الحرب العالمية الثانية تركت لنا مذكرات آن فرانك، وهي بنت يهودية وُلِدت في فرانكفورت سنة 1929 وماتت في معسكر اعتقال نازي سنة 1945 وعمرها 15 سنة.
أسرة فرانك هربت من اضطهاد النازيين اليهود إلى أمستردام واختبأت سنتين ثم اكتشف النازيون الأسرة سنة 1944 والأختان آن ومارغو نقلتا إلى معسكر اعتقال توفيتا فيه بعد ذلك بسنة.
والد آن، واسمه فرانك، أهداها مفكرة سنة 1942، والابنة سجلت فيها ما شاهدت من عذاب. الوالد كان الوحيد من أسرته الذي بقي حياً بعد الحرب. وعندما عاد إلى أمستردام وجد أن مذكرات ابنته محفوظة عند زميلة لها، وكان أن نُشِرت المذكرات سنة 1947، ثم أصبحت جزءاً من تاريخ الحرب العالمية الثانية. ورقتان كانتا غير مقروءتين ضمن المذكرات الأصلية نشرتا أخيراً، بعد أن سمحت التكنولوجيا الحديثة بالاطلاع على مضمونهما، ضمتا بعض ما كان يجول في خاطر فتاة مراهقة.
النازيون قتلوا ملايين اليهود خلال الحرب قبل أن يهزمهم الحلفاء. ومذكرات فرانك صحيحة، فلا سبب أبداً لإنكارها أو إنكار ما سجلت، وهو ما رأت بأم العين.
ليس لي أي اعتراض على البنت وما كتبت إطلاقاً، إنما اعتراضي على جماعات من اليمين الإسرائيلي واليهودي الأميركي جعلت آن فرانك الضحية الوحيدة، أو رمز ما عانى اليهود، ونسوا أو تناسوا ملايين الضحايا الآخرين في أوروبا كلها.
اليوم حكومة الإرهاب الإسرائيلية تقتل الفلسطينيين بالمفرق، فواحد يُقتل هنا أو اثنان هناك، وبالجملة عندما يُقتل خمسون فلسطينياً أو ستون في يوم واحد. كل واحد من هؤلاء شهيد أو شهيدة، يستحق القداسة.
آخر ما عندي من هؤلاء القديسة الحيّة عهد التميمي التي صفعت جندياً إسرائيلياً فحُكِم عليها بالسجن ثمانية أشهر. الجنود الإسرائيليون أو القنّاصة الذين قتلوا فلسطينيين يتظاهرون داخل قطاع غزة نالوا تهنئة الإرهابيين الإسرائيليين الآخرين، وربما ترقية أو مكافأة.
ربما ما كنت عدت إلى الموضوع كله لولا أنني قرأت عن بنت روسية عاصرت حصار النازيين ليننغراد (سانت بطربسبرغ اليوم) اسمها تانيا سافيتشيفا التي ولدت سنة 1930 وتوفيت سنة 1944 وشهدت عيناها موت أسرتها واحداً بعد الآخر.
تانيا سجلت الآتي:
- في 28/12/1941، توفيت أختها يفغينيا التي عملت في مصنع وتبرعت بالدم للجرحى، ثم توفيت وهي شبه هيكل عظمي.
- في 25/1/1942، توفيت الجدة يفيدوكيا بعد أن مرضت ورفضت الذهاب إلى مستشفى لأن الجرحى من الجنود أحق منها باستعمال أسرّة المستشفى.
- في 17/3/1942، توفي ليونيد، أو ليكا، الأخ الأكبر لكاتبة المذكرات، وكان موسيقياً هاوياً أصرّ على العمل في مصنع حتى توفي من التعب وسوء التغذية.
- في 13/4/1942، توفي العم فاسيا للأسباب نفسها التي قتلت الأخ، وكان مثقفاً له مكتبة كبيرة.
- في 10/5/1942، توفي العم ليشا الذي عمل في بناء تحصينات ضد النازيين وحفر الأنفاق.
- في 13/3/1942، توفيت الأم ماريا إثر نقص حاد في فيتامين سي بسبب سوء التغذية أو غيابها.
أختتم مذكراً القارئ العربي بالبطلة بانا العابد، بنت حلب التي سجلت تدمير عاصمة شمال سورية، ثم ذهبت إلى تركيا. عندهم شهداء بالمفرق وعندنا شهداء بالجملة، ثم مئات مثل عهد وبانا.
المصدر : جريدة الحياة
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع