بقلم : جهاد الخازن
الدنيا صيف والعائلة في إجازة في جنوب فرنسا، حصتي منها من نوع مـَثـَل شامي هو: مثل عزيمة الحمار على العرس، أو يحمل الماء أو يحمل المعزومين. سواء كان هناك بيت أو شقة، عمل الزوج مثلي أن يملأه بزجاجات الماء والكولا والكازوزة، ثم علب تنظيف الثياب، وزجاجات تنظيف الصحون والزجاج، ثم ملء البراد بالطعام، والتأكد من أن الغسالة تعمل وكذلك النشّافة، أو نأتي بمَنْ يصلحها أو يستبدل غيرها بها.
ربما قلت شيئاً مماثلاً لما سبق قبل سنوات، إلا أنه يبقى صحيحاً اليوم وغداً، وبعد إنجاز المطلوب في ثلاثة أيام أو أربعة هدّني فيها التعب أجلس وأفكر، وأجد أن الأزواج كلهم مثل بعضهم بعضاً، إلا أن الوجوه تختلف حتى تعرف كل زوجة أيهم زوجها من وسط الجموع.
طبعاً الشَعر الشايب ليس دليل حكمة بل دليل على عمر صاحبه، والفرنسيون اخترعوا قبل قرون علاجاً للشعر الشايب هو المقصلة.
أفكر لأن التفكير لا يحتاج إلى أن أحمل حاجات ثقيلة إلى البيت، وأتذكر المَثل «الولد ولد لو حكم بلد». وأجد أن أكثر البالغين يبقون أولاداً. والذكي من هؤلاء هو الذي يخبر زوجته بكل أسراره قبل أن تكتشفها بنفسها. وكنت سمعت أن الضمير لا يمنع الإنسان من ارتكاب المعاصي وإنما يمنعه من التمتع بها.
أقرأ في فرنسا، مع الجرائد الإنكليزية التي تصل من لندن، جريدة اسمها «نيس ماتان» ومعرفتي بالفرنسية محدودة بما تعلمت منها في المدرسة الثانوية، إلا أنها تكفي لأقرأ عن الإرهاب في نيس يوماً بعد يوم أو مسلسل القتل في الولايات المتحدة، وعن مهاجر إيراني قتل تسعة في ميونيخ، وآخر مهاجر سوري فجّر نفسه في انسباخ بجنوب ألمانيا فمات وجرح 12 شخصاً. أيضاً هناك خلافات بين الرئيس الفرنسي وحكومته والطلاب والنقابات والعمال من كل نوع.
كل ما سبق لا يمنع أن ألاحظ أن المعارضة في كل بلد ديموقراطي مثل فرنسا تحكم بعد الانتخابات العامة التالية، أما المعارضة في بلادنا فتهاجر أو تُحاكـَم.
الحكومة ليست بريئة في فرنسا أو غيرها فهي تمثل أقلية تحكم الأكثرية، وأي نفي تصدره الحكومة، سواء أكانت ديموقراطية أوروبية أو عربية، يعني تأكيدها صدق الخبر المنفي. الشعب أيضاً ليس بريئاً فهو يتألف من ناس مرضى ولا شفاء لهم.
أكتب لأنني صحافي، وتجربتي الخاصة تقول إن الصحافي إنسان فشل في دخول كلية الطب أو كلية الهندسة، كما حدث معي. على رغم ما أسجل من تقصيري فأنا أدرك أنه سيكون هناك تاريخ عربي صحيح عندما نعيد كتابة التاريخ العربي الحالي. يقولون: التاريخ يعيد نفسه. لا أرى هذا وإنما أرجح أن المؤرخين يعيد المتأخر منهم كتابة التاريخ كما سجله المتقدم.
أعود إلى البيت، وأجد على الطريق إعلانات لمعرض للفن الحديث في فيلا روتشيلد في سان جان كاب فيرا. الفن قديماً وحديثاً هو التالي: إذا نظرت إليه معلقاً على جدار فهو لوحة، وإذا استطعت المشي حوله فهو تمثال. إذا لم يكن الموضوع هو الفن، فهو الأفلام، وهناك قربنا سينما في الهواء الطلق. تجربتي تقول إن بطل الفيلم هو المتفرج الذي يحضر الفيلم حتى نهايته. أما المخرج فهو رجل دميم قصير ما منعه من أن يصبح ممثلاً.
كدت أن أعود إلى التفكير إلا أن هناك واجبات عائلية، فالمفروض أن نزور ونُزار، وأن نسجل دعوات الأفراح والليالي الملاح، ومعها أعياد الميلاد فهناك أصدقاء عشنا العمر معاً، ولا يمكن أن ننساهم أو ينسونا. حفلة الصليب الأحمر في موناكو غبنا عنها هذه السنة لأن صديقاً عزيزاً اعتاد أن يدعو الأصدقاء إليها توفي، وذكراه في القلب لا تغيب.
كلنا في الهم شرق، والكل متزوج. الزواج أخذ وعطاء. هو يعطي وهي تأخذ.