بقلم :جهاد الخازن
هناك في قاموس اللغة الإنكليزية عبارة «صيد الساحرات»، أو مطاردة الساحرات، ومعناها حملة مشددة للقبض على معارضين أو فضح أعمالهم بحجة حماية المصلحة العامة.
العبارة تعود إلى العصر الوسيط في أوروبا وأميركا الشمالية، وتحديداً بين 1450 ميلادية و1750 عندما كانت الساحرات يُقتَلن، عادة بحرقهن، وكان النظام في هذا البلد أو ذاك يتهم أعداءه بممارسة السحر للخلاص منهم، فيقدّر عدد الإعدامات في فترة القرون الثلاثة بين 15 ألفاً ومئة ألف.
في بريطانيا، صدر قانون سنة 1735 أوقف مطاردة الساحرات، إلا أن هذه العادة استمرت في بلدان أخرى، من آسيا إلى أفريقيا وحتى أستراليا. في الهند، قرأت أن 2100 امرأة متهمة بممارسة الشعوذة أو السحر قتلن بين السنة ألفين والسنة 2012.
ما سبق مجرد مقدمة فالعبارة أصبحت تتردد يومياً في الولايات المتحدة، وإذا عاد القارئ إلى تغريدات دونالد ترامب اليومية سيجد أمثلة عدة عليها.
ترامب أنكر مرة بعد مرة أن تكون روسيا تدخلت في انتخابات الرئاسة الأميركية ووصف الاتهامات بأنها من نوع صيد الساحرات، ثم عاد واعترف بتجسس روسيا. هو قال أن مزاعم أن المسؤولين الروس جمعوا ملفاً فاضحاً عنه سخف كامل ومن نوع صيد الساحرات، وربما غيّر رأيه غداً.
المعلومات سربت عن جاسوس بريطاني إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية والرئيس أوباما وتقول أن عند الروس صوراً أو فيديوات لترامب في فندق بموسكو مع ملكات جمال وربما غانيات. بل إن خبراً تحدث عن أنه أمر الغانيات بتلطيخ غرفة في الفندق نزل فيها باراك أوباما مع زوجته.
جريدة «الغارديان» اللندنية، وهي رصينة إلى حد ثقل الدم، قالت أن الكرملين وصف تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية بأنه صيد ساحرات سياسي، وقال أن التهم لا أساس لها، وهي تكشف أن مردديها من الهواة. هذا الموقف الرسمي الروسي لا يمكن أن يدحض كلام 17 جهاز استخبارات أميركياً في تقرير قدِّم إلى باراك أوباما ثم ترامب عن تنصت الروس على اللجنة الديموقراطية الوطنية، فرأيه وحده أن هذا لم يحدث، يعني هو يقول أنه يعرف أكثر من استخبارات بلده كلها، ومع أن المعروف عن الأجهزة الأميركية المعنية أنها تتنافس ونادراً ما تتفق على موقف. هذه المرة وقفت معاً ورفض ترامب كلامها.
أزيد على ما سبق أن وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون قال أن الروس «يمارسون أنواعاً مختلفة من الاحتيال»، وردت عليه السفارة الروسية في لندن بالقول أن كلامه مجرد صيد ساحرات ولا دليل عليه. السفارة اتهمت الحكومة البريطانية كلها وقالت أن بريطانيا ستنقل معلومات كاذبة إلى إدارة ترامب، ولعلها كانت تشير إلى زيارة ستقوم بها رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى واشنطن خلال أسابيع بعد تنصيب ترامب رئيساً للاجتماع بالرئيس الجديد وبناء علاقة سياسية واقتصادية معه، خصوصاً مع قرب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ما نستطيع أن نقول هنا بثقة تامة أن لسان دونالد ترامب يسبق عقله، وهناك أمثلة كثيرة على قوله شيئاً ثم تعديله في اليوم التالي أو «تصحيحه» أو إنكاره.
قصته مع الممثلة ميريل ستريب تستحق أن تُروى، فهي انتقدته في حفلة توزيع جوائز «غولدن غلوب»، ورد عليها بتغريدة قال فيها أن قدرة ستريب مبالغ فيها كثيراً. لم يمضِ يومان حتى نشرت صحف أميركية ومواقع على الإنترنت أنه في سنة 2015 سئل ترامب عن أهم ممثلين وممثلات أميركيين فمدح جوليا روبرتس وقال أن ستريب «ممتازة وإنسانة طيبة أيضاً».
أعتقد أن الولايات المتحدة ستعاني مع بقية العالم من رئاسة رجل لا يعرف من السياسة الخارجية غير اسمها.