بقلم : جهاد الخازن
أفضل قاموس للغة العربية هو «لسان العرب» لابن منظور وعندي منه نسختان.
النسخة التي أحتفظ بها في بيروت في 18 جزءاً، الثلاثة الأخيرة منها فهارس، وقد حققه عامر أحمد حيدر، وراجعه عبدالمنعم خليل ابراهيم، وهو صادر عن دار الكتب العلمية في بيروت. الكلمات فيه تبدأ بآخر حرف فيها على الطريقة القديمة، ولا تخلو صفحة من شاهد على شكل بيت شعر. النسخة التي أحتفظ بها في لندن في ستة أجزاء ومن إصدار دار المعارف، وتبدأ كل كلمة بالحرف الأول على الطريقة الحديثة. لتسلية القارئ وجدت في بيروت أن كلمة أقرع تعني الكثيف شعر الرأس ومثله في المعنى قرعاء. في لندن وجدت أن الكلمة أقرع أو قرعاء تعني الذي ذهب شعره، وهو المعنى الذي نستعمله.
أكتب اليوم عن أفضل الكتب ومؤلفيها، ولا أجد مثلهم بين الأحياء. قرأت للكاتب العظيم أحمد أمين مقدمة ديوان حافظ ابراهيم وأعجبت بها وبه، ثم قرأت له وأنا أودع المراهقة «فجر الإسلام» و «ضحى الإسلام» وتعلمت منه عن الإسلام ما لم أكن أعرف فأسجل اليوم شرحه الآيات المحكمات والمتشابهات ناقلاً عن القرآن الكريم: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم... (سورة آل عمران، الآية 7).
الدكتور البرت حوراني مفكر من نوع نادر له كتب كثيرة لكن أختار لهذه العجالة كتابه «الفكر العربي في عصر النهضة 1798-1929». الكتاب في 480 صفحة، ومترجم عن الانكليزية، إلا أنه موسوعي في موضوعه، فالمراجع وحدها في 40 صفحة، وبعد تسجيل أسماء الذين اعتمد عليهم في فصول الكتاب الثلاثة عشر، يورد المؤلف أسماء كتاب أجانب بالانكليزية والفرنسية، ثم يسجل مراجعه العربية بدءاً بمذكرات الملك عبدالله الصادرة في عمّان سنة 1947 وانتهاء بقسطنطين زريق، ذلك البروفسور العظيم الذي كتب لـ «الحياة» حتى وفاته.
بين هذا وذاك ينقل عن محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وقاسم أمين وشكيب أرسلان وبطرس البستاني والفارابي وعلال الفاسي وطه حسين وساطع الحصري وابن خلدون وكمال جنبلاط وأحمد لطفي السيد وسلامة موسى وأحمد فارس الشدياق، وعشرات غيرهم.
الشيخ ناصيف اليازجي له «العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب» وهو يمثل أفضل شرح لديوان صدر، فأولاً، الشيخ ناصيف ينشر قصائد المتنبي حسب صدورها منذ صباه، ولا يجعلها على أساس القافية بدءاً بالهمزة وانتهاء بالياء، وثانياً، هو يشرح الأبيات بما يشبه الإعجاز فهو لغوي بقدر ما هو شاعر، ثالثاً، هو يعرب بعض النص ليفهم القارئ المقصود بالشعر وليستفيد مع ذلك لغة وصرفاً ونحواً.
كان أستاذي في الماجستير الدكتور إحسان عباس. وكتبه في الشعر والأدب لا يرقى الى مثلها أحد اليوم، وكان اهتمامه بالشعر الأندلسي جعلني أهتم به أيضاً، وقرأت كتبه كلها وأنا طالب في الجامعة الأميركية في بيروت.
أكتفي اليوم بكتابه «تاريخ النقد الأدبي عند العرب، نقد الشعر من القرن الثاني حتى الثامن الهجري». مصادر المادة النقدية في الكتاب 78 مرجعاً بدءاً بأبي تمام والجاحظ والبحتري وانتهاء بأرسطوطاليس وكتابه في الشعر. بين هذا وذاك الدكتور عباس ينقل عن ابن طباطبا والفارابي، وبضعة عشر كتاباً بعضها انتصر للمتنبي وبعضها كشف مساوئه. هو ينقل أيضاً عن كتاب الشريف الرضي «تلخيص البيان في مجازات القرآن»، وعن ابن سينا والثعالبي والمعري وابن حزم وابن الأثير وابن خلدون وكثيرين آخرين، فاخترت الأسماء المشهورة لأن بعض المراجع لم أسمع بها من قبل وأنا تلميذ الدكتور عباس، رحمه الله. هناك أيضاً «مصادر عامة» للكتاب أحصيت حوالى 50 منها، وأدرك من طول معرفة بأستاذي انه قرأ كل الكتب المشار اليها في الفهرس.
أين مثل هؤلاء الكبار في عصر النحس الحالي؟ لا أحد مثلهم أو على مقربة منهم.
المصدر : صحيفة الحياة