غزّة وحربنا الأهليّة هنا أيضاً

غزّة وحربنا الأهليّة هنا أيضاً

غزّة وحربنا الأهليّة هنا أيضاً

 تونس اليوم -

غزّة وحربنا الأهليّة هنا أيضاً

حازم صاغية

يضجّ المشرق العربيّ بالصراخ الجريح: هناك من يصرخ: سوريّة، ومن يصرخ: غزّة، ومن يصرخ: الموصل. وكلّ صارخ يلوم الرأي العامّ والإعلام الغربيّين على تقليلهما من شأن القضيّة التي يحمل. لكنْ في معظم الحالات، وليس في كلّها، يتلوّن الصراخ عندنا بلون صاحبه الدينيّ أو الطائفيّ أو الإثنيّ. صحيحٌ أنّ صرختين تتقاطعان أحياناً في صوت واحد، إلاّ أنّ موضع التركيز والأولويّة قليلاً ما يختفي. لكنّ المؤكّد أنّ الحذلقة الحسنة النيّة التي كان لا يزال يمكن سماعها قبل عشر سنوات، كالجمع والتركيب مثلاً بين الوطنيّ و»القوميّ» (مرموزاً إليه بغزّة) والاجتماعيّ والديموقراطيّ (بالموصل)، لم يعد يتّسع لها المكان. هذه صارت اليوم وعظاً محضاً.
لكنْ، إلى ذلك، ثمّة في الموضوع الواحد مواضيع ومستويات لا يخفى التضارب، بل التناقض، في ما بينها. فهناك من هو مع غزّة، ومن هو مع حركة «حماس»، ومن هو مع فلسطين وفقاً لتأويل معيّن لها.
وإذا كان الثلاثة يتّفقون في وصف الوحشيّة الإسرائيليّة، وفي إبداء الرغبة المبدئيّة في التخلّص من احتلال الدولة العبريّة والاستيطان اليهوديّ، فإنّهم يختلفون في ما تبقّى، وهو ليس في حال من الأحوال مجرّد تفاصيل.
فالذي يؤيّد غزّة والغزيّين يريد، إلى جانب وقف الحرب ووضع حدّ للمأساة الإنسانيّة المتمادية، إنهاء عزلة القطاع المحاصَر برّاً وبحراً، وتثمير خطوة كهذه في مشروع وطنيّ فلسطينيّ يُنهي الاحتلال الإسرائيليّ ويفضي إلى نشأة الدولة الفلسطينيّة. وهذا ما يتعارض تعريفاً مع سياسات «حماس» التي تهندسها صواريخ بلا سياسة، من دون أن يكون واضحاً لأيّ كان ما هي السياسات البديل الممكنة لخدمة غرض كهذا.
في المقابل، فالذي يؤيّد «حماس» يمنح أولويّته للمقاومة وصواريخها، وليس لاجتناب الكارثة الإنسانيّة، أو لإنعاش التسوية السياسيّة. بل على العكس تماماً، توضع سياسة الصواريخ في مقابل السياسة، فيما يفاقم التقابلَ بينهما درجة بعيدة من الاختراق الإقليميّ لـ «حماس» وما تقدم عليه. ذاك أنّ العنصر التركيّ – القطريّ صار جزءا لا يتجزّأ من المجابهة الدائرة.
وإذ تختبىء في الخلاف بين مؤيّد غزّة ومؤيّد «حماس» أسباب وجيهة لحرب أهليّة، يحضر مؤيّد فلسطين من النهر إلى البحر، والذي لا يرى بديلاً عن «التحرير» الكامل، حاملاً برنامجه الكارثيّ: كيف يحصد الفلسطينيّون، ومن قد يؤازرهم من العرب، الهزائم التي سبق أن حصدوها منذ 1948. وهنا يُضرب بألفٍ تجاهل السياسة وتجاهل الكلفة البشريّة معاً، وذلك على نطاق يتعدّى فلسطين إلى جوارها المباشر. وبالطبع، فإنّ راديكاليّة هؤلاء الذين يدينون التفريط أو نقص الوطنيّة عند مؤيّدي غزّة ومؤيّدي «حماس»، لا تقود إلاّ إلى الحرب الأهليّة المشتهاة.
ولا يخلو الأمر من مداخلات تتعدّد مقدّماتها، تنطلق من غزّة أو تهبّ عليها من خارجها. هكذا مثلاً، ومن قلب إسرائيل، يهاجم الشيخ رائد صلاح، رئيس «الحركة الإسلاميّة»، أمينَ عام «حزب الله»، السيّد حسن نصر الله، إذ «لن يحرّر فلسطين من يشتم فاتحها عمر بن الخطّاب». وهو طبعاً ما لم يفعله نصر الله، إلاّ أنّ مناخ الانقسام السنّيّ – الشيعيّ يتيح للشيخ السنّيّ أن ينسبه إلى السيّد الشيعيّ.
وعلى العموم، لا يتوحّد الموقف من غزّة والحرب عليها إلاّ في مقدّمة النشرات الإخباريّة التي بثّتها قبل أيّام تلفزيونات لبنانيّة نصفها يقيم في السلام البارد ونصفها الآخر في الحرب الأهليّة.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزّة وحربنا الأهليّة هنا أيضاً غزّة وحربنا الأهليّة هنا أيضاً



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia