قراءات إعلامية بين السطور

قراءات إعلامية بين السطور

قراءات إعلامية بين السطور

 تونس اليوم -

قراءات إعلامية بين السطور

غسان الإمام

ماذا فعلت الانتفاضة بالناس. وبالسياسة. والدين. والصحافة. والتلفزيون. والإنترنت؟
لعبت الانتفاضة بمصير ثمانية أنظمة عربية. فأسقطت أنظمة. فككت أنظمة. قوضت دولا. غيرت تحالفات. صالحت بين الدولة والنظام هنا. بدلت الطبقة السياسية هناك. واستعادت شرائح سياسية قديمة أو تقليدية.

تبنت الانتفاضة في بداياتها الإسلام السياسي. فخطف الإسلام الإخواني مصر من شباب الانتفاضة والإنترنت. وصعد نفوذ الإسلام الشيعي في المشرق. وزاد وزن الإسلام السني في المغرب العربي.

عرفت أميركا كيف تدرب «النهضويين» على اللعبة الديمقراطية. فحكموا تونس. وكيف تصالح إسلام التنمية والعدالة مع دولة «المخزن». تذوق آل كيران حلاوة القرب من الدولة. فصرفوا النظر عن الطموح إلى الانفراد بالسلطة.
توكأت الانتفاضة على عصا الجيش. أنزلوا محمد مرسي من تخت الرئاسة. وأدخلوا شيوخ مكتب الإرشاد القنينة.

كان عسكر تونس ومصر أكثر ذكاء من عسكر سوريا. دمر عسكر الطائفة سوريا. فأبادوا السكان. أتلفوا الزرع. أهلكوا الضرع. وهاجر 14 مليون سوري نازحين. جائعين. محاصرين. فر إخوان سوريا من لعبة الموت لاجئين إلى قطر وتركيا. وخرج إخوان «النهضة» من الباب. وعادوا بمعية علمانية «نداء تونس» من النافذة.
أدرج العم سام «حزب الدعوة» في دفتر الإرهاب. ثم سلمه حكم العراق! توهج «الإسلام الحربي». فخطف «الخليفة» البغدادي سيف المنبر من الإسلام التقليدي والإخواني. راهن «إخوان» العراق على «أسلمة» إدارة باراك حسين أوباما. فسحبت «داعش» من تحتهم بساط السنة.
قصفت الـ«درون» الأميركية أعشاش «داعش». فأعلن الأكراد النصر. حلموا بعشٍ لحكم ذاتي في سوريا. فطردوا منه أصحاب الأرض من عرب وتركمان. أغوتهم السباحة. عبروا نهر الفرات. فأعادتهم تركيا إلى دجلة.

تناسى العراقيون أحزابهم ومذاهبهم. نزلوا إلى الشارع ضد فوضى وفساد الديمقراطية. فكهربوا حكومة حيدر العبادي. كسب العبادي بركة أئمة الأضرحة. فأعلن الحرب. سرح نواب رئيس الجمهورية. فخسر حرب الرمادي. إن أنصف السنة كهرب الشيعة. إن انحاز إلى الشيعة، أدمن أكراد بارزاني براميل نفط كركوك.
عين الحسود فيها عود. فني التراب. وشاب الغراب. وبقيت الدول الخليجية سالمة. نجت ممن هبّ ودبّ. تعلم الخليجيون الطيران. فكسبوا الحرب الجوية المستحيلة. انتصروا في اليمن للشرعية. فقرضت الحوثية سد مأرب. غاصت في وحول البر. فما أتى المدد الإيراني من البحر. هاج حليفها شهريار المخلوع. فأمر فلول جيشه بجلد اليمن السعيد ألف جلدة وجلدة.

ملأت الانتفاضة كؤوس القوميين بدموع الحسرة. فشربوها حتى الثمالة. فلا عرب هنا. ولا عروبة. لا بعث ولا ناصرية. أودع جيل النكبة راية الزحف لدى جيل النكسة. فصنع الجيل الثاني نصف نصر. ونصف هزيمة في حرب أكتوبر (تشرين الأول).
أودع كيسنجر ونيكسون عرب الهزائم لدى «كامب» كارتر. فأعلن رئيس أشبه بقديس، السلام على العرب وإسرائيل. طوبى لكارتر! فقد خسر حرب الرئاسة أمام مرشح قادم من فيلم تقاسم بطولته مع الشمبانزي «بونزو».

انتهت حروب النظام. وبدأت حروب التنظيم. اغتال التنظيم السادات. فصالح مبارك الخليج. وأعاد مصر إلى العرب. استضاف «الأفغان» و«الإخوان» في ليمان طره. فتاب الأولون عن القتل والتكفير. وواصل الآخرون ركوب السياسة. فخطفوا الانتفاضة. أطال النظام الإقامة. فسبقت الثورة الابن الموعود بالوراثة.
في الشام، مات الأب. فورث الابن سوريا وما فوقها وتحتها. حلم المثقفون بالحرية. فكانوا كالأيتام على مائدة اللئام. حالف الابن الكيماوي كسرى. فتمدد فيلق قاسم سليماني من العراق إلى سوريا ولبنان. علق مفتاح القدس في رقبته. فضلَّ الطريق إلى المدينة المقدسة. نسي السوريون عروبتهم. فنكبتهم الطائفية. والمذهبية. والعنصرية. وغزاهم «حزب الله» بحماية البراميل المتفجرة.

هذا ما فعلته الانتفاضة بالسياسة والأنظمة. فماذا فعلت بالثقافة والصحافة؟ يطوف أدونيس أندية المثقفين في عواصم العرب. يحمّل براءة أطفال درعا مسؤولية الثورة على نظام العائلة والطائفة! ترادف أدونيس، من بعيد إلى بعيد، كتيبة من شبيحة الفن. فكسبت مع الفاشي غوار الطوشة الملايين في الخليج ومصر، من دون علم رواد المسرح والسينما، بانتسابها لانتفاضة بشار ضد الثورة.

عرف هيكل كيف يتحول من معلق سياسي إلى مثقف ومفكر ما زال في المقدمة بين المفكرين العرب. لولا أن العمر الذي يقترب بسرعة به من المائة. يأبى عليه الاعتراف بدورة الزمان والمكان التي جعلت الخليج ينتزع من مصر وسوريا موقع الثقل السياسي والمادي. في اللقاء مع هيكل تعطيك بيروقراطيته الانطباع بأنك تستطيع أن تعجب به، أكثر من أن تتعاطف معه.

على عتبة الانتفاضة، استأذن هيكل «بالانصراف». ثم عاد ليظهر في «الجزيرة» مراجعا تاريخ العرب السياسي الحديث. فترك ثغرات لم يراجعه فيها باحث أو مؤرخ. في الانتفاضة، قدم باشا الصحافة المصرية رؤى وحلولا. فما استهوى أحدا. ارتحل. فما وجد في لبنان أن يفعل سوى أن يسبق ظريف إيران إلى زيارة حسن نصر الله في مخبئه. بعد الزيارة، ظهر فقيه الحزب على الشاشة وقد انتفخت أوداجه. وكأنه فرغ لتوه من التهام دجاجة محشوة بالرز المصري.

الجديد في صحافة الانتفاضة تكاثر كتبة التعليق السياسي. في تكلفهم الحياد، انسوا الصحافة واجب لقاء النازحين ليرووا مآسيهم. صحافيو الانتفاضة الفلسطينيون زاروا أسرة الدوابشة المفجوعة التي أحرق المستوطنون اليهود طفلها وأباه وأمه. كف هؤلاء الصحافيون الجدد عن تعامل الصحافة مع الشهداء كأرقام صماء.

في حلبة الانتفاضة، يحلو لقطر منافسة الإعلام السعودي الخارجي، في قدرته على الوصول اليومي إلى صانع القرار العربي. والساسة المحترفين. في هذه المنافسة الحرة، تستخدم قطر هذا الجيل الصحافي الفلسطيني الجديد. يتقدمه «المعلم» عزمي بشارة الذي مر بغربال بشار، قبل أن يستقر آمنا فوق طابع البريد القطري.

يتجاوز صحافيو المعلم بشارة أحيانا، بمهارة، المصلحة القطرية والرقابة السياسية، في تقديم المعلومة والتحليل الإخباري والسياسي. وعدم الاكتفاء بمواصفات الخبر، كما تفعل صحافات مستقلة أو حكومية. بل تجاوزوا زملاءهم اللبنانيين الذين يلامسون قضايا العرب الحساسة، بقفاز من حرير يداري. فلا يدمي. ولا يوجع. باستثناء زميلي وصديقي غسان شربل الذي يؤمن مع زميله ومنافسه الفلسطيني بشارة، بحق الصحافيين المسيحيين العرب، في التعامل مع قضايا العرب بشجاعة الأدب الصحافي، كما فعل يوما الراحل ميشال أبو جودة.

يبقى حزني وخوفي على المعلم بشارة من إصدار صحيفة يقتل نجاحَها اختصاصُها في الهجوم على دولة واحدة فقط، كمصر التي تخوض معركتها المصيرية ضد الإرهاب. ولعل عزمي بشارة يدرك ذلك بغريزته السياسية. فيمتنع عن نشر اسمه كرئيس تحرير لـ«العربي الجديد».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءات إعلامية بين السطور قراءات إعلامية بين السطور



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia