جب وهلار وضبابية عدم اليقين

جب وهلار وضبابية عدم اليقين

جب وهلار وضبابية عدم اليقين

 تونس اليوم -

جب وهلار وضبابية عدم اليقين

أمير طاهري


 تشير كل التقارير إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قيادة جديدة قادرة على أن تقدم بعض التوجيه في عصر عدم اليقين. تتأرجح الولايات المتحدة، التي يقودها الرئيس باراك أوباما، وسط شبورة كثيفة من عدم اليقين بشأن المكانة التي ينبغي أن تتبوأها في العالم، بين الراحة المزعومة من خلال التحلي بالعزلة واللهث الأميركي الشديد وراء القيادة.

وحسب ما تقتضيه الحكمة التقليدية الآن، على أمل نسيان حقبة أوباما باعتبارها كابوسا، فإن أغلب الأميركيين مستعدون الآن للتصويت لصالح أي شخص تقريبا طالما لا يكون هذا الشخص هو أوباما. وإذا كان هذا الرأي صحيحا، فإن كلا من هيلاري كلينتون - الأوفر حظا حاليا لتكون مرشحة عن «الحزب الديمقراطي»، وجيب بوش الذي لمح إلى أنه قد يسعى للحصول على ترشيح «الحزب الجمهوري»، يتمتعان بفرص جيدة.

وبعبارة أخرى، ربما نشهد سباقا آخر بين عائلة كلينتون وبوش.

ولكن المشكلة هي أن الحكمة التقليدية قد تكون خاطئة مثل التوقعات غير التقليدية.

فالانتخابات الرئاسية الأميركية، مثلها مثل المآسي اليونانية القديمة، قد يبدو أن لها الشكل نفسه، ولكنها تنتهي دائما بوضع ملامحها الخاصة المحددة وغير المتوقعة.

كل من السيدة كلينتون والحاكم بوش يتمتع بالمقدرة على أن يكون مرشحا قويا.

فهما يشتركان في 4 أمور على الأقل:

الأمر الأول: هو شهرة الاسم، وهي تعتبر دائما ميزة في السياسة الأميركية. فالناخب العادي الذي يعاني ذاكرة قصيرة الأجل لن يحتاج إلى عصر ذاكرته لكي يتذكر من هؤلاء.

والأمر الثاني: هو أنهما سياسيان منضبطان، يأخذان مهنتيهما على محمل الجد. فكلما ألتقيهما، على مر السنين، كنت أجدهما مستعدين وبشكل جيد بشأن القضايا التي كان من المقرر مناقشتها. أثناء أحد اجتماعاتي مع السيدة كلينتون عندما كانت عضوا بمجلس الشيوخ، مثلا، أصابتني الدهشة عندما لاحظت سعة اطلاعها على تفاصيل الحياة القبلية في العراق. أما بالنسبة لجيب بوش، وذلك يعود بشكل جزئي إلى خلفيته العائلية، فقد نشأ على السياسة الدولية منذ نعومة أظافره.

أما الأمر الثالث المشترك بينهما، فهو تمتعهما بقاعدة قوية داخل الهياكل التنظيمية المركزية في حزبيهما. فظلت عائلة كلينتون تبني قاعدتها الحزبية منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وكانت المفاجأة في الواقع هي تمكن أوباما من الفوز على هذه الآلة التنظيمية وحرمان هيلاري من الفوز بالترشح في عام 2008. أما بالنسبة لجيب، فهو موجود بالفعل باعتباره شخصية بارزة في مؤسسة الحزب الجمهوري. تساعد مثل هذه الميزة كلا من هيلاري وجيب على بناء درع أكبر كثيرا من قدرة أي من منافسيهما المحتملين. ومن المعروف في السياسة الأميركية، أن المال لا يتحدث فقط، بل يؤدي كذلك إلى التغلب على الخصم.

وأخيرا، كلاهما يمكنه أن يزعم أنه يتمتع بخبرة كبيرة؛ جيب باعتباره حاكما لرابع أكبر ولاية في البلاد، وهيلاري باعتبارها عضوا في مجلس شيوخ ووزيرة للخارجية على التوالي.

وبصرف النظر عن هذه القواسم المشتركة، لا يوجد شخصان أكثر اختلافا من جيب وهيلاري. وهذا أمر يبدو غريبا، فيمكن لجيب، سليل العائلة السياسية، أن يتصور نفسه رجلا من عامة الشعب من دون صعوبة تذكر.

آخر مرة تناولت معه طعام الغداء في ميامي، اقترح عليّ أن نقوم بنزهة على الكورنيش من أجل مواصلة النقاش. وبعد مرور وقت قليل، تحولت النزهة إلى ما يشبه جولة دعاية للحملة سيرا على الأقدام مع أشخاص يأتون لمصافحة جيب ويقومون بالدردشة معه. وكان واضحا أن الحاكم السابق يكون على سجيته عندما يكون في اتصال مباشر مع ناخبيه السابقين.

في المقابل، تبدو هيلاري هادئة ومتأنية ومتحفظة. وقد يعود هذا بشكل جزئي إلى حقيقة أنها ظلت سنوات تقف في ظل شخصية زوجها الكاريزمية، الحاكم ثم الرئيس بيل كلينتون. وكانت النتيجة أنها أصبحت تبدو «شخصية محنكة» سياسيا، ولا تميل إلى إلحاق المشاعر بسياساتها.

قد يجد كل من جيب وهيلاري من لقبيهما ميزة وعائقا؛ فلا يوجد اسم استفز الجمهوريين مثل اسم عائلة كلينتون، حتى أتى باراك أوباما ورفع درجة الكراهية إلى مستوى جديد. خلال الحرب التي اندلعت في يوغوسلافيا السابقة، رتبت لقاء مع السيناتور ألفونس داماتو، الذي كان شخصية بارزة في «الحزب الجمهوري»، لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل لإيقاف المذابح التي يتعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك.

وسرعان ما اتضح أن السيناتور سيعارض أي خطوة من شأنها أن تعطي الرئيس كلينتون أي مكانة لأسباب إنسانية.

وفي المقابل، يكفي رؤية كراهية أوباما المرضية لاسم بوش لتدرك الصورة المطابقة لهذا البلاء على الجانب الديمقراطي.

حضرت منذ عامين مأدبة غداء عندما افتتح الرئيس أوباما الجناح الجديد لمكتبة جورج إتش دبليو بوش في ولاية تكساس بحضور نحو 300 ضيف. وتحدث أوباما لمدة 15 دقيقة، بمساعدة من جهاز الملقن الإلكتروني الذي لا يفارقه، وكان حريصا على عدم نطق كلمة «بوش». وفي الواقع، فإن أوباما شيد رئاسته بالكامل على كراهيته الحقيقية أو المصطنعة لجورج دبليو بوش، فأصبح من ثم واحدا من أكثر الرؤساء المسببين للانقسام في تاريخ الولايات المتحدة.

من المؤكد أن التنافس بين كلينتون وبوش سيحفز العناصر المتطرفة الضبابية على جانبي الانقسام السياسي الأميركي. وقد يؤدي هذا إلى عرقلة الجدل بأكمله وإطلاق شحنات شريرة من الانتقام على طراز العملية التي دارت في «أوكي كورال».

تسببت الطبيعة الحزبية، على نحو متزايد في السياسة الأميركية، على مدى العقدين الماضيين، في درجة من المرارة غير المسبوقة في التاريخ السياسي الأميركي. فالعالم الخارجي مندهش من هذه الدرجة من الكراهية الموجودة في نظام يستهدف، بشكل نظري على الأقل، التفاهم والتوافق والتعاون.

تعاني الولايات المتحدة حالة حرب مع نفسها، رغم أنها حرب سياسية وثقافية، ولكنها لا يمكن أن تكون قوة من أجل السلام في العالم على نطاق أوسع. فهي قد تصبح، في أحسن الأحوال، غير متصلة بالموضوع، وقد تكون، في أسوأ الأحوال، خطيرة على نحو إيجابي.

بعد أن تولى 3 رؤساء مسببين للانقسام بشكل متزايد منذ تسعينات القرن الماضي، تحتاج الولايات المتحدة إلى معالج لينزع، على الأقل، بعضا من السم المحقون داخل السياسة الأميركية، وليخفف من الحرب الأهلية الثقافية، وليستعيد الموقع القيادي في نظام عالمي جديد، ليس من السهل تحديد معالمه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جب وهلار وضبابية عدم اليقين جب وهلار وضبابية عدم اليقين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia