شاهد حق بامتياز

شاهد حق بامتياز

شاهد حق بامتياز

 تونس اليوم -

شاهد حق بامتياز

جهاد الخازن

كثيراً ما نسمع عبارة «شاهد على العصر» وقد يكون شاهد حق وقد يكون شاهد زور. لا أحد في الوطن العربي كان شاهد حق على النصف الثاني من القرن العشرين أكثر من الدكتور كلوفيس مقصود، الأكاديمي المثقف وسفير جامعة الدول العربية من الهند إلى واشنطن ونيويورك.
كتابه الجديد «من زوايا الذاكرة، محطات رحلة في قطار العروبة»، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، يسجل في عنوانه ما أعرف عن الصديق كلوفيس عبر نصف قرن من العلاقة الوثيقة المستمرة، فهو عروبي يقول إن مذكراته «محاولة لوضع مسيرتي بما هي التزام بالعروبة ومشروعها الوحدوي» ويرى أن «العروبة تبقى حاضنة للإسلام، والإسلام المضيء حاضن للعروبة».
جمعتني وكلوفيس منذ ستينات القرن الماضي صداقة ومحبة، غير أنني لم أدرِ مدى تقاطع طرق الحياة بنا إلا بعد أن قرأت كتابه الذي يبدأ بتمهيد جميل من أخينا عمرو موسى.
هو درس في جامعة جورج واشنطن وإبن أختي تخرّج فيها طبيباً، وحصل على دكتوراه من أكسفورد وابني تخرّج فيها. بل أن أختنا الحبيبة زوجته هالة سلام، رحمها الله، حصلت على دكتوراه من جامعة جورجتاون وهي الجامعة التي عملت لدكتوراه فيها من دون أن أكمل وأكتب الأطروحة. وفي مركز الدراسات العربية المعاصرة في الجامعة كرسي باسم العزيزة هالة، وأنا عضو مجلس المستشارين في المركز منذ تأسيسه. وكان بيت كلوفيس وهالة وبيت أختي متجاورين في أحد أحياء واشنطن.
أغرب من ذلك أنني طلبت من كلوفيس أن يمدني بسكرتيرة/ سكرتير من مكتب الجامعة العربية في واشنطن، وجاءني رضا أسعد الذي تزوج ناديا أبو رزق السكرتيرة الأخرى في مكتب الجامعة، وقصتهما تستحق الرواية، وقد أعود إليها يوماً.
كلوفيس يسجل حادث اغتيال إرهابيين إسرائيليين كمال ناصر (وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار) في بيروت سنة 1973. كنت عائداً إلى البيت عندما وجدت والدتي على شرفة تطل على الشارع وهي تلوِّح بيديها لي وتقول إن أختنا مهى الجيوسي، زوجة كمال عدوان، اتصلت بها لتقول إن الإسرائيليين قتلوا زوجها. وأسرعت إلى بيت كمال عدوان لأجده محمولاً على الأيدي والدم يغطي جسده لينقل إلى سيارة إسعاف. وفي حوالي الثانية صباحاً تذكرنا أن كمال ناصر في طابق علوي من البناية نفسها وصعد مصوّر من «النهار» وتبعته لنجد الشاعر الحبيب مقتولاً ومصلوباً على الأرض.
أيضاً يشير كلوفيس إلى اغتيال الإسرائيليين غسان كنفاني، وكانت زوجته آني اتصلت بي لتقول لي ما حدث فأسرعت إلى بيت الأسرة في الحازمية، ووجدت الصديق عبد الودود حجاج أمام مبنى «النهار» القديم حيث كان يعمل لوكالة الأخبار الأميركية يونايتد برس وأخذته معي، ورأينا جثة غسان وابنة أخته لميس نجم تحملان في أكياس بعد أن مزقهما انفجار في سيارته.
المذكرات تتحدث عن تجارب مؤلفها مع جمال عبد الناصر وأنور السادات وشارل مالك وسعيد عقل وميشال شيحا وأحمد الصافي النجفي وعادل أرسلان وعمر أبو ريشة وقسطنطين زريق ومجيد أرسلان وكمال جنبلاط وعبد الرحمن عزام باشا والشاذلي القليبي ومحمد حسنين هيكل وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وأم كلثوم.
قرأت وقرأت وفوجئت بأن كلوفيس لم ينسني وسط هؤلاء العظام. هو قال:
في أواخر 1983 جرى ترحيل أبو عمار بحراً من مدينة طرابلس اللبنانية. آنذاك حملت السفن الفرنسية أبو عمار من طرابلس لبنان، وطلب الذهاب إلى مصر ونزل في مرفأ الاسكندرية. كنا في حرج صرنا في حرجين. كنت خارجاً للتو من قاعة مجلس الأمن فسألني مراسل جريدة «الشرق الأوسط»: هل تعتبر أن ذهاب أبو عمار إلى مصر يشكل خرقاً لقرار القمة؟ سؤال محرج. قلت: لا أعتقد أنه يشكل خرقاً لكنه في الوقت نفسه لا يشكل امتثالاً له. التقط الجواب الصديق جهاد الخازن وكتب في اليوم التالي افتتاحيته بعنوان «الكلفسة.» كتب: إذا أردتَ أن تعرف ما هي الكلفسة فما عليك إلا قراءة رد السفير كلوفيس مقصود على سؤال «الشرق الأوسط» أمس حول نزول أبو عمار في مصر. وأضاف: الكلفسة نقيض الفلسفة. الفلسفة تجعل المجهول معلوماً، أما الكلفسة فهي تجهيل المعلوم. ومن يومها انتشرت الكلفسة كمرادف للالتباس المقصود، لصاحبها كلوفيس مقصود، وصارت العبارة متداولة وساهم في تعميمها رفاق العمر، خاصة منح بك الصلح الذي كان واحداً من بين أحبّهم عندي.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاهد حق بامتياز شاهد حق بامتياز



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia