القصير فلاديمير وبناته الأربعون

القصير فلاديمير وبناته الأربعون

القصير فلاديمير وبناته الأربعون

 تونس اليوم -

القصير فلاديمير وبناته الأربعون

بقلم : أمير طاهري

هل سيفعلان ذلك؟ ألن يفعلا ذلك؟ تلك هي التساؤلات التي تشغل الدوائر السياسية الدولية هذه الأيام. وتشير الصيغة إلى الرئيسين الأميركي الجديد دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين اللذين ربما يعقدان لقاءً ثنائياً على هامش قمة مجموعة الـ20 التي من المقرر أن تستضيفها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في هامبورغ الأسبوع المقبل.

ورغم تضارب التحليلات التي تتناول الأوضاع العالمية، ثمة إجماع حول أن عقد ترمب وبوتين لقاءً ربما يسهم في الحد من التوترات الدولية، ويمهد الطريق نحو تسوية بعض القضايا المشتعلة. ويكمن السبب وراء ذلك في أنه رغم مشكلاتها الداخلية، تبقى الولايات المتحدة عاملاً يتعذر الاستغناء عنه في غالبية الأصعدة السياسية العالمية، بينما تلعب روسيا التي عاودت رسم صورتها باعتبارها قوة التحدي في مواجهة واشنطن، دور الرافض الأول.

يذكر أن القمة الأميركية - الروسية الأخيرة عقدت في سبتمبر (أيلول) 2016 خلال الأيام الأخيرة من عمر إدارة باراك أوباما، في وقت كان بوتين قد قرر انتظار نتيجة الرئاسة الأميركية. وعليه، فإن قمة أوباما - بوتين التي استضافتها مدينة هانغتشو الصينية لم تعد كونها استعراضاً للمكانة والنفوذ. من جانبه، حاول أوباما الظهور بوجه صارم في أيامه الأخيرة في السلطة، بينما فعل بوتين كل ما بوسعه لإذلاله. وبدلاً من الإسهام في تقليص التوترات، انتهى اللقاء إلى تصعيدها على نحو ملحوظ مع توجيه أوباما اتهاماً لبوتين بمحاولة التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح ترمب.

كانت مجموعة الـ20 قد بدأت عام 1999 بمشاركة وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية بالدول المعنية، وذلك كمنتدى للتعاون الاقتصادي العالمي، مع انعقاد أول قمة عام 2008. وتحولت بمرور الوقت إلى لقاء قمة غير رسمي لكبار القيادات الدولية لمناقشة قضايا الحكم الداخلي.

ونظراً لأن غالبية الدول الفاعلة دولياً ممثلة في المجموعة، أصبح بإمكان هذا المنتدى ادعاء سلطة أخلاقية أكبر عن مجموعة الـ8 الأقدم، والتي تقلصت الآن إلى مجموعة الـ7. وعليه، فإنه إذا نجحت الولايات المتحدة وروسيا في الوصول لأرضية مشتركة، فإن بإمكانهما الاعتماد على قاعدة تأييد دولي واسعة لأي مقترح تطرحانه.

وحال انعقاد قمة أميركية - روسية، فإن ثلاث قضايا محورية من المحتمل أن تهيمن على أجندة اللقاء.

أولاً: محاولة وضع تعريف محدد بأكبر قدر ممكن لما تعنيه طموحات روسيا، خصوصاً فيما يتعلق بأوروبا. على ما يبدو، ترمي السياسة الروسية الحالية إلى إثارة الوقيعة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولا يخفى على أحد الدعم المالي والدعائي الذي يقدمه الكرملين لأحزاب شعبوية من تياري اليمين واليسار تتبع أجندات مناهضة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقد يدعي بوتين أن موقفه المناهض للاتحاد الأوروبي يعكس حالة دفاع عن النفس، ويمثل استجابة للعقوبات المفروضة على روسيا، رداً على سياسات عدائية روسية وضم القرم والتدخل العسكري في دونتيسك.

في هذه المرحلة، يسعى بوتين نحو أمرين: أولاً: يرغب في أن تبتلع القوى الغربية فكرة خسارة أوكرانيا للقرم باعتبارها أمراً واقعاً. ولا يعني ذلك إعلان حلف «الناتو» اعترافه بضم روسيا للقرم، وإنما يكفي القبول الضمني فحسب.

وكان ذلك ما حدث في حالة دول بحر البلطيق التي ضمها ستالين في أعقاب الحرب العالمية الثانية. استمرت ديمقراطيات غربية في النظر إلى الدول الثلاث باعتبارها أراضي محتلة، لكنها عملياً لم تفعل شيئاً لإجبار الروس على الخروج من هذه الدول حتى سقوط الإمبراطورية السوفياتية.

وعليه، يبدو من المحتمل أن تتخذ هذه الدول موقفاً مشابهاً إزاء القرم حتى تفكك الاتحاد الروسي ذاته، الأمر الذي يعتبره بعض الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين أكثر من محتمل. (سبق وأن أعرب الراحل زبغنيو بريجنينسكي عن اعتقاده بأن روسيا ستنقسم إلى ثلاث دول: واحدة إلى الغرب من جبال الأورال، والتي بمرور الوقت ستتحول إلى دولة «أوروبية» بصورة كاملة، وأخرى إلى الشرق من جبال الأورال وغرب سيبيريا يغلب عليها التتار المسلمون والباشكير، ودولة ثالثة في سيبيريا تضم مزيجاً من أعراق صينية وكورية وأبناء سيبيريا الأصليين.

ثانياً: يرغب بوتين في توقف أعمال التوسع من جانب «الناتو»، خصوصاً داخل أوروبا وجنوب القوقاز.

وبالنظر إلى سوريا في إطار الأطماع الروسية الجديدة في الشرق الأوسط، نجد أن بوتين سعى على عجل لصياغة حزمة من المقترحات بناءً على «مشاورات» مع تركيا وإيران، لعرضها على مجموعة الـ20 على أمل تعزيز موقف روسيا، باعتبارها الدولة الأجنبية صاحبة النفوذ الأكبر داخل سوريا، مع إقناع القوى الغربية بالتشارك في عبء التعامل مع موقف عصيب.

من ناحيته، يرغب بوتين في إبقاء الديكتاتور السوري بشار الأسد في السلطة لفترة قصيرة، في الوقت الذي ترسخ روسيا وجودها داخل سوريا على نحو لا يمكن لأي نظام سوري في المستقبل تجاهله. ومن أجل كسب تأييد الغرب لمثل هذه الحزمة من المقترحات، سيتعين على بوتين طرح إمكانية عمله على تقليص نفوذ ملالي إيران داخل سوريا، مع العمل في الوقت ذاته على معاونة تركيا، عضو «الناتو» على الفوز بـ«حقوق مراقبة» داخل أراضي سوريا على امتداد الحدود.

هنا أيضاً، يحتاج بوتين إلى نتائج سريعة، بينما يمكن للغرب السماح له بتعزيز نفوذه داخل سوريا كيفما شاء.

ثالثاً: الحرب السيبرية التي تجب إضافتها إلى أنماط الحروب المعروفة - البرية والبحرية وعبر الغواصات والجوية، وذلك باعتبارها صورة خامسة من صور الحرب. وحتى هذه اللحظة، تمتعت روسيا باليد العليا في إطار هذه الحرب، من خلال إقدامها على مخاطر وجدت ديمقراطيات غربية صعوبة في خوضها بسبب المعارضة الداخلية. بيد أنه على المدى ما بين المتوسط والطويل، لن تتمكن روسيا أبدا من مضاهاة الموارد العلمية والتكنولوجية الغربية الهائلة. ومثلما كان الحال مع سباق الفضاء في خمسينات وستينات القرن الماضي، ربما تكون روسيا قد تقدمت على الغرب في جولة، لكنها ستأتي في مرتبة متأخرة عنه حتماً عند خط النهاية.

ورغم أن وسائل الإعلام التابعة للكرملين تشيد بـ«انتصارات» بوتين، فإنها في حقيقتها انتصارات وهمية. في الواقع، إن هذا يذكرني بقصيدة لألكسندر بوشكين بعنوان «القيصر نيكيتا وبناته الأربعون» والتي تدور حول قيصر سعيد لديه أربعون ابنة فائقات الجمال والذكاء والسحر، لكن المشكلة الوحيدة أنهن يملكن كل شيء ما عدا ما يجعل من الإنسان أنثى ـ بمعنى أنهن يحظين بكل شيء ما عدا العنصر الضروري. وعليه، اضطر القيصر نيكيتا المسكين للتوسل للصديق والعدو، وبشكل خاص العدو، لمعاونته في إصلاح هذا الأمر.

واليوم، يبدو القيصر فلاديمير بحاجة إلى الغرب أكثر مما يحتاجه الغرب.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القصير فلاديمير وبناته الأربعون القصير فلاديمير وبناته الأربعون



GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:17 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

بديل بايدن في الأمم المتحدة

GMT 08:18 2021 السبت ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

من يبقي على عزلة إيران؟

GMT 08:24 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين: رجل الضريح ورجل النهضة

GMT 09:15 2021 السبت ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا: القومية تطل برأسها من جديد

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia