الدولة العجلة

الدولة العجلة

الدولة العجلة

 تونس اليوم -

الدولة العجلة

مأمون فندي

بين التصريح المفرط في التفاؤل للوزير العماني المسؤول عن السياسة الخارجية يوسف بن علوي لوكالة الصحافة الفرنسية، الذي قال فيه إن المشاكل بين السعودية والإمارات والبحرين، من جهة، وقطر، من جهة أخرى، قد حُلّت تماما، مشيرا إلى أن الدول الـ3 ستعيد سفراءها إلى الدوحة، وبين الرؤية الواقعية التي صرح بها وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الخالد القائلة إن العقبة أمام حل الأزمة التزام قطر بتنفيذ بنود اتفاق الرياض، تبقى بين هاتين الرؤيتين نظرية العجلة، على أنها المفهوم الجامع المانع الذي يفسر السلوك القطري تجاه دول الخليج وتجاه ما يحدث في عالمنا العربي بمجمله، من ليبيا إلى مصر إلى اليمن. يحار الكثيرون من العرب عند تفسير السلوك القطري هذا، أي لماذا يفعل القطريون ما يفعلون، ولكن نظرية العجلة تسهّل من فهمنا للسلوك السياسي لدولة قطر.

نظرية العجلة (Bicycle Theory)، باختصار، هي أن من يقودون قطر منذ عام 1995 ـ حيث أزاح الأمير حمد بن خليفة والده ـ هم يفعلون كما يقود العجلاتي العجلة.. فبقاء العجلة منتصبة وعدم سقوطها على الأرض مرهونان بأن يحرك راكب العجلة قدميه، وأن يبدل بكل قوته، فمتى ما توقف عن التبديل وعن الدفع، فستتوقف العجلة عن السير إلى الأمام أو سيقع صاحبها من عليها. اللف والتبديل والدفع بالأقدام في العجلة، هي التي تمنع راكبها من السقوط وتمنحه الاستمرارية في الحركة، وهذا هو المقابل لتبني قطر قضايا خارجية لزعزعة الدول المحيطة، من دعم « الإخوان » في مصر منذ عام 2011 حتى الآن، إلى دعم التيار المتشدد في ليبيا لمحاولة بناء دولة «الإخوان» في ليبيا، بعد أن فشلت في مصر، إلى دعم الحوثيين في اليمن وحماس في فلسطين، إلى « داعش » و« النصرة » في العراق وسوريا. كل هذا تبديل في العجلة. فإذا توقفت قطر عن هذا التحرك الخارجي، وشغل أهل قطر بهذه القضايا الخارجية توقفت العجلة. وإذا توقف العجلاتي الذي يركب العجلة القطرية اليوم عن تصدير المشاكل ودعم الحركات، على حساب الدول من ليبيا مرورا بمصر واليمن والبحرين والعراق وسوريا، فإن العجلة القطرية قد تتوقف، وعند توقف العجلة غالبا ما تسقط ويسقط معها العجلاتي. أي أن استمرار سياسات قطر على ما هي عليه ضرورة بقاء، وليست مجرد خيار تناوش به الجيران.

هناك جماعة في قطر تؤمن بأن من الأفضل لقطر أن تكون راعية لثورات الربيع العربي ومصدرة للثورة، أفضل لها من أن تكون مستوردة لها، يعني أن الصوت الإعلامي العالي لقناة «الجزيرة» القطرية مدعوما بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين هو السياج الذي يحمي قطر من زوابع الربيع العربي، أي أن تكون مصدّرا للثورة خير من أن تكون مستوردا لها، ولذلك استثمرت قطر في جماعات مختلفة خولتها تصدير الثورات إلى الخارج كوسيلة لحماية الداخل من الاهتزاز، وحتى هذه اللحظة تُعد سياسة قطر في تصدير الثورات وإشعال الاضطرابات سياسة ناجحة من حيث قدرتها على حماية نفسها من الاضطرابات الداخلية، وحافظت على العجلاتي فوق العجلة، ولكن إلى متى؟

أخيرا، ذهب 3 وزراء سعوديون إلى الدوحة لمحاولة توصيل رسالة السعودية لقطر من منظور معلوماتي، من خلال رئيس المخابرات السعودي، ومن منظور قلق داخلي، من خلال وزير الداخلية، ومن منظور خارجي، من خلال وزير الخارجية، أي إعطاء القطريين فرصة ثانية، بعد أن يفهموا بوضوح الصورة الكاملة لمصادر الانزعاج السعودي من السياسة القطرية، وكما ذهب ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز إلى دول مجلس التعاون الخليجي من قبل ليخبرهم بفحوى ما دار بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأمير قطر، رأينا في الأسبوع الماضي زيارة الوزراء الـ3؛ الأمراء سعود الفيصل وخالد بن بندر ومحمد بن نايف للإمارات والبحرين، لإطلاعهم على ما دار في اجتماعاتهم في قطر. هذه الدبلوماسية العلنية لها تفسيران: التفسير الأول متفائل يبحث عن انفراجة وحل للأزمة، والتفسير الثاني إبراء الذمة، أي أن السعودية تقول للعالم والخليج إنها بذلت كل ما في وسعها، ولا لوم عليها إن اتخذت إجراءات متشددة.

في الاجتماع الأخير أيضا مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، تحدث الملك السعودي إلى الوزراء، وحثهم على الحلم والهدوء في التعامل مع القضايا الشائكة، وهذا يعطي انطباعا بأن السعودية تريد أن تسدّ كل الذرائع قبل اتخاذ إجراءات، لذلك جاء بيان وزراء الخارجية غامضا، مؤكدا على آلية تنفيذ اتفاق الرياض ومدى قدرة قطر على تنفيذه.

نظرية العجلة تقول إن قطر لن تنفذ اتفاق الرياض، لأنهم لو توقفوا في قطر عن فعل ما يفعلونه تفسخ النظام داخليا، ومع ذلك يجب ألا نقفل الباب أمام السيناريو المتفائل القائل إن قطر ستنفذ بنود اتفاق الرياض، وإن السفراء سيعودون عاجلا إلى الدوحة. لنقل إن قطر ستوقف برامجها في «الجزيرة»، التي تشن حملة على الإمارات العربية المتحدة، وإنها ستوقف تجنيس البحرينيين، وربما ستوقف الدعم للإخوان المسلمين في ليبيا، ترى هل هي قادرة على وقف دعمها لـ«الإخوان» في مصر؟ وإذا أوقفت دعمها لـ«الإخوان» في مصر، هل ستطرد «الإخوان» من قطر؟ وهب، نتيجة لذلك، أنها أغلقت قناة «الجزيرة مباشر مصر» وسرّحت العاملين فيها، طبعا لن أتحدث عما سيفعل هؤلاء بعد تسريحهم من قطر؛ فهم جماعات ستكون مثل العائدين من أفغانستان، سيسببون مشاكل في البلدان التي يعودون إليها، لكن هذه مشكلة ثانوية. السؤال الأهم: هل ستغلق قطر قناة الجزيرة أو تغير برامجها لتصبح برامج عادية مملّة تسقط معها القناة، ومعها تموت السياسة الخارجية لقطر؟

من يتصور أن قطر تستطيع تنفيذ اتفاق الرياض، الذي يعني في تبعاته إعادة قطر إلى حدودها وتحويلها إلى دولة صغيرة عادية، أي إيقاف العجلاتي عن التبديل بقدميه، فإن العجلة تسقط على الأرض ويسقط معها العجلاتي، ترى ماذا سيكون لقطر من أوراق إقليمية إذا ما تخلت عن دعم الحوثيين في اليمن، ومن يتحدث عن قطر أو يذكرها إذا ما توقفت عن دعم «الإخوان» داخل مصر أو إثارة قلاقل لمصر من خلال بوابتها الغربية في ليبيا؟ وكيف تنافس قطر مع إنجازات الإمارات، دونما عبث في الوضع الداخلي هناك؟ المطلوب من قطر يعيد قطر إلى دولة عادية بحدودها الجغرافية الحقيقية، أما الدولة العجلة فهي تمتد من ليبيا مرورا بمصر واليمن والعراق وسوريا. الدولة العجلة، حسب «الجزيرة»، تشمل العالم العربي كله، وحتى بعض العالم الإسلامي، ولكي لا يسقط العجلاتي، فلا بد من بقاء العجلة واقفة، ولا بد من التبديل وتصدير المشاكل.

لكي لا تتسبب في مشاكل على حقل غاز الشمال بين قطر وإيران، لا بد للدولة العجلة أن تتناهى مع السياسات الإيرانية في المنطقة، حتى لا ندخل في مشكلة حقل الرميلة البترولي الذي أشعل حرب العراق والكويت في أغسطس (آب) 1990.

لكل هذا لا بد من استمرار قطر في السياسات ذاتها، وفي التبديل «فوق»، ومن يظنون أن سياسات قطر ستتغير، فهم بعيدون كثيرا عن الواقعية السياسية. الدولة العجلة هي التي تحمي قطر، وحتى يأتي الجيران ببديل لقطر فستستمر قطر فيما هي عليه، دافعة جيرانها (إن لم يكن اليوم فقد يكون بعد أعوام) إلى اتخاذ حزمة إجراءات ضدها، ولكن حتى نصل إلى هناك، فالعجلة مستمرة في الدوران، والعجلاتي مستمر في التبديل، حتى لا يسقط من فوق العجلة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة العجلة الدولة العجلة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia