سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً

سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً

سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً

 تونس اليوم -

سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً

بقلم : جهاد الخازن

كنت أعرف بلدة صيدنايا قرب دمشق، بلدة جميلة ترتفع حوالى 1400 متر فوق سطح البحر، وتضم أكثر من 20 ديراً و40 كنيسة يقصدها الحجاج والسياح من بلادنا ومن حول العالم لأن شهرتها أكبر كثيراً من حجمها.

قبل أيام قرأت أن النظام أعدم في سجن صيدنايا حوالى 13 ألف شخص بين 2011 و2015 وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية.

هل هذا صحيح؟ هل هو ممكن؟ زرت صيدنايا غير مرة في أيام السلم الأهلي، فهي قريبة من دمشق، وهناك مواقع سياحية ومطاعم وغيرها، ولم يخطر لي إطلاقاً أنها تضم سجناً وأن ألوف السجناء سيُعدمون فيه من دون محاكمة.

كنت أعتقد أنني أعرف سورية بلداً وشعباً، فهي بلدي مثل لبنان والأردن وفلسطين، وكم زرت معرض دمشق صغيراً، وكم أكلت في مطاعم الغوطة مع الأهل والأصدقاء، وكم توقفنا في بلودان حيث الزائر يستطيع أن يرى من التلال فوقها بعلبك وقرى شرق لبنان.

كنت مدعواً إلى ألفية مار مارون في حلب، ووصلت متأخراً إلى مطار دمشق، وكانت سيارة رسمية بانتظاري لأنتقل إلى حلب. على الطريق توقفت في حمص وتفرجت على نواعير حماة، ورأيت حلب كما عرفتها دائماً بسورها وأسواقها وآثارها.

دمشق وحلب وجبيل في لبنان من أقدم مدن العالم على الإطلاق. وفي حين أن جبيل تعرضت لغزو وهُجِرَت أحياناً، فإن دمشق بقيت عامرة بأهلها ألفية بعد ألفية فهي محاطة بالماء والأراضي الزراعية، وكل ما تشتهي العين.

نمت مرة مع أصدقاء في الجامع الأموي، لأن الفندق الذي اخترناه كان يملأه البق، وكنت إذا رافقت أمي صغيراً إلى الأردن، حيث كان لنا أرزاق، نتوقف في دمشق، أما في طريق الذهاب أو العودة، والوالدة تعرف ما تشتري من سوق الحميدية أو الشارع المستقيم أو غيرهما. هل يعرف القارئ أن فستان الملكة إليزابيث الثانية في حفلة تتويجها سنة 1953 كان مصنوعاً من حرير دمشقي؟

وسؤال آخر للقارئ: هل زار بصرى الشام (اسكي شام) أو تدمر يوماً؟ إذا فعل فقد كسب، وإذا لم يفعل فهو وأنا قد نموت ولا نرى هذه أو تلك لأن الوضع السوري من سيئ إلى أسوأ، ولا سبب لتوقع أي انفراج.

ألف قصيدة قيلت في مدح دمشق وأهلها، ولعل هناك اليوم مراثي لم تصل إليّ بعد. عندي من أخبارها في الكتب القديمة «الروض المعطار في خبر الأقطار» للحميري، تحقيق أستاذي إحسان عباس، و «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» للشريف الإدريسي، و «معجم البلدان» لياقوت الحموي، و «مروج الذهب ومعادن الجوهر» للمسعودي. عبدالله بن أحمد الكاتب له في دمشق قصيدة طويلة أختار منها:

سقى الله ما تحوي دمشق وحياها / فما أطيب اللذات فيها وأهناها

إذا ذكرتها النفس حنّت لذكراها / وإن ذكرتها العين حنّت لرؤياها

ما دار في الخلد أبداً أن تصبح سورية الحبيبة مسرح قتال وموت، ولن أبكي ولن أحاول استدرار دمع القارئ، وإنما أتذكر أننا كنا في طريق العودة إلى بيروت نشتري الفاكهة من بائعين على الطريق، تين وعنب وسفرجل وغيرها، وربما بعض الخضار، والأسعار دائماً أقل منها في لبنان. هل آكل البوظة (جيلاتي) يوماً عند بكداش في سوق الحميدية أو أرى التحف المحلية الصنع في الشارع المستقيم؟ هل أزور مطاعم قاسيون المطلة على دمشق؟ كنت أعتقد أن العمر هناء وصفاء ورواء. لكن علمت شيئاً وغابت عني أشياء.

المصدر : صحيفة الحياة

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia