لبنان الجنبلاطيّة المعمّمة

لبنان: الجنبلاطيّة المعمّمة

لبنان: الجنبلاطيّة المعمّمة

 تونس اليوم -

لبنان الجنبلاطيّة المعمّمة

بقلم : حازم صاغية

اكتسب الزعيم الدرزيّ وليد جنبلاط صفة لم يَنفِها عن نفسه. فهو يتقلّب وينتقل بسرعة فائقة من موقف إلى نقيضه، وهو مستعدّ أن يستعير لكلّ موقف «أفكاراً» ونُتفاً أيديولوجيّة تلائمه، خصوصاً وقد تخلّص منذ بداياته السياسيّة من القيود التي تعيق سيولة المواقف، شأن «الحركة الوطنيّة» التي تزعّمها والده كمال في ظروف مختلفة.

وهذا ربّما كان بعض مردّه إلى شخصيّة جنبلاط، لكنّ المؤكّد أنّ سببه الأوّل والأهمّ كامن في حجم الطائفة الدرزيّة التي يتزعّمها، وما ينجرّ عن ذلك من موقع صعب في توازنات الطوائف، يزيده صعوبةً التوزّع الجغرافيّ للطائفة المذكورة على دول المنطقة.

لكنْ إذا أمعنّا النظر في سياسات قادة الطوائف الأخرى منذ عشر سنوات، وجدنا أنّ الجنبلاطيّة غدت حالة معمّمة. صحيح أنّ الأجسام الأثقل وزناً لهذه الطوائف، تبعاً لأحجامها، تجعل الانتقال بها من مكان إلى آخر مهمّةً أعقد، كما تستلزم أوقاتاً أطول.

 وصحيح أيضاً أنّ طبيعة العلاقة بين التابع والمتبوع تسهّل عمل جنبلاط قياساً بمعظم الزعامات الأخرى. مع هذا، يبقى «القانون» إيّاه سارياً لا يتغيّر.

فالطائفة السنّيّة انتقلت، في ظلّ سعد الحريري، من عداء مطلق مع نظام الأسد، إلى زيارة زعيم الطائفة دمشق في محاولة للتصالح، ثمّ إلى العداء مجدّداً. وقد سبق التقلّبُ ذو الدوافع الإقليميّة التقلّبَ في الخيارات الرئاسيّة، فوقع الخيار الأوّل للحريري على عدوّه سليمان فرنجيّة، وقد يقع اليوم على ميشال عون الذي لا يقلّ عنه عداوة.

أمّا الطائفة الشيعيّة، في ظلّ «حزب الله»، فشهدت تحوّلاً أكبر كثيراً نقلها من اعتبار الصراع مع إسرائيل، وهو علّة الوجود المفترضة، أولويّةً مطلقة، إلى اعتبار الحرب في سوريّة الأولويّة المطلقة. قبل ذلك أمكن للحزب أن «يتفاهم» مع ميشال عون الذي كانت أجواء الحزب وأجواء أصدقائه تتّهمه بما لا يقلّ عن الخيانة والعمالة. ويغلب الظنّ أنّ الحزب يتّبع اليوم سياسة مزدوجة حيال الأخير، واحدة كلاميّة ترشّحه للرئاسة وأخرى فعليّة تعيق وصوله باستخدام حاجز نبيه برّي.

وما يصحّ في الطائفة الشيعيّة يصحّ، على نحو مقلوب، في الطائفة المارونيّة في ظلّ ميشال عون. فهنا أيضاً جاء «التفاهم» مع «حزب الله» مسبوقاً باعتبار الحزب عميلاً للاحتلال السوريّ، فيما كانت أوساط الحزب وحلفائه تتّهم العونيّين الناشطين في الولايات المتّحدة بالتبعيّة للوبيات الصهيونيّة. وقد تعرّض الموارنة، في ظلّ القيادة العونيّة، لانقلاب هائل طال المعاني السياسيّة كلّها تقريباً، من أميركا وإسرائيل إلى سوريّة وإيران.

بمعنى آخر، إذا كان الضعفُ الذاتيّ المصدرَ الذي يفسّر التقلّب الجنبلاطيّ، فإنّ تقلّبات باقي الطوائف تنمّ عن «درزنتها» واحدة بعد الأخرى. فهي كلّها ضعيفة بغضّ النظر عن الأعداد. وحتّى «حزب الله» القويّ كثيراً علينا، إنّما يستمدّ قوّته هذه من مجرّد كونه أداة إقليميّة مطيعة ومطواعة.

وقد يقال إنّ ساسة لبنان الحديث لم يُعرفوا بأنّهم مراجع تقليد في المبدئيّة السياسيّة. مع هذا، كان سياسيّو ما قبل الطائف، وخصوصاً ما قبل حرب السنتين، قابلين للتعريف بألوان يتّسم بها معظم سياساتهم الداخليّة وتحالفاتهم الإقليميّة. يصحّ هذا في رشيد كرامي وصائب سلام وكمال جنبلاط، كما في كميل شمعون وفؤاد شهاب وبيار الجميّل. وهو شيء صار من الماضي تماماً، كما صار لبنان.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الجنبلاطيّة المعمّمة لبنان الجنبلاطيّة المعمّمة



GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 07:47 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم

GMT 08:18 2021 الأحد ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء العصبيّة التي نرزح تحت وطأتها...

GMT 07:51 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تتغيّر سوريّا و«تعتدل»؟

GMT 08:13 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان الـ 2021 غير لبنان الـ 89

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia