطلب المشروع للجنوبيّين، ومفاده إجراء استفتاء حول تقرير المصير. بل ربّما عُدّلت صيغة الأقاليم نفسها على نحو يأتي أشدّ ملاءمة لواقع الحال. فقد يكتشف اليمنيّون، الذين طال احتقانهم تحت وطأة الاستبداد المركزيّ، أنّ الفيديراليّة نفسها ما عادت تلبّي طموحاتهم. كذلك لا يُستبعد أن يندرج اليمن في المستقبل القريب في نزاع جدّيّ آخر لحلّ التناقض بين المعروض والمطلوب. لكنّ المسائل الحقيقيّة وُضعت على الطاولة من دون تكاذب «الأخوّة» و «القوميّة»، والنقاش، في الحالات جميعاً، انتقل من: كيف نحكّم الدولة المركزيّة برقاب السكّان وتعدّدهم، إلى: كيف نفكّك الدولة المركزيّة ونتيح لهذا التعدّد أن يزهر ويزدهر. وهذا مكسب لم يكن توقّعه متاحاً لولا الثورات. وما يصحّ في اليمن يصحّ في معظم دول المنطقة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد تونس إنجاز لليمن بعد تونس إنجاز لليمن



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia