تصفية حسابات في تركيا ومستقبل غامض

(تصفية حسابات في تركيا ومستقبل غامض)

(تصفية حسابات في تركيا ومستقبل غامض)

 تونس اليوم -

تصفية حسابات في تركيا ومستقبل غامض

بقلم : جهاد الخازن

أذكر من أيام إقامتي في الولايات المتحدة أنني كنت أتابع برنامجاً اسمه «ساعة هواة»، وذكراه عادت إليّ وأنا أتابع محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، فقد قام بها هواة لم يحاولوا اعتقال الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدرم، وإنما تركوهما ليخاطبا أنصار حزب العدالة والتنمية ويستثيرا المواطنين ضد الانقلابيين.

أردوغان فاز في الانتخابات النيابية بطريقة شرعية وحزبه يتمتع بشعبية عالية بين الناخبين الأتراك، ثم هو دكتاتور يعمل في السر والعلن لتدمير الدولة العلمانية التي بناها أتاتورك في عشرينات القرن الماضي، وإنشاء سلطنة عثمانية جديدة.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيدا الحكومة الشرعية في تركيا، إلا أن الاتحاد قال رداً على تلميح أردوغان إلى أحكام بالإعدام، إن أي إعدامات تعني استحالة دخول تركيا الاتحاد الأوروبي. وأنا لا أراها ستدخل الاتحاد في المستقبل القريب مهما فعلت أو لم تفعل.

الانقلاب بدأ قبل الفجر وفشل بعد الظهر مع سقوط 265 قتيلاً ومئات الجرحى. في اليوم ذاته جرى اعتقال حوالى ثلاثة آلاف من كبار ضباط الجيش والشرطة وأيضاً 2745 من القضاة والمدعين العامين. وكان بين المعتقلين اثنان من أعضاء المحكمة الدستورية، أعلى سلطة قضائية في البلاد. وجدت أن هذين القاضيَيْن أيدا حقوق الإنسان وقالا إن صحافيَيْن سجنا بتهمة الخيانة لا دليل ضدهما.

الجيش التركي قام بانقلابات عدة بين 1960 و1997، ونجم الدين أربكان توقع عزله فأرسل إليّ رسالة مع الأخ جمال خاشقجي تقول إن الجيش يريد إطاحته، وإن فرصته هي أن يحقق شيئاً عجز الجيش عن تحقيقه، وتحديداً اعتقال عبدالله اوجلان. ذهبت إلى سورية وقابلت المسؤولين كافة ورُفِض طلب أربكان، وكان أن هددت تركيا بدخول قواتها سورية، وأرسل أوجلان إلى كينيا وسلم إلى الأتراك مجاناً، وضاعت فرصة الحصول على اتفاق يعطي السوريين من ماء الفرات أكثر مما كانوا يطلبون كما قال أربكان في رسالته إليّ التي نقلتُها إلى المسؤولين السوريين.

الدنيا كلها فرص ضائعة، وكما ضيَّع النظام السوري الفرصة، ضيَّع الجيش التركي فرصة إعادة البلاد إلى طريق العلمانية التي أرساها أتاتورك.

وأردوغان استغل المحاولة الفاشلة لتصفية حسابات شخصية، فلا يمكن أن يكون ألوف من ضباط الجيش والشرطة ومعهم ألوف القضاة والادعاء العام ينظمون محاولة انقلاب ولا تعرف السلطات شيئاً عن مؤامرتهم. قرأت أن أردوغان سكت عن محاولة الانقلاب ليستغل فشلها عذراً لبناء السلطنة التي يريدها. لا أصدق شخصياً نظريات المؤامرة، وإنما أرى أن محاولة الانقلاب نظمها هواة دفعوا الثمن مع الشعب التركي كله. وقد أعلن أردوغان قانوناً للطوارئ لثلاثة أشهر تكفي ليتخلص من معظم خصومه السياسيين.

قرأت مقارنة عن نجاح إطاحة محمد مرسي في مصر وفشل الانقلاب التركي. ليكود الميديا الأميركية يبحثون دائماً عن حجة ضد مصر، وأرى المقارنة مستحيلة، فقد نظمت تظاهرات مليونية ضد حكم مرسي، وهي مسجلة بالصوت والصورة، والجيش المصري تدخل لإنقاذ البلاد. في تركيا، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم يتمتع بغالبية بين الناخبين الأتراك، وقد رأينا أنصاره ينزلون إلى الشارع للدفاع عن الحزب الحاكم.

المهم الآن المستقبل، وأرى أنه لا يبشر بخير على المدى القصير. المدن التركية شهدت تفجيرات وعمليات انتحارية في السنوات الأخيرة لم يحدث مثلها من قبل. والرئيس أردوغان مصرّ على قمع الأكراد ما يزيدهم إصراراً على الانفصال في مناطقهم. ثم إن أردوغان متهم بالإغضاء عن إرهاب الدولة الإسلامية المزعومة في سورية إلى درجة التواطؤ معها. هذه التهمة غير ثابتة، إلا أن مجموع سياسة أردوغان يقلق الولايات المتحدة وحلف الناتو. الولايات المتحدة أنكرت أي علاقة لها بمحاولة الانقلاب وحثت أردوغان على احترام الديموقراطية، وحلف الناتو تنص قوانينه على أن العضو يجب أن تكون سياسته مبنية على الديموقراطية والحرية الفردية وحكم القانون.

تركيا اليوم ليست من هذا النوع أو ذاك، وإنما في طريق سلطنة عثمانية بعد أن ضيع أردوغان طريق الديموقراطية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصفية حسابات في تركيا ومستقبل غامض تصفية حسابات في تركيا ومستقبل غامض



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia