فن تحويل الجيران إلى أعداء

فن تحويل الجيران إلى أعداء

فن تحويل الجيران إلى أعداء

 تونس اليوم -

فن تحويل الجيران إلى أعداء

أمير طاهري

يجب أن تكون أذربيجان، بأي حال من الأحوال، هي أقرب دولة لإيران، حيث ترتبط تلك الجمهورية الصغيرة التي تقع على بحر قزوين ويصل عدد سكانها إلى تسعة ملايين نسمة بعلاقات عرقية وتاريخية ودينية قوية مع الشعب الإيراني. ويتحدث ما يقرب من 80 في المائة من سكان أذربيجان اللغة الأذرية، وهي لغة الطائية ذات مفردات مستمدة من اللغات التركية والفارسية والعربية، مع العلم بأن نحو 12 مليون شخص في خمس محافظات إيرانية يتحدثون أشكالا مختلفة من تلك اللغة. وعلاوة على ذلك، تضم أذربيجان أقليات مثل الأكراد والغوشتاسب تاليش والتات والليزغيين، وجماعات عرقية أخرى ترتبط بعلاقات عائلية بإيرانيين (تشكل الأقليات العرقية واللغوية 22 في المائة من عدد سكان أذربيجان). وكانت المناطق التي تشكل أذربيجان الفعلية والمعروفة باسم أران وشروان ونخجوان تشكل جزءا من إيران على مدى أكثر من 25 قرنا، إلى أن فقدتها إيران في حربين كارثيتين مع روسيا القيصرية في إطار سعيها لتحقيق حلمها بالوصول إلى المياه الدافئة عبر إيران. وبموجب المعاهدات المفروضة على القاجاريين في 1824 و1830، تنازلت إيران عن تلك المناطق للقياصرة. ومع انهيار إمبراطورية القياصرة إثر اندلاع الثورة الروسية في 1917 - 1918، اتحدت تلك المناطق معا لتكون دولة مستقلة، واستمرت تلك التجربة لمدة عامين، قبل أن يرسل لينين جيشا لتلك المنطقة لإعادة التأكيد على الهيمنة الروسية. وبعد ذلك، نقل جوزيف ستالين، بوصفه المفوض لشؤون القوميات، تلك الأراضي إلى وحدة جديدة أطلق عليها اسم أذربيجان، لتصبح جمهورية ذات حكم ذاتي ضمن الاتحاد السوفياتي. ومع سقوط الإمبراطورية السوفياتية عام 1991 سنحت الفرصة للشعب الأذربيجاني لاستعادة استقلاله. وفي خضم تلك الأحداث، فر عدد هائل من تلك المناطق المنكوبة للبحث عن مأوى في إيران. واليوم، بات هناك ملايين الإيرانيين الذين فر أجدادهم من القياصرة والبلاشفة. واستمر تدفق اللاجئين من أذربيجان إلى إيران على مدى عقود، مع وجود تباين في أعداد اللاجئين من فترة لأخرى. وخلال التسعينات من القرن الماضي قامت أرمينيا بغزو ناغورنو قره باغ، وهو ما أدى إلى نزوح نصف مليون شخص من أذربيجان إلى إيران. ونظرا لأن المسلمين الشيعية يشكلون نحو 85 في المائة من إجمالي عدد السكان في أذربيجان، فإن تلك الدولة الصغيرة ترتبط بعلاقات دينية قوية للغاية مع إيران. ومن الناحية اللغوية، تنتمي أقليات الأكراد والغوشتاسب تاليش والتات إلى اللغات الإيرانية (كان كتاب ألافيستا «المقدس» للديانة الزرادشتية مكتوبا في الأساس باللغة التي تتحدثها أقلية الغوشتاسب تاليش). وبالتالي، كان من المفترض أن تكون العلاقات بين أذربيجان وإيران علاقات قوية وعميقة، لكن العكس هو الصحيح، حيث قامت إيران خلال الأسبوع الماضي باستدعاء سفيرها من العاصمة الأذربيجانية باكو، كما قامت بإغلاق الممرات الحدودية، كرد على قيام أذربيجان باعتقال 41 شخصا بتهمة التجسس لصالح إيران، من بينهم الصحافي الأذربيجاني أنار بيرملي، الذي كان يعمل لوسائل إعلام إيرانية. ومع تصاعد تلك الأزمة، اختفى كاتبان من أذربيجان في إيران، وهما فريد حسين وشهريار حاجي زاده، وقيل إنهما تم احتجازهما كرهينتين. وخلال الأسبوع الماضي تصاعد غضب طهران عندما استضافت باكو مؤتمر «مستقبل أذربيجان الجنوبية» والذي شارك فيه متشددون معظمهم مواطنون أميركيون من أصل إيراني، يرون أن كل الذين يتحدثون لهجات مختلفة من اللغة الأذرية هم أتراك. ومن غير الواضح تماما ما يعنيه هؤلاء بـ«أذربيجان الجنوبية»، ولكن يتعين على المرء أن يفترض أنهم يريدون اندماج أذربيجان مع المحافظات الخمس الإيرانية التي يتم التحدث فيها باللغة الأذرية على نطاق واسع لتشكيل دولة واحدة تضم 22 مليون نسمة. وترى طهران أن هذه الخطوة هي مؤامرة تحاك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا للنيل من وحدة الأراضي الإيرانية. ومع ذلك، تعني خطة «التوحيد» اختفاء جمهورية أذربيجان بشكلها الحالي. وفي حال تشكيل أذربيجان «الكبرى» سيصبح الشعب الأذربيجاني أقلية. ولم تكن استضافة الانفصاليين هي السبب الوحيد لغضب طهران، لكن هناك سببا آخر يتمثل في العلاقات الوثيقة التي تربط أذربيجان بإسرائيل، حيث وقعت باكو على صفقة مع تل أبيب للحصول على أسلحة بقيمة 1.6 مليار دولار. وتزعم وسائل الإعلام الإيرانية أن أذربيجان سوف تسمح لإسرائيل باستخدام قواعد عسكرية لضرب المواقع النووية الإيرانية. وعلاوة على ذلك، ترى طهران أن علاقات أذربيجان الوثيقة مع تركيا، التي تعد عضوا في حلف شمال الأطلسي، تعد بمثابة تهديد آخر في حال نشوب صراع مسلح مع الولايات المتحدة. وما زاد حدة الغضب الإيراني هو انضمام أذربيجان إلى جانب روسيا في ما يتعلق بتقسيم موارد بحر قزوين، بما في ذلك النفط والغاز وأسماك الكافيار. وتريد إيران أن يتم الإعلان عن أن بحر قزوين هو بحر مملوك للدول الخمس المطلة عليه، وعلى هذا الأساس يصل نصيب إيران من موارده إلى 20 في المائة، في حين تريد روسيا وكازاخستان تقسيم البحر وفقا لطول الخط الساحلي لكل دولة، وفي هذه الحالة سينخفض نصيب إيران إلى 11 في المائة من إجمالي موارد البحر. وقد انحازت أذربيجان للمعسكر الروسي في تلك المشكلة، في حين لم تعلن تركمانستان - الدولة الساحلية الخامسة - عن موقفها. وعلى الجانب الآخر، تشكو أذربيجان من مواقف طهران، حيث تدعم الجمهورية الإسلامية دولة أرمينيا في صراعها مع أذربيجان. ولولا الدعم الإيراني لما تمكنت دولة أرمينيا الحبيسة من السيطرة على إقليم ناغورنو قره باغ. ومن الواضح أن استمرار الدعم الإيراني لأرمينيا يعني عجز أذربيجان عن استعادة أراضيها. وتشكو باكو من شيء آخر وهو تحريض الملالي الإيرانيين لأقلية الغوشتاسب تاليش ضد الأغلبية الأذربيجانية، على الرغم من أن معظم الغوشتاسب تاليش من المسلمين السنة. وعلاوة على ذلك، تتهم باكو طهران بمحاولة إثارة النزعة القومية بين الأكراد والتات والليزغيين في أذربيجان. ويعد سوء إدارة العلاقات مع أذربيجان بمثابة مثال حي على قدرة العمى الآيديولوجي على تحويل دولة مجاورة كان يفترض أن تكون هناك علاقات وثيقة معها إلى عدو. إن العمى الذي أصيبت به طهران جراء معاداتها للولايات المتحدة لم يجعل نظام الخميني يتجاهل العلاقات الثقافية والتاريخية عميقة الجذور فحسب، ولكن جعله أيضا ينحي جانبا المشاعر الإسلامية، بل والشيعية، في تشكيل العلاقات مع أذربيجان. وبدلا من التوتر الحالي، كان من المفترض أن تكون إيران قادرة - في ظل نظام عادي - على أن تجعل أذربيجان على مقربة من الموطن الثقافي والتاريخي لأسلافها من خلال فتح الحدود ودمج الأسواق والسماح بالتواصل بين الشعبين على جانبي نهر أراس. وللأسف، لم يكن توتر العلاقات مع أذربيجان مفاجئا، حيث تتسم علاقات إيران مع جيرانها بدرجات متفاوتة من عدم الثقة والعداء. إنها مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى! نقلاً عن جريدة " الشرق الأوسط "

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فن تحويل الجيران إلى أعداء فن تحويل الجيران إلى أعداء



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia