قد لا يكون هناك ما يقدمه ترامب إلى بوتين

قد لا يكون هناك ما يقدمه ترامب إلى بوتين

قد لا يكون هناك ما يقدمه ترامب إلى بوتين

 تونس اليوم -

قد لا يكون هناك ما يقدمه ترامب إلى بوتين

بقلم : أمير طاهري

واجه المرشح الجمهوري دونالد ترامب، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، اتهام ً ا بأنه قد يكون نوعا من أنواع «المرشح المنشوري» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وينفذ الخطط التي يوحي بها إليه
الكرملين. ولقد أشارت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات نفسها إلى تلميحات بأن موسكو قد تحشد جيشها من القراصنة بهدف تغيير نتائج الانتخابات لصالح ترامب.

تستند هذه النسخة الهزلية من مكارثية الخمسينات الشريرة إلى حد كبير على حالة من التفاخر الوجيز التي تقمصها ترامب، بأنه أستاذ من أساتذة التفاوض وأنه بإمكانه التعامل الجدي مع فلاديمير بوتين.

نحن لا نعرف كيف يمكن للسيد ترامب التعامل أو ربما الانسجام مع بوتين ووفق أية شروط. ولكن ما نعرفه ً تماما أنه لم يقدم «فضة العائلة» حتى الآن إلى سيد الكرملين. ً  وما نعرفه أيض ً ا أن جزءا من السلوكيات التي ً ينتهجها الرئيس الروسي مؤخرا قد يرجع إلى مقاربة الاسترضاء الزائد التي اعتمدها الرئيس الحالي باراك أوباما حيال خصوم، وأعداء، بل ومنافسي الولايات المتحدة.

وكانت مقاربة الرئيس الأميركي هي التي شجعت ملالي طهران على تكثيف مساعيهم من أجل بسط الهيمنة على ربوع الشرق الأوسط من خلال تشجيع التمرد في اليمن، ودعم الطاغية الدموي في سوريا، وخلق جيش
موازٍ للجيش الحكومي في العراق.

وهي نفس المقاربة التي أقنعت الصين بأن ولاية الرئيس أوباما قد وفرت الفرصة لبكين من أجل استعراض ً عضلاتها في بحر الصين الجنوبي والمناطق المجاورة استعدادا لقدوم اللعبة الكبرى في المحيط الهادي.
ً كما تشجعت كوريا الشمالية أيضا بسبب مقاربة الاسترضاء الزائد لدى باراك أوباما؛ فمع مضاعفة المعونات الأميركية، المباشرة وغير المباشرة، للدولة ذات النظام الشيوعي، سارعت بيونغ يانغ إلى بناء ترسانتها
النووية، بعد أن اقتنعت بأن إدارة الرئيس أوباما لن تفعل ما يزيد قليلاً على النفخ والنفث من دون فائدة. ولكن كان بوتين، على وجه التحديد، هو الذي استغل سياسة أوباما من الاسترضاء الزائد وبمزيد من العزم
والتصميم

عندما تولى الرئيس أوباما الحكم، كانت روسيا تنظر في تكاليف غزوها لدولة جورجيا في أغسطس (آب) من عام 2008 .وعلى الرغم من التركيز على الحملة الانتخابية الأميركية وقتذاك، تمكنت إدارة الرئيس بوش
المنتهية ولايته من حشد التأييد الدولي ضد الغزو الروسي، مما أجبر موسكو على قبول عملية التشاور بهدف استعادة جورجيا لسلامة أراضيها من الناحية الشكلية على أقل تقدير.

وكانت أولى خطوات الرئيس أوباما هي وقف هذه العملية كبادرة حسن نية إزاء موسكو. وكانت هناك إشارة أخرى تتمثل في محاولة الرئيس أوباما تخفيف الضغوط على روسيا التي بدأت في الظهور بعد وقت قصير
من آلية «إعادة الضبط» سيئة السمعة والتي جسدت عزم الإدارة الأميركية الجديدة على اجتثاث سياسة الإدارة الأميركية السابقة، في عهد بوش، حيال روسيا.

وكما لو كانت تلك المميزات الهائلة غير كافية، عرض الرئيس أوباما بعد ذلك بوقت وجيز على موسكو هدية ثالثة متمثلة في إلغاء خطط الولايات المتحدة بشأن تثبيت مواقع بطاريات الدفاع الصاروخي الأميركية في
جمهورية التشيك وبولندا، وهي الخطط التي كان الروس يعارضونها بمنتهى الشدة خلال عهد الرئيس بوش ُ ولكن من دون نجاح يذكر من جانبهم.

وفي مذكراتها، تقول السيدة كلينتون إبان شغلها لمنصب وزيرة الخارجية في عهد الرئيس أوباما، كيف أنه  أصر على أن تُظهر الولايات المتحدة حسن النية إزاء روسيا من خلال منحها تنازلات وامتيازات ملموسة.
وتزعم السيدة كلينتون أنها كانت تعارض فكرة «منح شيء في مقابل لا شيء» من قبل الإدارة الأميركية حيال روسيا ولكنها تراجعت تحت ضغوط من قبل الرئيس أوباما.

ً لذا، فإن الهدية المقبلة إلى موسكو سوف تكون تجميد ً ا فوريا لخطط توسيع رقعة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

أنهيت المحادثات مع بعض من أقرب جيران موسكو، لا سيما أوكرانيا وجورجيا وأوزبكستان، على نحو مفاجئ من دون أن تقدم موسكو أي شيء في المقابل. ً  كما ألغى أوباما أيضا خطة أخرى لحلف شمال الأطلسي لإقامة العلاقات بين الحلف وست دول عربية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط في ضوء العضوية الانتسابية لهم في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، أغلقت الولايات المتحدة القواعد اللوجيستية في أوزبكستان وقرغيزستان، وهما من الجمهوريات السوفياتية السابقة، وألقت بحلفائها السياسيين المحليين في البحر، مما دفع بالعناصر الموالية لموسكو إلى تقوية وتعزيز مواقعهم في طشقند وبيشكيك. كما أوقفت الولايات المتحدة المهمة العسكرية الخاصة بها في أرمينيا وأذربيجان، وهما من الجمهوريات السوفياتية السابقة، في سياق منع تجدد المواجهات المسلحة في جيب ناغورنو ­ كاراباخ المتنازع عليه بين البلدين.

ِضع روسيا الوقت في فرض وجودها العسكري في يريفان في شكل حامية مكونة من 20 ألف جندي ولم تُ مكلفة بمهمة حفظ السلام في إقليم ما بعد القوقاز.

وعندما احتج حلفاء واشنطن الأوروبيون من أن سياسة الاسترضاء الزائد لدى أوباما شجعت روسيا على المزيد من العدوان، فعل أوباما كل ما في وسعه من أجل منع فرض العقوبات ذات المغزى على موسكو. وكأن كل هذه الهدايا المجانية غير كافية، ونحو نهاية فترة ولاية أوباما الأولى لرئاسة البلاد، وصل إلى مسامع البعض أن أوباما أخبر ديمتري ميدفيديف، البديل الجاهز لفلاديمير بوتين على رئاسة البلاد، أنه بمجرد الانتهاء من مشكلات إعادة الانتخاب، فإن الإدارة الجديدة للسيد أوباما سوف تقدم المزيد من الهدايا الممتازة إلى روسيا.

وبعد سلسلة من الاستفزازات السياسية والعسكرية والتحركات الملموسة التي اتخذها بوتين على سبيل اختبار ردود الفعل الأميركية المحتملة حيال خطته المتأنية ضد أوكرانيا لما يربو على العام الكامل، خلص
إلى أن الطريق ممهد ومفتوح للاستيلاء الواسع على الأراضي هناك في صورة غزو وضم شبه جزيرة القرم إلى حظيرة الكرملين واحتواء الجيب الذي تسيطر عليه القوات الروسية في دونباس.

ولقد وصلت سياسة الاسترضاء الزائد للرئيس أوباما إلى مستويات منخفضة وجديدة من السخرية والاستهزاء السياسي عندما منحت واشنطن موسكو وضعية متساوية في مراقبة ما يسمى بالاتفاق النووي مع إيران.

ثم هبطت تلك السياسة درجة أخرى نحو القاع عندما تحدث جون كيري، وزير خارجية أوباما بعد هيلاري كلينتون، عن الدور المفترض أن يلعبه «شركاؤنا من الروس» في إقناع الطاغية السوري بشار الأسد بعدم
قتل شعبه بالأسلحة الكيماوية.

وكما جاء في صحيفة «كومرسانت» اليومية الروسية في ذلك الوقت، أن واشنطن كانت تعترف بوضعية روسيا الكبيرة والنافذة كقوة أجنبية رئيسية في سوريا.

ً ولم يضيع بوتين وقتا كذلك في تفسير ذلك الأمر كبطاقة تفويض مفتوحة للتدخل العسكري الروسي بما في ذلك الثقل المنهجي المنظم للمدنيين السوريين عبر الغارات الجوية الروسية على أكثر من عشر مدن سورية،
ولا سيما حلب.

إن سياسة الاسترضاء الزائد لدى باراك أوباما سببت حالة من القلق العرضي لدى مجموعة من أقرب مساعديه، بما في ذلك روبرت غيتس وزير الدفاع، وليون بانيتا، وتشاك هيغل الذي قال إن السياسة الأميركية قد تزيد من رغبة بوتين لخوض المزيد من المغامرات. ولقد قدم الجنرال مايكل فلين، رئيس وكالة ً الاستخبارات الدفاعية، استقالته من منصبه احتجاجا على سياسة الاسترضاء الزائد لدى الرئيس أوباما.

وعند مشاهدة الأمر من زاوية المصالح القومية للولايات المتحدة ودورها القيادي على الساحة العالمية، فإن الرئيس أوباما قد باع بالفعل «فضة العائلة» إلى الرئيس بوتين.

ومن الصعب تصور ما الذي يمكن للرئيس المنتخب ترامب أن يجده في الإرث العائلي الأميركي حتى يهديه إلى فلاديمير بوتين.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قد لا يكون هناك ما يقدمه ترامب إلى بوتين قد لا يكون هناك ما يقدمه ترامب إلى بوتين



GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:17 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

بديل بايدن في الأمم المتحدة

GMT 08:18 2021 السبت ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

من يبقي على عزلة إيران؟

GMT 08:24 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين: رجل الضريح ورجل النهضة

GMT 09:15 2021 السبت ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا: القومية تطل برأسها من جديد

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia