سوريا والبحث عن مخرج من المتاهة

سوريا والبحث عن مخرج من المتاهة

سوريا والبحث عن مخرج من المتاهة

 تونس اليوم -

سوريا والبحث عن مخرج من المتاهة

بقلم : أمير طاهري

تدور الفكرة المعلقة في أذهان مختلف الأوساط السياسية والدبلوماسية الغربية في الآونة الراهنة حول أن الحرب في سوريا قد بلغت ذروتها، وأنه قد حان الوقت للجميع لأن يركزوا الجهود على إعادة إعمار البلاد.

ورغم ذلك، وعلى غرار كل الأفكار الأخرى المتصورة، فإن هذه الفكرة أيضاً مليئة بالثغرات المتعددة.

تدور الثغرة الأولى حول أن ما شهدناه في سوريا خلال السنوات السبع الماضية لم يكن حرباً بالمعنى الكلاسيكي المفهوم من المصطلح، وإنما كان عبارة عن مجموعة من الحروب المتعددة المترابطة بعضها ببعض في نسيج أو سياق من الكوارث الإنسانية التي تفاقمت إثر التناحر بين أكثر من عشر قوى مؤثرة تحركها مجموعة من الأهداف المتناقضة.

ووفق هذا المعنى، وبعيداً تماماً عن نهاية أي شيء في القضية السورية، فربما نكون بالفعل في بداية مرحلة جديدة من هذه التراجيديا التاريخية.

وتدور الثغرة الثانية حول أنه إن ركزنا تفكيرنا على أي من الحروب الموازية في سوريا، فسوف نخرج بنتيجة مفادها أنه من العسير للغاية الزعم أننا قد بلغنا خط النهاية فيها.

وتأكيداً لذلك، فلقد تقلص نظام حكم بشار الأسد من حيث الحجم، وصار يقتصر من الناحية العملية على السيطرة على جيب من الأراضي. ومع ذلك، لا يزال هذا النظام يحظى بقوة كافية تحول دون رفع اليدين والاستسلام.

أما بالنسبة لما يُعرف بتنظيم داعش الإرهابي، فلقد شهد خلافته المزعومة تتقلص فيما يسيطر عليه من أراضٍ من 4 آلاف ميل مربع إلى ما لا يزيد على 2700 ميل مربع فقط.

كما عانت قوات المعارضة السورية غير الموالية لـ«داعش» كذلك من نكسات شديدة، وهي منحازة الآن في جزء من محافظة إدلب إلى جانب أرخبيل من مناطق النفوذ الصغيرة الموزعة على الخريطة السورية. وبالنسبة للأكراد السوريين، الذين دخلوا في لعبة معقدة للغاية من خلال جملة من التحالفات المتناقضة، بات من المرجح أن ينتهي بهم الحال دون أية مكاسب على الإطلاق سوى الحسرة الشديدة.

وعلى سياق أوسع، كان لزاماً على روسيا أيضاً أن تشهد حالة من تقلص قوتها على الأرض. فربما نجحت بالفعل في تأمين موطئ قدم دائمة في شرق البحر الأبيض المتوسط، غير أنها تدرك على نحو تام صعوبة جهود الدفاع عنه وحمايته في خضم الاضطرابات المستقبلية التي سوف تشهدها المنطقة.

وفي الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، ربما نستمع إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يُلمح إلى نوع من الانتصارات المحققة في سوريا. ولكن لأنه من القادة الأذكياء، فإنه يعلم بكل تأكيد أنه لا يمكن إعلان النصر في أي حرب من دون اعتراف أحد طرفي النزاع بالهزيمة.

كما صارت تركيا هي الأخرى تكتشف حدود مقدرتها على تسجيل المزيد من النقاط في سوريا، إذ يمكن لاندفاع الرئيس رجب طيب إردوغان داخل الأراضي السورية أن يحظى بشعبية كبيرة داخل تركيا نفسها لبضعة شهور مقبلة، حتى يتسنى له تقديم ميعاد الانتخابات التاريخية التي يخطط لها، ويضمن أن يخرج منها منتصراً. ولكن الذي سوف يحدث بعد ذلك هو أبعد ما يكون عن اليقين، باستثناء أن الانخراط في المستنقع السوري لن يكون منخفض التكاليف، كما يزعم إردوغان.

أما الموقف الإيراني، فلا يزال مثيراً لكثير من الشفقة.

بعد إنفاق المبالغ المالية الهائلة، وفقدان كثير من الرجال، بما في ذلك أكثر من 400 من كبار الضباط، في هذه المغامرة غير المحسوبة ولا المدروسة، كان ملالي طهران يأملون في تأمين ممر لهم نحو البحر الأبيض المتوسط، مع ممر آخر مجاور عبر العراق وسوريا نحو لبنان، وبات من الواضح أنهم لن يحصلوا على ذلك.

وبصرف النظر عن الوجود الذي قد يرسخونه لأنفسهم داخل سوريا بالقرب من لبنان، فسوف يكون عرضة على الدوام للغارات الجوية الإسرائيلية التي لن تستطيع إيران، التي لا تملك قوات جوية فعالة حتى الآن، مواجهتها أو التغلب عليها. وقد ينتهي الأمر بالمرتزقة الذين حشدتهم إيران، من لبنان وأفغانستان وباكستان، بالقرب من الحدود اللبنانية داخل سوريا، لأن يكونوا كمثل السمك المحصور داخل البرميل.

وإسرائيل، التي بدأت للتو في الإدلاء بدلوها في الأحداث الجارية، سوف يعتريها شعور غامر بالسعادة لانقضاء سوريا كتهديد موثوق منه في مستقبلها المنظور. ورغم ذلك، لم تكن سوريا أبداً تحت حكم عائلة الأسد تشكل تهديداً حقيقياً وفعالاً بالنسبة للدولة العبرية، في حين أن سوريا تحت صفة «الأراضي غير الخاضعة لحكم مطلق»، إلى جانب مزيج خبيث من الجماعات التي يتعذر السيطرة عليها، قد تتحول إلى مصدر مستمر للإزعاج، إن لم تكن تشكل تهديداً وجودياً لأمن إسرائيل.

وتكمن المشكلة في هذه الحرب متعددة الأوجه في أنه ليس هناك طرف واحد من أطراف الصراع على استعداد تام بعد لرفع راية الاستسلام البيضاء. ومن خلال الصياح بكلمة «كلا»، تظل كل الأطراف معنية بالصراع المستمر، على الرغم من فظاعته المروعة.

والموقف السوري، وهو المأساة التي بدأت في صورة الحرب الأهلية ثم تضخمت إلى مزيج مطول متعدد الأوجه من الصراعات، ليس متفرداً في ذلك في شيء. فلقد رأينا مواقف مماثلة في كل من الصومال، وكونغو - كينشاسا، وفي أفغانستان كذلك بمعنى من المعاني، وعبر عقود ممتدة.

وفي مثل هذه المواقف، كانت الفكرة المتصورة أننا قد بلغنا حد النهاية، أي نهاية الصراع، ولكن من دون بلوغ خط النهاية فعلياً وواقعياً. والمشكلة في مثل هذه المواقف أن أولئك الضالعين فيها غالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى اعتياد الحالة الراهنة، التي على الرغم من أنها لا تقدم لهم ما يأملون في الحصول عليه، فهي حالة غير مكلفة للغاية حتى تستلزم الانسحاب الدراماتيكي من حلبة الصراع. ومن سمات الحروب منخفضة الحدة أن تستمر إلى ما لا نهاية، وإلى الأبد إن استلزم الأمر.

إذن، هل هناك من بديل لحالة الوضع الراهن الناشئة؟

تقول الإجابة النظرية: أجل، هناك بديل.

ولكن حتى يتسنى صياغة البديل، يتعين على كل الأطراف الإقرار بأن «الحرب» لم تنتهِ بعد، وأن أياً من تلك الأطراف لا يحتمل أن يحرز النصر القاطع فيها. حتى لو، كما لو كنا في عالم خيالي، تم تقديم سوريا بأسرها على طبق من فضة إلى أحد الأطراف المتناحرة، لن يستطيع أي طرف أن يسيطر عليها تماماً، أو أن يستفيد منها ككيان موحد بعد الآن.

ولم يعد السؤال المطروح هو: من يرقص على السور؟ ولكن السؤال هو: كيف يمكن الرقص على السور مرة أخرى؟


ليس هناك شيء أقل من جهد دولي جاد يمكنه أن يعيد بناء الكيان الذي انهار بصفته دولة قومية موحدة. ويمكن لمثل هذا الجهد أن يكون ممكناً، ولكن على أساس الاندماج الكامل من كل الأطراف المعنية، الذين اعتادوا التمرس على لعبة الإقصاء والاستبعاد، كما ينبئ حالهم الآن.

وقد تكون فكرة فلاديمير بوتين لمناطق خفض التصعيد من الأفكار الجيدة فقط كبداية، شريطة أن ترتبط تلك المناطق باتفاقات جنيف، وإنشاء آلية دولية للإشراف عليها، ناهيكم عن أن يكون انتداباً دولياً، وذلك طيلة الفترة الانتقالية الرامية إلى تمهيد الطريق لأعمال إعادة الإعمار الهائلة الممولة من المجتمع الدولي.

ولقد تمخضت الصيغ المماثلة عن نتائج إيجابية في مواضع أخرى، مثل البوسنة والهرسك وكوسوفو، وإن كان ذلك على نطاق هو أصغر بكثير من الواقع السوري، وفي حالات أقل تعقيداً بكل تأكيد.

وبطبيعة الحال، ليس من المؤكد أن هذه الصيغة سوف تنال الدعم والتأييد المطلوب من جانب الأطراف المعنية بالصراع السوري، ولكن هناك بصيص من أمل في حقيقة مفادها أن حالة الإرهاق الشديدة التي عمت كل أطراف النزاع السوري قد بدأت في البحث عن وسيلة ما للخروج من هذه المتاهة.

المصدر : جريدة الشرق الأوسط

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا والبحث عن مخرج من المتاهة سوريا والبحث عن مخرج من المتاهة



GMT 12:58 2021 الجمعة ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الانسحاب الأميركي والتدخلات الإيرانية والتركية

GMT 14:34 2021 الإثنين ,05 إبريل / نيسان

الخيار الذي رفضته ايران

GMT 16:04 2021 الأربعاء ,31 آذار/ مارس

الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار

GMT 13:56 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

لا تكلِّف خاطرك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia