ترامب يركل العلبة الإيرانية على طول الطريق

ترامب يركل العلبة الإيرانية على طول الطريق

ترامب يركل العلبة الإيرانية على طول الطريق

 تونس اليوم -

ترامب يركل العلبة الإيرانية على طول الطريق

بقلم : أمير طاهري

على مدى الأشهر الستة الماضية، بطريقة أو بأخرى، ركل الرئيس دونالد ترمب الكثير من العلب الموروثة من إدارة باراك أوباما السابقة على طول الطريق.

بعد الكثير من المحاولات لإلغائه، انطلق برنامج أوباما - كير للرعاية الصحية إلى غياهب اللجان التشريعية. وجرى تعديل ما على سياسة التودد التي انتهجها باراك أوباما مع الأخوين كاسترو غير أنها لم تسقط تماماً. ورفض الرئيس الجديد اتفاق باريس المناخي شفهياً ولكن لم يتم دفنه عملياً لا لشيء سوى أنه لن يدخل حيز التنفيذ الفعلي حتى عام 2020.

وآخر العلب التي يحاول الرئيس الأميركي ركلها على طول الطريق هي ما يعرف إعلامياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي البيان الصحافي الغريب للغاية والذي يعدد الأمور التي يتعين على إيران القيام بها حيال مشروعها النووي المثير للجدل في مقابل الرفع المؤقت للعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها.

يوم الاثنين الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بأن الرئيس ترمب يعتزم تمديد الإعفاء بشأن تعليق العمل بالعقوبات الاقتصادية المقررة على إيران لمدة ثلاثة أشهر أخرى. وقد بررت وزارة الخارجية قرار الرئيس بناء على الزعم بأن إيران قد احترمت نص خطة العمل الشاملة المشتركة في حين أنها خالفت روح الخطة وفحواها.

ويأتي قرار الرئيس الأميركي بالتمديد لصالح إيران بعد عامين تماماً من إماطة اللثام عن خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا والإشادة الكبيرة التي تلقتها على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني باعتبارها «أكبر انتصار دبلوماسي في تاريخ الإسلام». وحقيقة الأمر بالطبع هي أن إيران قد انتهكت نص وروح الخطة في آن واحد.

على سبيل المثال، خفضت إيران من عدد أجهزة الطرد المركزية لديها والمسؤولة عن تخصيب اليورانيوم، ولكنها لم تخفض القدرة الإنتاجية العامة بسبب أن الأجهزة الجديدة ذات الطاقة العالية لديها إنتاجية أعلى بكثير من الأجهزة القديمة التي تخلصت منها طهران. وعلى أي حال، وحيث إنه لا توجد لدى إيران أي محطات للطاقة النووية قد تحتاج لاستخدام اليورانيوم المخصب كوقود، يمكن للمرء افتراض أن كافة المخزون من اليورانيوم المخصب سوف يتم تخزينه لأغراض أخرى بما في ذلك الرؤوس الحربية النووية عندما تقرر القيادة الإيرانية ذلك.

ولكي تحافظ طهران على استمرار «خدعة» احتياجها الضروري لليورانيوم كوقود، تعلن القيادة الإيرانية بصورة دورية عن خطط لبناء محطات الطاقة النووية بمساعدات من الصين أو روسيا. ومع ذلك، يعلم الجميع أن إيران لا تملك المال الكافي لإنفاقه على مثل هذه المشاريع النووية الضخمة وأنه لا روسيا ولا الصين حريصتان أو عازمتان فعلياً على الاستثمار في مشروع مجنون من الناحية الاقتصادية. ويعكس التقرير الذي أعدته وزارة الطاقة الإيرانية أن محطات الطاقة النووية سوف تكلف أموالاً بنسبة 40 في المائة على الأقل بأكثر من المطلوب لإنتاج الطاقة من الغاز الطبيعي الذي تمتلك إيران كميات هائلة منه.

وهناك مثال آخر يتعلق بمخزون الماء الثقيل الذي تمتلكه إيران وتحتفظ به على مر السنين. تم إخراج منشأة البلوتونيوم في آراك من الخدمة فعلياً، مما أدى إلى عرقلة مؤقتة لواحدة من طريقتين رئيسيتين تؤهلان إيران لامتلاك الرؤوس الحربية النووية. ولكن ما الذي سوف تفعله إيران بالاحتياطي الذي تملكه بالفعل؟ بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة فإنه يجب بيع هذا الاحتياطي في الأسواق العالمية. ولكن ما الذي سوف يحدث إذا تعذر العثور على مشترٍ؟ ونزعاً للحيرة عن هذا التساؤل، تعهد الرئيس أوباما بترتيب شراء المخزون الإيراني عبر شركات أميركية في حالة عدم العثور على مشترين آخرين. وبعد عامين، ليس هناك مشترون، ومن غير المرجح أن ينجح الرئيس ترمب في إقناع الشركات الأميركية بشراء المخزون الإيراني الذي قد يرقى أو لا يرقى إلى المعايير العالمية المطلوبة.

لم يكن الهدف من خطة العمل الشاملة المشتركة أبدا هو إيجاد حلول للطموحات النووية الإيرانية الحقيقية أو المتصورة. كما لم يكن الهدف منها إعادة التأكيد على صلاحيات معاهدة عدم الانتشار النووي والتي اعترفت إيران علنا بانتهاك بنودها على الأقل حتى عام 2003. بل كان المقصود من خطة العمل الشاملة المشتركة أن تكون جزءاً من استراتيجية موسعة من قبل إدارة الرئيس السابق أوباما لتمكين «الفصيل المعتدل» في طهران، ومساعدته على الفوز بنصيب أكبر من السلطة داخل البلاد، ثم في خاتمة المطاف، محاولة تعديل الجوانب الأكثر كراهية في تصرفات طهران وسلوكياتها الإقليمية.

وبعد مرور عامين، يعرف الجميع بعض ما كان بعضنا على دراية به منذ البداية: ليس هناك من «فصيل معتدل» داخل الزمرة الخمينية، وليست هناك من فرصة كبيرة أو صغيرة لتغيير الأسلوب أو السلوك الذي يمليه عليهم الحمض النووي الآيديولوجي الذي يتأصل في أعماق قلوبهم.

ولا يعني ذلك أن النظام الخميني عاجز عن تغيير السلوك، بل إنهم يفعلون ذلك فقط عندما يكونون مضطرين إليه. ففي سوريا، على سبيل المثال، خفضت طهران من وجودها على الأرض ليس بسبب أنها أصبحت على بينة من تكاليف الحماقات التي ارتكبتها وإنما لأن روسيا قد أكدت أنها سيدة الأمر الواقع هناك.

وفي العراق، أيضاً، أدى تحرير مدينة الموصل إلى تراجع الظهور الإيراني لا لشيء إلا لأن قوات الأمن العراقية، التي تؤيدها القيادة الشيعية في مدينة النجف ويدعمها زعماء العشائر العربية السنية، قد أحرزت بنفسها النصر المحقق.

وفي اليمن، كذلك، انخفض الوجود الإيراني على أرض الواقع للدرجة الثانية بسبب أن الجماعات التي تدعمها طهران، ومن أبرزها المتمردون الحوثيون، قد فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف الحربية التي أعلنوا عنها من قبل.

واضطر الملالي أيضاً إلى ابتلاع غصة خانقة حول قضية الحج الشائكة؛ إذ بعد أن تقدمت طهران بـ16 طلباً بخصوص استئناف إرسال بعثة الحج الإيرانية، اضطرت طهران إلى سحبها كلها تباعاً. ووافق الملالي أيضاً على ارتداء الحجاج الإيرانيين للأساور الإلكترونية حتى يمكن متابعة كافة تحركاتهم داخل المشاعر المقدسة وعلى مدار الساعة.

والمسيرة الشهيرة التي تمتدح الإمام الخميني والتي تعلن شعار «الله واحد والخميني هو القائد»، سوف تنظم اعتباراً من الآن داخل خيمة واحدة خارج المدينة في الصحراء. وسوف تصور طهران بالطبع الأفلام لتعرضها على التلفزيون الرسمي في البلاد استمراراً للعبة الوهم بأن المسلمين من كافة أنحاء العالم يقدسون ويجلون إمامهم الراحل.

وبسبب هذه الانتكاسات الدبلوماسية في الخلفية، ليس من المستغرب أن الملالي يتمسكون وبشدة بخطة العمل الشاملة المشتركة باعتبارها من أبرز إنجازاتهم على الصعيد الدولي.

فهل الرئيس الأميركي على حق في السماح لهم بهذا التشبث، لمدة ثلاثة أشهر أخرى على الأقل؟

يجب للإجابة أن تكون نعم، ولو لمجرد أن الرئيس ترمب لم يدرس المشكلة الإيرانية بصورة تامة ناهيكم عن وضع سياسة بديلة للتعامل مع طهران. ولقد تحدث الرئيس الأميركي عن تغيير النظام الحاكم بدلاً من تغيير السلوك من دون أي دليل على المنهج الجديد المؤيد بالإجراءات الواقعية الملموسة. وفي مثل هذا الموقف، لن يكون من المنطقي إدانة خطة العمل الشاملة المشتركة وإثارة حالة من النزاع مع الحلفاء الأوروبيين من دون المقدرة على توفير بديل مناسب. وبعبارة أخرى، فإن ركل العلبة على طول الطريق كان الخيار الأقل سوءاً حتى الآن.

ومع ذلك، سوف تعود العلبة الإيرانية إلى الظهور مرة أخرى خلال ثلاثة أشهر من الآن، مما يدفع الرئيس ترمب إلى الاختيار بين وضع نسخة جديدة من استراتيجية أوباما الفاشلة أو طريقة أكثر فعالية للتعامل مع ما وصفه هو والرئيس السابق أوباما بأنه «التحدي الأول للمصالح القومية الأميركية».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب يركل العلبة الإيرانية على طول الطريق ترامب يركل العلبة الإيرانية على طول الطريق



GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:17 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

بديل بايدن في الأمم المتحدة

GMT 08:18 2021 السبت ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

من يبقي على عزلة إيران؟

GMT 08:24 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين: رجل الضريح ورجل النهضة

GMT 09:15 2021 السبت ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا: القومية تطل برأسها من جديد

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia