تناقضات البائع الجوّال

تناقضات البائع الجوّال

تناقضات البائع الجوّال

 تونس اليوم -

تناقضات البائع الجوّال

غسان الإمام

تسألني عن رأيي في الاتفاق النووي العجيب. فأحيلك إلى المعلقين الذين لم يقرؤوه. فكلهم علقوا عليه! حالهم كحال الشاعر مع سائلته: تعجبين من سقمي/ صحتي هي العجب! فما من صحيفة تستطيع نشر اتفاق استوعب 159 صفحة. لكن ما من صحيفة إلا ونشرت، بالضرورة، تعليقات كتابها ومعلقيها.

شخصيا لا أستطيع أن أقدم رأيا أو موقفا متكاملا في اتفاق مهم لم أقرأ نصه. وحكمي على الملخصات التي نشرت عنه، يجعل التعليق عليه مجتزأ. وربما ما أغفل منه أشد أهمية وخطرا مما أعلن عنه. وهذه هي مشكلة الإعلام في اختصاره نصوص الاتفاقات والتصريحات الطويلة.

من هنا، أبدي رأيا بتحفظ شديد. فأقول إن حرمان إيران من هيبة دولة مالكة للقنبلة المخيفة أمر مفيد للعرب الذين اعتدت إيران على هيبتهم. لكن الاتفاق، كما يبدو، أبقى التقنية. والوقود. والمفاعلات الضرورية وديعة لدى إيران لإنتاج قنبلتها، ربما بعد عشر سنين. وهي مدة قصيرة جدا في عمر السياسة.

عندما سأل وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، عن رأيه في الاتفاق، أجابه باختصار شديد: «العبرة بالتنفيذ». بمعنى مدى التزام إيران بتطبيق تفاصيل الشروط الفنية الواردة في الاتفاق. وعدم التحايل على بعض البنود التي بقيت غامضة وملتبسة. فالمهم وقف إنتاج الوقود النووي اللازم لصنع القنبلة. والأهم امتناع إيران عن إثارة الصراعات الطائفية. والمذهبية، في العالم العربي.

الواقع أن كل الدول النووية اعتمدت النفي والتعتيم، على مسيرتها النووية المخزية. فهي تعرف أنها تصنع قنبلة ضد أمن وسلام الانسان العادي. انهارت ألمانيا النازية، قبل أن يتمكن علماؤها من إنتاج القنبلة التي كانت ستقلب هزيمة هتلر نصرا. فاستخدمتهم أميركا في مساعدة علمائها في إنتاج القنبلة التي ألقيت على اليابان.

في الحرب الباردة، كان لا بد لروسيا أن تلحق بأميركا في صنع القنبلة. فمات ستالين مطمئنا (1953). الصين استكملت أيضا هيبتها الدولية الرادعة بصنع قنبلة، لم يقدم العم ماو اعتذارا إلى العالم عنها. وانضمت بريطانيا وفرنسا بهدوء ماكر إلى النادي النووي. وكانت الجمهورية الفرنسية الرابعة مسؤولة تاريخيا، عن تزويد اسرائيل بتقنية صنع القنبلة سرا، نكاية بمصر عبد الناصر، لمساعدتها شقيقتها الجزائر، في حرب الاستقلال.

وهكذا، فاسرائيل النووية هي التي أدخلت إيران والمنطقة العربية في الحمّام النووي. وشكرا، لتنظيم «مجاهدي خلق» المتهم بالإرهاب! فقد كان هو الذي فضح محاولة الدولة الدينية صنع قنبلة إبادة جماعية تحرمها الأديان قاطبة.

أي نفاق في هذه الأيادي المرتفعة في طهران إلى السماء ملتمسة بركة الله! فيما يعلن الملا خامنئي الذي أمّ الجميع في عيد الفطر، أنه سوف يواصل دعم بشار وحزب الله. أهلك نظام بشار من السوريين أكثر مما أهلكت قنبلتا هيروشيما وناغازاكي معا من اليابانيين. وها هو «حزب الله» يجرب صواريخه الإيرانية، في إبادة 30 ألف إنسان هم أهالي وأطفال الزبداني المدينة الصيفية المحاصرة، ثم يزعم أنها «الطريق» لتحرير فلسطين!
ثم أي حياد هذا الذي تمارسه حكومة حيدر عبادي العراقية؟! فقد اقترحت، على ضيفها الزائر الوزير كارتر، أن تنسق أميركا، مع حلف جهنمي يضم إيران. والعراق. ونظام بشار. و»حزب الله» ضد «داعش». وكأن «داعش» وحدها التي تمارس الإرهاب في المشرق العربي!

لا أتمنى للوزير كارتر مصير «البائع الجوال» في مسرحية آرثر ميلر الشهيرة. فقد أرسله الرئيس أوباما إلى العرب واسرائيل، لتحسين سمعة الاتفاق النووي الذي عقده مع إيران. اختلفت بضاعة الوزير الجوال من بلد لآخر. فلكسب رضا اسرائيل، وعدم استخدام نفوذها في الكونغرس الأميركي ضد الاتفاق، عرض كارتر منح اسرائيل تقديمات سلاحية استراتيجية مجانا، تضمن لها تعزيز تفوقها النووي على سائر الجيوش في المنطقة.

اسرائيل مهتمة بالحصول على طائرة «إف-35» الأميركية التي لم تدخل بعد مجال الانتاج والتصدير. فهذه الطائرة القادرة على حمل قنابل الأعماق الصالحة لقصف المراكز النووية الإيرانية في الجبال، ستكون بمثابة استكمال للاستراتيجية الهجومية الاسرائيلية، بعد حصولها على غواصة «دولفين» الألمانية القادرة على إطلاق صواريخ نووية اسرائيلية، من مياه بحار مجاورة لإيران.

وإذا كان البائع الأميركي الجوال تعهد فعلا بتقديم هذه البضاعة لنيتنياهو، فمعنى ذلك زيادة الدعم المالي العسكري لاسرائيل بما يفوق ثلاثة مليارات دولار حاليا. هناك الآن سباق تسلح إقليمي في المنطقة. ميزانية الدفاع الاسرائيلية تصل إلى 15 مليار دولار (باستثناء الدعم الأميركي). وهو يوازي مبلغ 16 مليار دولار الذي تنفقه سنويا إيران المفلسة على جيشها النظامي. وميليشيا «الحرس الثوري» الحامية للنظام. والمكرسة لقمع الانتفاضات الشعبية. ثم هناك «فيلق القدس» المكرس لعمليات التخريب و»تصدير الثورة» إلى العالم العربي.

الأرقام الأميركية تدعي أن العرب أنفقوا 130 مليار دولار على دفاعاتهم في العام الماضي. البائع كارتر عرض عليهم بيعهم أسلحة إضافية ضد إيران. بعد الاتفاق النووي، عرض أوباما على العرب حماية أميركا لأمنهم من إيران!

لكنها اسرائيل، وليست إيران، التي ألقمت صواريخها قنابل نووية، لقصف مصر وسورية، عندما اجتاحت القوات المصرية خط بارليف على قناة السويس. وعندما نزلت الدبابات السورية من الجولان إلى الجليل المحتل، في حرب اكتوبر 1973. فأمر الرئيس نيكسون آنذاك بإرسال «كل شيء يطير» لإنقاذ اسرائيل.

في بغداد وكردستان، بدا البائع الأميركي الجوال، وكأنه ليس على علم بالاتفاق «السري» بين أميركا وتركيا الذي قيل إنه يسمح لتركيا بإنشاء منطقة حظر جوي على الحدود داخل سورية، في مقابل السماح للطيران الأميركي بالانطلاق من قاعدة «أنجيرلك» التركية القريبة، لقصف «داعش» وربما «النصرة» في سورية.

التناقض يبلغ الذروة. البائع الجوال يعد مسعود البرزاني بمواصلة دعم الأكراد عسكريا لـ»تحرير» الموصل.
 
فيما يعني الاتفاق السري مع تركيا خوضها حربا مزدوجة ضد «داعش» في سورية. وضد القوات الكردية (المحمية جوا بالطيران الأميركي) المتقدمة على الحدود السورية مع تركيا، بهدف إقامة منطقة حكم ذاتي مستقلة أو تابعة لكردستان العراق، لكنها مرفوضة تركياً.

أكتب هذه الكلمات في «الويك إند». المشهد لم يكتمل بعد. هل ينقذ أوباما سمعة وزير دفاعه الجوال. فينفي الاتفاق السري مع تركيا؟ أم أن الجيش التركي سيعبر الحدود لإقصاء «داعش» والأكراد؟ ويقيم منطقة آمنة للمدنيين العرب والتركمان السوريين الذين بلغ عدد اللاجئين منهم إلى تركيا مليون إنسان؟

إذا فعلت تركيا ذلك، فستكون هي، وليست اسرائيل، التي قدمت عمليا ردا على الاتفاق النووي، متحدية نفوذ إيران ووجودها ومرتزقتها داخل سورية. الوزير المعلم هنأ إيران بالاتفاق النووي. وتكلم واثقا عن «حل سوري» يلغي جنيف الدولية! ويضع سوريا ونظامها تحت وصاية إيران. هذا «المعلم» ستعلو صرخته نواحاً على «السيادة المفقودة»، إذا ما رأى الأقدام العسكرية التركية تدوس كيان «معلمه» الأصلي الذي لم يعرف كيف يصونه ويحميه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تناقضات البائع الجوّال تناقضات البائع الجوّال



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia