عندما يصبح الوهم أقوي من الحقيقة غزوة ريو

عندما يصبح الوهم أقوي من الحقيقة: غزوة ريو

عندما يصبح الوهم أقوي من الحقيقة: غزوة ريو

 تونس اليوم -

عندما يصبح الوهم أقوي من الحقيقة غزوة ريو

بقلم : مأمون فندي

رفض لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي مصافحة اللاعب الإسرائيلي آور ساسون، بعد هزيمته بالنقطة الكاملة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016. لا أدعي فهًما في الجودو، لكنني أفهم في العلاقات الدولية، وموقف اللاعب المصري الخاسر هو كارثة إعلامية فرضتها نرجسية «أبطال البلاي ستيشن» في عاملناالعربي، الذين يظنون أنهم يخرقون الجبال طولا في عالم وهمي، مقابل فشل ذريع في كل المواجهات الحقيقية على أرض الواقع.

ما فعله لاعب الجودو المصري لا يطرح أسئلة رياضية بقدر ما يطرح أسئلة ثقافية عن عقلية يزين لها الجهل، أنها تحسن صنعا وهي تشارك في صناعة الكارثة وكل يوم.

أولا، ليست هذه المواجهة الأولى بين لاعب مصري ولاعب إسرائيلي في لعبة الجودو تحديدا، فقد سبقتهامباراة في بطولة العالم 2012، استطاع لاعب الجودو المصري رمضان درويش الفوز على منافسه الإسرائيلي إريك زائيفي. كان من الممكن للعب المصري أن ينسحب من المباراة إذا كان لا يؤمن باتفاق السلام الذيتقيمه الدولة المصرية مع إسرائيل، وبهذا لا يكون السلوك النرجسي في الحلبة للاعب مهزوم يمثل كارثة إعلامية تحتاج إلى ملايين الدولارات لتجاوز تبعاتها، ولكنه العقل النرجسي الذي يسعد بمواقف وهمية لا تغني ولا تسمن.

ترى ما الدوافع في المجتمع المصري التي تحاول أن تصنع من هزيمة على الأرض نصرا كلاميا وهميا؟ ولماذا يفضل المصريون التصفيق للوهم على حساب الواقع؟
هذه أسئلة يصعب الإجابة عنها بسهولة.

منذ ظهور كاميرا البلورويد أو التصوير في الحال والمصريون مغرمون بما سميته في مقال سابق بالخروج الوهمي إلى التاريخ، أي التعويض بصور إلكترونية يشاركونها فيما بينهم، لتغطية عجز حقيقي وزاد هذا الموضوع بظهور الفيديو، حيث صور المصريون أفراحهم وملابسهم الزاهية في الحال، وتضاعف ذلك مع ظهور الميديا الجديدة، أو ما عرف بالسوشيال ميديا. ظن جماعة إسلام أن الهزيمة دون سلام رغم الاستسلام هي نصر، وهذا منطق لا تقبله إلا عقول أصابها عطب شديد.

في السابق خلع أبو تريكة أيضا فانلته ليكشف عن تأييده لغزة في مباراة أفريقية، وكأن أفريقيا تحتاج إلى إقناع بالحق الفلسطيني، وكأن الفانلة خلعت في كأس العالم، وكأن اللاعب هو رونالدو أو ميسي وليس لاعبا محليا.

في الوقت الذي تحصد فيه دول العالم الميداليات الذهبية والفضية بالعشرات، أغرقنا حفنة من المصريين على غرار إعلام صفوت الشريف بحدث وهمي لشاب هزم.

الأولمبياد هي صناعة أبطال حقيقيين يصبحون في بلادهم نموذجا يحتذى ورموز اعتزاز وطني، فما هو مصدر الاعتزاز بشاب مهزوم كل بضاعته أنه رفض أن يسلم على إسرائيلي. لم يسأل أحد منا لماذا فشل 300 مليون عربي في إنتاج ميداليات مثل بلد كفرنسا تعدادها لم يتجاوز 70 مليون نسمة.. هل هو سوء تغذية؟ أم ماذا؟

عدم السلام هذا أنتج عبارة من أقوى الرسائل الإعلامية المناصرة لإسرائيل (losing doesn›t make you loser but hate makes you loser) الإعلام المناصر لإسرائيل نجح في تصويرنا كثقافة كراهية وبالدليل. أعتقد مع هذا النوع من المناصرين الجهلاء لقضايانا نحن لا نحتاج إلى أصدقاء ولا حملات إعلامية. قضايانا تضرب في مقتل في المهد، ولدينا من يصفقون للهزائم ويصونونها انتصارا.

هذه الظاهرة هي أخطر فيروس سيحول مصر وبسرعة ليس إلى دولة فاشلة، بل إلى ثقافة فاشلة تخدع نفسها بكل ما هو وهمي على أنه حقيقة؛ إذ تسود عقلية الوهم، وعقلية الوهم دائًما ما تتسيد في المجتمعات المفلسة التي تنتظر أموالا تسقط عليها من السماء، وحظا يحول حياتها بين ليلة وضحاها كحظ من يلعبون اليانصيب. بناء الثقافات والدول عمل شاق وليس ضربة حظ.

«غزوة ريو» تدغدغ العقل ذاته الذي ينتشي لسماع أصوات خيول قادمة من بعيد في عالم تتسيده طائرات الـf16 وما بعدها، ولكنه العقل الغيبي الماضوي الذي ينشغل بالشكليات على حساب الإنجاز. انشغل المصريون والعرب بزي اللاعبين العرب، وخصوصا اللاعبات، وكأن الموضوع هو منافسة عرض أزياء لا منافسة رياضية أولمبية.

«غزوة ريو» ليست غزوة، بل هزيمة مزدوجة. هزيمة للاعب الجودو الذي عليه أن يقر بهزيمته في الجودو ولا يسّيس الأمر. أما الهزيمة الثانية، فهي هزيمة إعلامية لم تبذل فيها إسرائيل أي جهد، فقط مد اللاعب الإسرائيلي يده ورفضها المصري، ولا تحتاج كاميرات العالم وعيونه سوى هذه الصورة. على لاعب الجودو المصري أن يعالج نفسه من الوهم، ويعترف بالهزيمة بدلا من نقل الهزيمة من ملاعب الرياضة إلى ملاعب السياسة. بداية الشفاء هو الاعتراف بالمرض، ونحن بلا شك ثقافة مريضة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصبح الوهم أقوي من الحقيقة غزوة ريو عندما يصبح الوهم أقوي من الحقيقة غزوة ريو



GMT 09:43 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

الإمام والبابا

GMT 09:37 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

صباح الأحمد

GMT 02:52 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نظام عالمي جديد؟

GMT 03:56 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

الإعلام الجديد

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia