«مش» في الصندوق

«مش» في الصندوق

«مش» في الصندوق

 تونس اليوم -

«مش» في الصندوق

مأمون فندي

 اليوم وغدا تبدأ انتخابات مصر الرئاسية، التي تعتبر الترجمة القانونية من خلال صندوق الانتخابات لمن خرجوا في 30 يونيو 2013. هل كانوا فعلا 30 مليونا أم أقل أم أكثر؟ خروج المصريين سيحسم ذلك الجدل القديم، ومع ذلك تبقى شرعية النظام والرئيس «مش في الصندوق فقط».
قليل جدا في مصر من يشك في فوز المشير عبد الفتاح السيسي برئاسة مصر، حسب صندوق الانتخابات، وبمراقبة دولية ومحلية صارمة. لكن نتيجة الرئاسة المصرية بكل أسف لن يحسمها صندوق الانتخاب وحده، بل ستحسمها مظاهرات الشوارع والميادين، ليس في المدن المصرية، وإنما في مدن العالم، وعلى شاشات التلفزة العالمية، وفي فضاءات العولمة الجديدة المتمثلة في الإنترنت من «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما. شرعية الانتخابات وقبولها لن يكون فقط داخل حدود الدولة المصرية، بل جزء كبير منها سيكون عالميا في طبيعته، وهذا هو التحدي الأكبر، الذي يجب أن يجهز الجميع أنفسهم له. إنها معركة تحديد الأغلبية القانونية الهادئة مقابل الأقلية الزاعقة. أي كتلة من هاتين الكتلتين يعتبرها الخارج قبل الداخل ممثلة لنبض الوطن وروحه. وهذه الظاهرة ليست مصرية، حتى لا يتعجل البعض الحكم، بل هي ظاهرة عالمية من انتخاب بوتين رئيسا لروسيا إلى أوكرانيا، ومن قبلها دول البلقان ووسط أوروبا بدرجات أقل. وبهذا تكون القصة ليست الانتخابات، بل ما بعدها، وتصبح القصة ليست الصندوق، بل من سيخلق الكتلة الأكبر، ويسوقها لتبرر ما في الصندوق، وتشرعنه، فيصبح رمزا للوفاق، أو تعلنه مزورا فيصبح رمزا للشقاق، وهذا ما سأوضحه في هذا المقال.
إذن، التحدي الكبير بالنسبة لمصر ليس إجراء انتخابات نزيهة، ولكن ما بعد انتخاب الرئيس، حيث تبدأ معركة شرعية هذه الانتخابات في الداخل والخارج. أسئلة الانتخابات المقبلة ليست في الإجراءات، وإنما أسئلة أكبر، أولها، الذي يجب أن نفكر فيه بهدوء، هو السؤال التالي: هل شرعية الانتخابات وقبول نتائجها في دول الربيع العربي عموما، وفي مصر على وجه الخصوص، شرعية محلية أم دولية؟ وأين تكسب الانتخابات، هل يكسب المرشح الانتخابات في الصندوق، أم يكسبها في ميادين مصر وشوارعها؟ من يتذكر كيف كسب الإخوان المسلمون انتخابات الرئاسة السابقة، لا ينسى لحظة خروج «الإخوان» في الساعة الرابعة فجر الاثنين الأسود (18 يونيو 2012)، عندما خرج أعضاء مكتب الإرشاد، وكل من كانوا جزءا من حملة محمد مرسي الانتخابية، وأقاموا مؤتمرا صحافيا في شكل احتفالي وكرنفالي أعلن فيه «الإخوان» بصفة منفردة أن محمد مرسي هو الفائز في الانتخابات، وتوالت الساعات، وبعدها احتل «الإخوان» ميادين مصر احتفالا بالنتيجة، ولم تكن هناك نتيجة قد أُعلنت بشكل رسمي، ولكن «الإخوان» أوهموا الوطن كله، وكذلك العالم، بأنهم هم من فازوا بالانتخابات، وأن أي نتيجة أخرى ستُعلن هي تزوير لإرادة الأمة. وأمام حركة البوكر هذه، كما في لعب القمار، وضع «الإخوان» لجنة الانتخابات والمجلس العسكري في مأزق كبير أمام الرأي العالمي والمحلي. وامتلأ فضاء «فيسبوك» و«تويتر» بتهديدات النشطاء الذين أعلنوها صراحة، بأنهم سيحرقون مصر لو أعلنت لجنة الانتخابات، ومعها المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، فوز الفريق أحمد شفيق. الفضاءات الإلكترونية والصحافة والتلفزيونات العالمية أعلنتها صراحة: إما مرسي أو أن الانتخابات مزورة ولا شرعية لها لا محليا ولا دوليا. هذا المشهد باعتقادي سوف يتكرر في الانتخابات المقبلة، وربما بصيغة مضاعفة وأكثر ذكاء وحرفية، لأن القوم من أنصار «الإخوان» والدول الداعمة لهم شرقا وغربا يعدون العدة لهذا المشهد.
مهم أن نتذكر أن ما حدث يوم الاثنين الأسود، يوم أعلن «الإخوان» فوزهم وبوضع اليد في «وش الفجر»، لم يكن ابتكارا إخوانيا ولا عبقرية فريدة في فن سرقة الانتخابات، أو في إيجاد بلبلة حول نتيجة الانتخابات وشرعيتها، قبل ظهورها، والضغط على الداخل والخارج بضربة استباقية لقبول فوز الجماعة. ما قام به «الإخوان» هو نسخة منقولة بحذافيرها مما فعله من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتخابات الرئاسة في روسيا في 4 مارس (آذار) 2012. أي قبل انتخاب محمد مرسي ببضعة شهور، ونحن في مصر كما هو معروف، حكما ومعارضة، أساتذة في النقل والنسخ وفي تمصير الأشياء. نقل الحالة الروسية لم يكن بداية النقل، ولن يكون نهايته. في الحالة الروسية التي نقلتها جماعة الإخوان فعل فلاديمير بوتين ما فعله «الإخوان». فقبل أن تشكك لجان المراقبة الدولية أو المعارضة في انتخابات 2012، أعلن الرئيس الروسي أمام جماهيره في الميدان الأحمر وأمام الشاشات، أن الفائز بالانتخابات هو فلاديمير بوتين. بعد هذه الحركة، ورغم تشكيك الصحافة العالمية والمراقبين في النتيجة، وحديثهم عن التزوير، كانت النتيجة قد حسمت محليا في الميادين الروسية، وعلى شاشات التلفزيون الروسي، بصور للحشود الكبيرة التي تحمل صور بوتين.
الحالة المصرية في الانتخابات المقبلة ستكون أكثر تعقيدا؛ فالعالم على الأقل في صيغته الإعلامية ما زال منقسما (ربما بشكل غير متساوٍ) في تعريف ما حدث في مصر في 3 يوليو (تموز) 2013. البعض قبل نسخة «الإخوان»، مثل قناة «الجزيرة»، وصحيفة الـ«غارديان» البريطانية، وسماه انقلابا، والبعض أذعن للرؤية المصرية التي تقول إن ما حدث في الثالث من يوليو هو انحياز الجيش المصري للإرادة الشعبية ضد نظام الإخوان بالطريقة نفسها التي انحاز بها للشعب ضد مبارك في يناير (كانون الثاني) 2011. بالطبع كسبت جماعة الإخوان كثيرا في الإعلام العالمي، وكانت أنجح من الدولة في الترويج لنسختها من القصة، والأسباب كثيرة. وأول هذه الأسباب قدرة تنظيم الإخوان في توفير المعلومة للصحافة والتلفزة العالمية بشكل استباقي، يحدد ملامح الحوار العالمي حول مصر، قبل أن تصحو بيروقراطية الدولة من النوم.
أما السبب الثاني، وهو الأهم، فهو نوعية من يسوقون الرسالة الإعلامية. في حالة «الإخوان»، يقاتل أعضاء «الإخوان»، كل على طريقته، في الإعلام العالمي لإنقاذ سمعة التنظيم. التنظيم هو الأصل، والأفراد مجرد أدوات كل هدفهم هو إنقاذ التنظيم. أما من يعملون في بيروقراطية الدولة، وخصوصا في الخارج، فعيونهم على إحراز نقاط لمصلحتهم هم، من أجل لفت نظر من يحكمون في القاهرة، في ظل هذه التحديات الجديدة التي أكاد أجزم أنها ستحدث بعد الانتخابات مباشرة، يجب علينا جميعا أن نتعامل مع أسئلة صعبة من نوع: هل تحسم نتيجة الانتخابات على شاشات التلفزيون المحلي أم على شاشات التلفزيونات العالمية؟ أم أن نتيجة الانتخابات وشرعيتها ستصنع في «تويتر» و«فيسبوك» والفضاءات الإلكترونية الحديثة؟
رئيس مصر القادم ليس خبرا صحافيا اليوم، ولكن ما بعد انتخابات الرئاسة هنا ستبدأ الأسئلة الصعبة والتحديات الأصعب. وهذا يفرض على المشير السيسي تبني استراتيجية جديدة لم يتعود عليها، اللعبة أكبر وأعقد، هي أشبه بإدارة أكثر من حرب على أكثر من جبهة. على طريقة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، الذي كان يرى أنه على الإدارة الأميركية أن تدير أكثر من حربين في وقت واحد. هذه التحديات وطريقة التعامل معها، ومصر تكتب فصلا جديدا من تاريخها بقيادة جديدة، وربما شعب جديد.

 

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مش» في الصندوق «مش» في الصندوق



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia