جرعة واقعية لاتفاق الرياض

جرعة واقعية لاتفاق الرياض

جرعة واقعية لاتفاق الرياض

 تونس اليوم -

جرعة واقعية لاتفاق الرياض

مأمون فندي

 قدرة الدول الصغيرة في النظام العالمي المتسم بالفوضى على التكيف والبقاء كانت دائما سؤالا يشغل دارسي العلاقات الدولية، ومع هذا السؤال أسئلة كثيرة عن السياسة الخارجية للدول الصغيرة وقدرتها على الاستقلالية عن الدول المهيمنة، سواء في النظام العالمي المجمل أو في الأنظمة الإقليمية الفرعية.. هل هي قادرة على أن تكون لها سياسة خارجية مستقلة؟ وهل تستطيع تغيير بوصلة سياستها الخارجية مائة وثمانين درجة في يوم وليلة؟ ولو فعلت، فما تبعات هذا التغيير على العناصر التي كانت داعمة لهذه السياسات؟ وهل سيأتي ذلك على حساب سياسات أخرى قد تحد من قدرات الدول الصغيرة على التكيف والبقاء؟

هناك الكثير من الكتب المؤلفة لمناقشة سلوك الدول الصغيرة في النظام الدولي، ولكن ما أود طرحه هنا يخص الدول الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط، وتشمل الدول الصغيرة دولا يظنها البعض دولا قادرة مثل إسرائيل، ولكن إسرائيل تصنف - ضمن أدبيات الدول الصغرى - على أنها دولة صغيرة.

يتوارد على ذهني هذا السؤال بعد الاتفاق التي وقعته دولة مع كل من السعودية والإمارات والبحرين في الرياض في الاجتماع الأخير، والذي أدى إلى إعادة السفراء إلى الدوحة، وقد كتب هنا في هذه الصحيفة الكثير عن الاتفاق وعن التمنيات له بالتوفيق، ولكن هل يمكننا علميا تفسير سلوك قطر السياسي قبل الاتفاق ومدى أهميته لتكيف الدولة وبقائها في النظام العالمي؟ وهل سيؤثر تغيير سياستها الإقليمية سلبا على ما تبنته من سياسات قبل الاتفاق؟ ترى ما الذي سيتأثر سلبا؟ وما الذي سيتأثر إيجابا؟ وهل تستطيع دولة صغيرة دفع فاتورة هذا التغيير؟ وهنا لا أعني قطر فقط، بل كل الدول الصغيرة من فيجي إلى سنغافورة إلى إسرائيل.

تغيير السياسات داخليا وخارجيا له تبعات حتى لو كان تغيير هذه السياسات للأفضل، أي من أجل الإصلاح. والناظر إلى الدول التي غيرت سياساتها فجأة من طريق إلى طريق بديل، قد يدرك خطورة الأمر.

فعلى سبيل المثال في الدول الكبرى وليس الدول الصغيرة فقط، رأينا عندما قرر ميخائيل غورباتشوف تغيير مسار السياسات في الاتحاد السوفياتي كيف انهار النظام بعدها بسنوات قليلة، وذلك لأن غورباتشوف قرر العبث بأعمدة بناء سياسي ديكتاتوري متصلب أو متيبس، ومتى ما حرك عمودا واحدا في البناء انهار البيت على من فيه.

وفي حالة الدول متوسطة الحجم في منطقتنا مثل مصر وسوريا، يمكننا القول إن رغبة جمال مبارك (جمالاتشوف) ومثله بشار الأسد (بشارتشوف) في إصلاح النظام أو إعادة توجيه سياسات نظام متجمد كما في حالة غورباتشوف عبثا بالأعمدة الرئيسية للنظام فتخلخل وسقط. حزمة السياسات الاقتصادية التي حاول جمال مبارك تمريرها في نظام لا يتسم بالمرونة، بل بالتصلب، هي التي أوصلت مصر إلى ما هي فيه الآن.

بشار الأسد جاء إلى نظام سوري متيبس، وحاول أن يدخل سياسات تخص التقنية وعالم الإنترنت والمعلومات في نظام أساسه إخفاء المعلومة، فما إن سار في سياسة معاكسة لميراث والده حتى تصدع النظام ونراه على ما هو عليه الآن.

إذا كان هذا ما يحدث لدول كبرى مثل الاتحاد السوفياتي السابق أو الدول المتوسطة مثل مصر وسوريا ويمكنك إضافة ليبيا، فما الذي يحدث لدولة صغيرة مثل قطر بعد أن تغير سياستها الإقليمية؟

أو هل تستطيع أن تغير هذه السياسة وتغضب زبائن مختلفين داخليا وخارجيا كانوا مرتبطين باستمرار تلك السياسات؟

أنا هنا لا أدعي قربا أو بعدا من نظام تجمع مجلس التعاون الخليجي، ولا أدعي معرفة بتفاصيل اتفاق الرياض، وليس هذا هو الأمر الذي أناقشه، فكل ما أناقشه هو السؤال التالي: هل يوجد في أدبيات الدول الصغيرة في علم العلاقات الدولية ما يشرح ما حدث في الرياض؟

ليس لدي شك في رغبة قادة مجلس التعاون أن تعود المياه إلى مجاريها، ولكن الرغبة وحدها في السياسة الدولية لا بد أن تتبعها القدرة المؤسساتية على اتباع سياسات أو الامتناع عن أخرى، وتأثير ذلك على الوضع السابق لاتخاذ تلك القرارات.

سياسة الدول أيا كانت ليست القائد وحده، بل مجموعة عوامل كثيرة. وهذا ينطبق على دعوة الملك عبد الله للمصريين إلى المساعدة على إنجاح اتفاق الرياض. فأيا كانت قدرات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فهو لا يستطيع بكبسة زر تغيير ثقافة سياسية تبلورت تجاه قطر ورأي عام في دولة في حالة سيولة وتغيير أو حتى تغيير حركة العجلة داخل بعض المؤسسات التي تحركت ولفترة في الاتجاه المعاكس.

قطر قد تغير من بعض سياساتها، ولكن تكلفة تغيير السياسة ستجعلها تترد قبل تنفيذ بعض بنود الاتفاق. ويجب أن يكون هذا متوقعا وليس مستغربا.

اتفاق الرياض لا يحكمه إلا ما قاله الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لنظيره السوفياتي غورباتشوف: «نعم هناك ثقة، ولكن لا مكان للثقة من دون المتابعة على أرض الواقع». نعم، هناك ثقة وعلاقات قديمة بين دول المجلس، ولكن علاقات الدول يحكمها سلوك سياسي ليس على المستوى الإقليمي فقط، وإنما على المستوى الدولي. سلوك الدول الصغيرة التي تريد أن تتكيف وتعيش داخل نظام عالمي يتحكم فيه الأقوياء، يعني بالضرورة سلوكا مواربا، وأظن أن هذا لن يتوافق مع ما اتفق عليه في الرياض.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرعة واقعية لاتفاق الرياض جرعة واقعية لاتفاق الرياض



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia