قوّة الأكراد السوريّين وضعفهم

قوّة الأكراد السوريّين وضعفهم

قوّة الأكراد السوريّين وضعفهم

 تونس اليوم -

قوّة الأكراد السوريّين وضعفهم

بقلم : حازم صاغية

هل المنطقة التي ستنهض الفيديراليّة الجديدة عليها هي «غرب كردستان»، أم أنّها «شمال سورية»؟ هذا السؤال ليس من قبيل الشطارة أو المماحكة اللفظيّين، بل هو مدخل لفهم المشروع الكردي في سورية بإمكاناته وتناقضاته. ذاك أنّ مَن لا يحتمل مركزيّة الدولة الوطنيّة السوريّة، وهو مُحقّ في عدم احتماله، لا يسعه أن يكون، في الوقت عينه، قوميّاً، يطمح إلى تجاوز الحدود السوريّة والعراقيّة والتركيّة والإيرانيّة!

يقود هذا المدخل إلى عناوين ثلاثة تضيء على مصادر الضعف في الخطوة الفيديراليّة الأخيرة. أوّل تلك العناوين يطاول علاقة حزب الاتحاد الكرديّ السوريّ بحزب العمّال الكردستاني التركي، والتي لن يفعل استمرارها غير تعقيد المشروع الجديد وتظهير احتمالاته غير المشجّعة.

أمّا ثانيها الذي لا يقلّ أهميّة، فيتّصل بالعلاقة بين أكراد الفيديراليّة وإثنيّاتها غير الكرديّة، لا سيّما العربيّة منها التي طالها تطهير عرقيّ لا يزال الأكراد الذين تعاونوا مع سلطة بشّار الأسد مطالَبين بالإقرار به والاعتذار عنه. فمن هنا تحديداً، يمكن البدء برأب الصدع القائم بين فيديراليّة تكون المنطقة الجغرافيّة قاعدتها وأساسها، وأخرى تعتمد المكوّنات الإثنيّة أساساً لها.

أمّا العنوان الثالث فمداره القدرة على طمأنة الجار الشماليّ التركيّ إلى تواضع المشروع الجديد وانفكاكه عن أوهام قوميّة عابرة للحدود. وقد يقال إنّ طمأنة أردوغان صعبة، إن لم تكن مستحيلة، هو الذي يتحوّل عداؤه للأكراد محرّكاً أوّل لسياساته الحاقدة. إلاّ أنّ من الأوهام افتراض النجاح لفيديراليّة كرديّة ينظر إليها الأتراك بأعين محمرّة. وهو درس سبق أن تعلّمه وأجاده مسعود بارزاني في شمال العراق، ويُفترض بأكراد سوريّة أن يبدعوا طريقتهم الخاصّة في الإفادة منه.

والحال، وهذا ليس خبراً جيّداً للمشروع الجديد، أنّه لا توجد أمثلة كثيرة عن بلدان كانت موحّدة ثمّ انتقلت بنجاح إلى الفيديراليّة. أمّا ألمانيا الفيديراليّة، أنجح تلك النماذج قاطبة، ففرضها الاحتلال الغربيّ الذي أعقب الحرب العالميّة الثانية. وهذا النقص في التجارب يستدعي الكثير من إعمال الخيال وعدم الاتّكال على الحماسة والمبادرة الذاتيّة وحدها.

من ناحية أخرى، فإنّ المنطقة التي أُعلنت فيها الفيديراليّة غنيّة نسبيّاً، نفطاً وغازاً وثروة مائيّة وزراعيّة. وهي في ولادتها لا تترك وراءها إلاّ جثّة هرمة ومتداعية، جثّةً لم تعرف من الوحدة إلاّ التوحيد السلطويّ والفوقيّ. وغنيّ عن القول إنّ سورية المركزيّة تلك ليست موضع إغراء لأحد، خصوصاً الأكراد الذين خضعوا فيها لتاريخ من التهميش في عداده الحرمان من الجنسيّة، والعيش في دولة «عربيّة» جعلتها عروبتها تتخلّف حتّى عن الدستور الستالينيّ الذي أعلن الاتّحاد السوفياتي دولة فيديراليّة!

وعلى رغم بعض التضارب الذي تعكسه أقوال وتصريحات تصدر عن رسميّين غربيّين وروس، ليس من الصعب تبيّن ذاك التوافق الدوليّ على أكراد سورية، ليس فقط بوصفهم الخصوم المباشرين لـ «داعش»، بل بوصفهم أيضاً مسرح التجريب الأوّل المتاح لشرق أوسط مطروحة خرائطه على المراجعة.

وهذا، فضلاً عن أهميّته العمليّة لكلّ صاحب مشروع سياسيّ، يدلّ على الورقة الأقوى في يد الأكراد السوريّين، أي ورقة الرهان على الوجهة الصاعدة لما بعد انهيار الدول المركزيّة في المنطقة. يحصل ذلك فيما لا تزال الأصوات العربيّة الأقوى تردّد تلك العبارة السقيمة والمتهرّئة من أنّ كلّ فيديراليّة تقسيم، وكلّ تقسيم طبعاً إسرائيليّ، والعياذ بالله!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قوّة الأكراد السوريّين وضعفهم قوّة الأكراد السوريّين وضعفهم



GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 07:47 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم

GMT 08:18 2021 الأحد ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء العصبيّة التي نرزح تحت وطأتها...

GMT 07:51 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تتغيّر سوريّا و«تعتدل»؟

GMT 08:13 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان الـ 2021 غير لبنان الـ 89

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia