جنيف السوريّة وحدود المقاومة

جنيف السوريّة وحدود المقاومة

جنيف السوريّة وحدود المقاومة

 تونس اليوم -

جنيف السوريّة وحدود المقاومة

حازم صاغية

قد تفضي جنيف الحاليّة إلى تسوية سوريّة وقد لا تفضي. إلاّ أنّها، في أغلب الظنّ، بداية مسار سوف ينتهي إلى حلّ ما، حلٍّ يتدرّج فصولاً قد تتدخّل فيها عناصر عدّة، وقد تساهم في تشكيل صورتها النهائيّة سلوكات كثيرة، ومعها قد يُستأنف الصراع بأشكال أخرى.

لكنْ، كائناً ما كان الحال، يبقى أنّ النتائج ستبقى أقلّ من تطلّعات الحقبة الأولى للثورة السوريّة، ولسوف يدور الاختلاف بعد الآن حول درجة السوء الذي تتّصف به النتائج، ومدى القدرة على التحكّم بها أو ضبطها والتخفيف منها.

وهذا ما يجعل موافقة الوطنيّ والديموقراطيّ السوريّ على تسوية كهذه، ناهيك عن مشاركته فيها، أمراً في غاية الصعوبة، يلزمه الكثير من العضّ على الجرح ومن كظم الغيظ. ويبدو، في هذا السياق، ذمّ الدنيا والاعتصام بحبل المظلوميّة إغراء قويّاً.

مع ذلك، لا مهرب من القول إنّ إجماعاً عالميّاً كهذا لا يحول ضعفه الأخلاقيّ والعداليّ دون قوّته الفعليّة ودون كارثيّة النتائج التي تترتّب على التصدّي له.

وإذا صحّ القول إنّ سوريّة تحصد نتائج الدعم الكثيف الروسيّ - الإيرانيّ للأسد، مقابل فتور أوباما وتردّده، ثمّ تواطئه مع الدور الروسيّ - الإيرانيّ، صحّ أيضاً أنّ الكثير ممّا فعله معارضو الأسد المسلّحون لبّى الاستجابة الدوليّة السيّئة وعزّز سوءها.

وفي هذا الإطار راح التنافر يزداد اتّساعاً بين الهمّ الداخليّ والهمّ الكونيّ، فلم تجر محاولات جدّيّة تُذكر للتوفيق بين الهمّين، أي للقول إنّ السوريّين معنيّون بشواغل العالم المدعوّ إلى العناية بشواغلهم. على هذا النحو، ساد التقليل من أهميّة «داعش» وأخواتها ومن خطرها، ونُظر إلى «الحرب على الإرهاب»، التي تستحقّ الكثير من النقد، كأنّها مجرّد لعبة وسخافة يتسلّى بها العالم. حتّى اللجوء الكثيف، الذي راح يخلط أوراق الكثير من السياسات الغربيّة، لم يحظ باهتمام أغنى من ربطه الصحيح، إنّما غير الكافي، بعنف الأسد ونظامه.

وفي النهاية اتّجهت الأمور إلى ترسيم توازن للقوى لا يتيح الكثير لمعارضة مسلّحة باتت سيطرتها على الأرض تتراجع يوماً بيوم. وجعل هذا التوازن يميل تدريجاً إلى الانحصار بين قوّة الأسد وحلفائه وقوّة «داعش»، فيما كانت الثورة تتحلّل إلى ميليشيات وأمراء حرب.

ولئن انفجر، مبكراً نسبيّاً، التنازع مع الأكراد، تولّى السلاح منذ البداية كشف الانشطارات الكبرى في النسيج الوطنيّ. هكذا راحت تتفاقم المعضلة التي مؤدّاها أنّه لا بدّ من السلاح لمواجهة العنف الوحشيّ للنظام، فيما كلّ تعاظم في قوّة السلاح تعاظُمٌ في قوّة الجبهات الإسلامويّة التي لا تملك أيّ أفق وطنيّ سوريّ فيما تستعصي على بناء أيّ جسر مع العالم.

لقد لعب الأسد أوراقه بوحشيّة ومهارة، ولعب معارضوه المسلّحون، وهم حلفاؤه في استنزاف الثورة، أوراقهم بوحشيّة من دون مهارة. بل يجوز القول، استناداً إلى عدميّة «داعش» خصوصاً، أنّ هؤلاء المعارضين لم يكن كسب العالم ولا الانتصار يعنيانهم أصلاً.

وبقوى كهذه وتوازن قوى كذاك، يكاد ينحصر التعويل اليوم على وقف الموت والتدمير وحلّ ما يمكن حلّه من مسائل إنسانيّة، فضلاً عن استخدام الفرص المتاحة، القليلة وذات السقف المنخفض، للعمل السياسيّ. وهذا بشع بما فيه الكفاية، ولا يقبل التجميل، لكنّ بشاعته لم تظهر فجأة وعلى حين غرّة، بل تراكمت سلوكاً بعد سلوك وشهراً بعد شهر. وأهمّ من ذلك أنّ إجماع العالم على خطأ لا يُقاوَم لأنّ مقاومته انتحار وتبديد لإمكانات ينبغي حفظها للمستقبل. ولنتذكّر جميعاً المحنة الفلسطينيّة التي افتُتحت بمقاومة قرار جائر هو تقسيم فلسطين الذي التقت عليه، للمرّة الأولى بعد قيام الأمم المتّحدة، الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفياتيّ وأوروبا الغربيّة!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنيف السوريّة وحدود المقاومة جنيف السوريّة وحدود المقاومة



GMT 02:06 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

حوار يمني… من أجل الحوار

GMT 05:40 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

التنازلات لم تنقذ «جنيف»

GMT 06:00 2016 الإثنين ,19 أيلول / سبتمبر

«اتفاق الكاستيلو»: وداعاً للهدنة و... الحل السياسي

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia