ما الذي يفوز إذا فاز ترامب

ما الذي يفوز إذا فاز ترامب؟

ما الذي يفوز إذا فاز ترامب؟

 تونس اليوم -

ما الذي يفوز إذا فاز ترامب

بقلم : حازم صاغية

بعد أيّام ثلاثة قد يجد العالم نفسه أمام احتمال انفراج كبير. هذا إذا فازت هيلاري كلينتون برئاسة الولايات المتّحدة التي هي، بمعنى ما، رئاسة العالم. لكنّه قد يجد نفسه أمام محنة كبرى، في ما لو فاز منافسها دونالد ترامب.

يكفي، لتقدير حجم هذه المحنة، أن نؤصّل الترامبيّة، مستعيدين المحطّات التأسيسيّة الكبرى في ما قبل تاريخها، والتي توّجت نفسها فيها. بهذا نستطيع تبيّن ما يمثّله المرشّح الجمهوريّ للرئاسة بوصفه عصارة عداء متراكم للعقل وللحرّيّة وللمساواة وللتقدّم وللمصلحة في وقت واحد.

فالمحطّة الأولى في المسار الموصل إلى ترامب تتمثّل في مناهضة «النيوديل» والروزفلتيّة بوصفهما حلاً للأزمة الاقتصاديّة عبر توزيع المسؤوليّة عنها في شكل عادل، أي عدم الاقتصار على تحميل الفئات الأفقر وحدها أكلاف العلاج. والمحطّة هذه يرمز إليها روبرت تافت، أحد الزعماء الشعبويّين في هوامش الحزب الجمهوريّ ما بين الثلاثينات والخمسينات.

وتتجسّد المحطّة الثانية في جورج والاّس، وهو أيضاً سياسيّ هامشيّ وشعبويّ إنّما صعد في الحزب الديموقراطيّ، قبل أن يتحوّل الديموقراطيّون في الستينات إلى حزب المساواة العرقيّة فينتقل عنصريّوهم الجنوبيّون إلى الحزب الجمهوريّ. لقد ارتبط اسم والاّس بالفصل العرقيّ بين البيض والسود، وبتأسيس دعوة الارتداد إلى كونفيدراليّة الجنوب السابقة على الحرب الأهليّة في القرن التاسع عشر.

أمّا المحطّة الثالثة الكبرى فتتمثّل في جوزف مكارثي، ذاك السناتور الجمهوريّ الذي ذاع اسمه بوصفه المرادف، الكونيّ واللغويّ في آن معاً، لقمع الثقافة والفنون والسينما بحجّة مكافحة الشيوعيّة.

وترتبط المحطّة الرابعة بباري غولدووتر الذي أثار ترشُّحه عن الجمهوريّين في 1964 أوسع المخاوف من احتمال استخدامه السلاح النوويّ لحسم صراع الحرب الباردة مع الاتّحاد السوفياتيّ السابق.

ولئن صُنّف ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان حليفين مشروطين للحركات المتطرّفة هذه، يتقاطعان معها في بعض حلقاتها، فإنّهما لم يُعتبرا أصليّين فيها، كما أصابتهما شكوك رموزها وحذرهم نتيجة صدورهما عن «التيّار العريض» وما يُمليه ذلك من «اعتدال» غير محمود. أمّا اليمين الإنجيليّ فهو الآخر اعتُبر حليفاً انتخابيّاً، إلاّ أنّه ظلّ متمايزاً بفعل ميله التدخّليّ والتوجيهيّ في الحيّز التربويّ-الأخلاقيّ، وهو ما استكثره، مُحقّاً، ذاك التيّار على الدولة ودورها.

هكذا أخّرت سنوات نيكسون وريغان، في امتصاصها الظاهرات الجمهوريّة الأكثر تطرّفاً، ظهور المحطّة الخامسة حتّى 2009، حين تشكّلت جماعة «حركة الشاي» التي تعدّت الهامش الجمهوريّ إلى المتن الحزبيّ، وكانت إشارة أخرى إلى النضاليّة اليمينيّة المتجذّرة وإلى ازديادها قوّةً وانتشاراً بين الفقراء البيض.

في هذه الغضون، أطلق عهدا جورج دبليو بوش (2000-2008) هامشاً جمهوريّاً مختلفاً هو «المحافظون الجدد»، ممّن تنعدم علاقتهم باليمين الذي نتناوله هنا: فهم نخبة من المثقّفين، لا تيّار في الحزب. وهم تدخّليّون في السياسة الخارجيّة، وليسوا انعزاليّين، تمرّدوا على «السياسات الواقعيّة» كما اتّبعتها «المؤسّسة» الجمهوريّة-الديموقراطيّة وكان هنري كسينجر أبرز رموزها. وهم متمسّكون بـ «الدور الرياديّ» لأميركا في العالم، والذي يعكس، وفقاً لهم، تلاقياً غير مسبوق بين القيم والمصالح. وهم، أخيراً، يرون في الديموقراطيّة الليبراليّة روح ذاك الدور، ضدّاً على التشكيك اليمينيّ الشعبويّ بالديموقراطيّة الليبراليّة. هكذا شمل القوميّون بأهاجيهم رموز «المحافظين الجدد» واتّهموهم الاتّهام الشائع والمبتذل: ليبراليّون نخبويّون.

في الأحوال كافّة، تغيّرت التسميات التي تصف المحطّات السابقة على الترامبيّة والممهّدة لها، من «محافظة عتيقة» إلى «ليبرتاريّة» إلى «يمين بديل»، إلاّ أنّ القوميّة العدوانيّة البيضاء لم تتغيّر، هي التي حضنت ديفيد ديوك، أحد زعماء الكوكلوكس كلان، ورعت دعوات إلى رفض المساواة بين الأبيض والأسود، وبين الرجل والمرأة.

ومُجمّع الأوساخ هذه هو ما بات يُسمّى دونالد ترامب، الذي أضاف إليه نكهته الشخصيّة المريضة والعفنة. فإذا فاز في انتخابات الثلاثاء، فاز مُجمّع أوساخ سوف يفيض على عالم تكفيه أوساخه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الذي يفوز إذا فاز ترامب ما الذي يفوز إذا فاز ترامب



GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 07:47 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم

GMT 08:18 2021 الأحد ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء العصبيّة التي نرزح تحت وطأتها...

GMT 07:51 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تتغيّر سوريّا و«تعتدل»؟

GMT 08:13 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان الـ 2021 غير لبنان الـ 89

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia