فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف

فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف!

فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف!

 تونس اليوم -

فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف

بقلم : حازم صاغية

يسكن النظريّةَ المناهضة للتطبيع مخلوق غير ديموقراطيّ، بل عميق في استبداده: لا تصالحهم، لا تصافحهم، لا تحدّثهم، لا تترجمهم، لا تؤاكلهم، لا تشاربهم، لا تسمعهم إلخ...

وهو منطق يحاذي الوعي الدينيّ ممثّلاً في وصاياه العشر، مع ما يفترضه من قصور في البشر، وحاجة إلى معلّم يهدي إلى صحيح السلوك وإلى الخطأ المودي بأهله إلى النار.

إلاّ أنّه أيضاً يحاذي الوعي الدمويّ والقرابيّ: فبما أنّ الدعوة موجّهة إلينا كعرب، وبما أنّنا مُطالَبون كلّنا بموقف واحد في القطيعة، فهذا ما يدرجها في خانة القَبَليّة، بمعناها الدقيق. فنحن علينا «كلّنا»، وقد تساوينا في الموقف والنيّة والإرادة والذوق، أن نقف في مواجهة «كلّهم». والانقسام شامل ومطلق يتعدّى السياسة: فالكلام معهم ممنوع ولو في شؤون الطبخ أو في رصد العوامل المناخيّة في حوض المتوسّط.

والحال أنّ المسألة لم تكن على هذين القبليّة والإغلاق إبّان ذروة الصراع في الستينات، وإن أسّست تلك الحقبة لماهويّة الصراع المفترضة. لكنّ عناصر ثلاثة على الأقلّ جعلتها هكذا: فقد صعد الثقافيّ (هويّة، استشراق...) على حساب السياسيّ والاقتصاديّ (حدود، دول، إمبرياليّة، تنمية...)، فيما تزايد وزن الوعي الإسلامويّ في مُجمّع الوعي المناهض للصهيونيّة (والإسلاميّون أكثر من ترجم برداءة أعمال اللاساميّة الأوروبيّة)، وأخيراً، وفي لبنان وسوريّة تحديداً، حصل تلاقح غير مسبوق مع نظريات القوميّين السوريّين (مساواة اليهوديّة والصهيونيّة، الخصوم هم «يهود الداخل»، «حرب وجود لا حرب حدود»...).

ما يتعدّى الأسباب والمقدّمات، وهنا مأساة الوعي المناهض للتطبيع ومأساتنا معه، أنّ نهجه في مكافحة إسرائيل هو تعريفاً النهج الذي قوّاها علينا وجعل الفوارق فلكيّة. فبالاستبداد والطائفيّة، وهي أخت القَبَليّة، صارت بلداننا مسارح لحروب أهليّة، تعجّ بالجماعات المتناحرة وتفتقر إلى الشعوب والدول. وبالاستبداد والقَبَليّة يراد أن نمضي في مكافحة التطبيع مع إسرائيل. ولئن كانت النزاعات الطائفيّة ما طرد موضوع فلسطين من اهتمامات بلدان فاضت عليها شواغلها، فمناهضو التطبيع يريدون إثارة اهتمامنا بفلسطين عبر تحريك القبَليّة نفسها التي أوصلتنا إلى الحالة الراهنة.

ولشديد الأسف، باتت إسرائيل قويّة ومطمئنة على نحو لا يحوجها إلى الالتفات صوبنا. صحيح أنّ المقاطعة تزعجها في أوروبا، لكنّه إزعاج لا يرقى بتاتاً إلى خطر وجوديّ ما دامت القضيّة الأمّ نفسها تعاني الضمور الذي تعانيه. ولربّما صحّت هنا الدعابة المعروفة: العمليّة الجراحيّة نجحت لكنّ المريض مات.

والمسألة لا تخلو من تعقيد إضافيّ. ففي مراجعته كتاب ضابط «الموساد» يوسي ألفِر «المحيط: بحث إسرائيل عن شركاء شرق أوسطيّين»، يكتب ناثان ثرال في «لندن ريفيو أوف بوكس» (http://www.lrb.co.uk/v37/n21/nathan-thrall/along-the-divide)

«بغضّ النظر عن الضجيج الكثير حول عزلة إسرائيل الدولية، فتجارتها مع أوروبا في تزايد أيضاً، وهي تبقى على رأس قائمة مصدّري الأسلحة في العالم. ومع اكتشاف احتياطات كبرى من الغاز الطبيعيّ، أصبحت إسرائيل مُصدّراً للطاقة التي تخطّط لبيعها إلى الدول العربيّة. ووفقاً لما تذكره دائماً الحكومة الإسرائيليّة كلّما تعاظم التوتّر الأوروبيّ-الإسرائيليّ حول مستوطنات الضفّة الغربيّة، فعلاقاتها تنمو مع الصين والهند، لا بل بدأت الهند تدعمها في الأمم المتّحدة».

وهذه الصفعات على وجوهنا تعزّزها الوقائع المعروفة عن انقسام السلطة الفلسطينيّة سلطتين، ووجود بعض أسوأ النخب العربيّة على رأس السلطتين معاً. ويُستحسن هنا ألاّ تسكرنا رصاصتا رشّاش أو طعنة يائسة بسكّين مطبخ.

فحال المسألة الفلسطينيّة بلغت من السوء أنّ الأشدّ حماسة لها لا يجرأون على قول كلمة بحقّ السيّد بوتين، حليف إسرائيل وضامنها، لأنّه يقاتل معهم في سوريّة. لكنّ الشجاعة تستعرض نفسها ضدّ الأديب الفرنسيّ، اللبنانيّ الأصل، أمين معلوف لأنّه تحدّث إلى قناة إسرائيليّة في... الأدب!

وبين انكماش سياسيّ تعيشه القضيّة وانتفاخ ثقافيّ يستعرضه متطوّعوها، ثمّة شيء مَرَضيّ جدّاً هو ما يضع أمين معلوف حيث يجب أن يحلّ بوتين. فمعلوف، في أغلب الظنّ، ليس هو من يقف حائلاً دون تحرير فلسطين.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف



GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 07:47 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم

GMT 08:18 2021 الأحد ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء العصبيّة التي نرزح تحت وطأتها...

GMT 07:51 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تتغيّر سوريّا و«تعتدل»؟

GMT 08:13 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان الـ 2021 غير لبنان الـ 89

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia